بعد الاطّلاع على أوضاع المرأة وما تعانيه من مختلف أنماط العنف المتزايد في ظلّ التشريعات القاصرة عن تلبية الحاجة المطلوبة من وقاية وحماية وملاحقة وتجريم وتوفير للخدمات اللازمة والتعويض عن الضرر اللاحق بالضحايا، تقدّمت جمعية "كفى" بقانون شامل للعنف ضد المرأة يحقّق هذه الأهداف.

أحكام وقوانين دولية تجرّم العنف ضدّ النساء

استندت جمعية "كفى" في صياغة اقتراح القانون الشامل لمناهضة العنف ضد المرأة، إلى أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، ولا سيما وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس بتاريخ 10 كانون الأول 1948. والعهدان الدوليان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الامم المتحدة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادران عن الأمم المتحدة عام 1966، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 كانون الأول 1979 واتفاقية حقوق الطفل، التي اعتمدتها الجمعية نفسها في 20 تشرين الثاني 1989، بالإضافة إلى الإعلان العالمي للعنف ضد المرأة الذي أقرّته بتاريخ 20 كانون الأول 1993. وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتّجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الذي اعتُمد بتاريخ 15 تشرين الثاني 2000 وقرار مجلس الأمن الرقم 1325 الذي اتَّخذ في جلسته المعقودة بتاريخ 31 تشرين الأول 2000 والخاص بالمرأة والسلام والأمن.

فضلاً عن اتفاقية منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي المعروفة بـ"اتفاقية إسطنبول" الصادرة عن المجلس الأوروبي في أيار 2011 وبدء سريانها في آب 2014. واقتراح القانون النموذجي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في الدول العربية الذي وضعته 22 منظمة نسوية وحقوقية من 14 دولة عربية عام 2017.

4 مبادئ أساسية:

بالإضافة إلى القوانين والمعاهدات والاتفاقات الدولية، شمل مشروع قانون جمعية "كفى" المبادئ التالية:

- اعتبار العنف ضدّ المرأة شكلاً من أشكال التمييز وانتهاكاً لحقوق الانسان، وجرماً يعاقب عليه القانون.

- عدم اعتبار الثقافة أو العادات أو التقاليد أو "الشرف" أو الدين مبرراً لارتكاب أفعال العنف المشمولة في هذا القانون.

- احترام إرادة المرأة في اتخاذ القرار المناسب لها. واحترام وضمان الأمن الشخصي وخصوصية المرأة. وتوفير الدعم القانوني للنساء والفتيات ضحايا العنف وتمكينهن من الوصول إلى العدالة عن طريق الاستفادة من المعونة القضائية.

- مرافقة النساء والفتيات ضحايا العنف بالتنسيق مع الجهات المعنية من أجل توفير المساعدة الاجتماعية والصحية والنفسية الضرورية لتأهيلهم وإيوائهم في حدود الإمكانات المتاحة.

عدم تخصيص قوانين للنساء

وللاطلاع على تفاصيل هذا القانون، قالت لـ"الصفا نيوز" المحامية ليلى عواضة، وهي شريكة مؤسِّسة في جمعية "كفى" إنّ "القانون الشامل لمناهضة العنف ضدّ المرأة الذي تقدّمت به جمعية "كفى"، هو أوّل قانون يخصّص للنساء، فنحن في الجمعية نحاول منذ 2008 حماية النساء من العنف الذي يتعرّضن له، والذي يصل أحياناً إلى حدّ القتل. وكنّا قد نظّمنا حملة في العام نفسه لحماية النساء من العنف الأسري، وأقرّ المجلس النيابي على أثر هذه الحملة قانون العنف الأسري في 2014، ورفض تخصيصه للنساء، فجعله شاملاً جميع أفراد الأسرة. علماً أن تصوير العنف الذي تمارسه المرأة على الرجل كالعنف الذي يمارسه الرجل على المرأة فيه ظلم للنساء ويهدف إلى إبطال فعالية الحماية للنساء، لذلك عدّلنا القانون في 2020، لتأمين حماية أكبر للنساء. ورغم تحقيق بعض الإنجازات في تعديل القانون من ناحية حماية المرأة وأولادها، وحماية النساء المطلّقات، رفض المجلس النيابي مرّة جديدة تخصيص القانون للنساء".

"في المقابل، فإنّ تدابير الحماية التي تؤخذ في قانون العنف الأسري هي الأساس"، بحسب عواضة، "فلا شكّ في أنّ تشديد العقوبة مهم، إلاّ أنّ الحماية أهمّ، والتدابير التي تؤخذ في هذا الإطار تعطي فعاليّة جيّدة، وتستوجب تعميمها على كلّ أشكال العنف التي تتعرّض لها النساء، داخل الأسرة وخارجها. من هنا جاءت فكرة قانون العنف الشامل ضدّ المرأة، للاستفادة من الإيجابيات وتدارك السلبيات، من تجارب القوانين السابقة، كقانون العنف الأسري وقانون مكافحة التحرّش الذي أقرّ في 2020 لكنه لا يتضمّن آلية حماية للضحايا. علماً أنّ النسبة الكبرى من ضحايا التحرّش هي من النساء. لذلك، نقول بهذا القانون أنّ جميع أشكال العنف ضدّ النساء، داخل الأسرة أو خارجها، جسدية كانت أم معنوية، أو جنسية أو اقتصادية، تعطي السيدة قرار حماية ضدّ المعنّف يمنعه من الاقتراب منها سواء في عملها، أو في منزلها، أو في الشارع، ويلزمه بتدابير وقائية. كما يشدّد القانون العقوبة على الفاعل إذا كانت ضحيته امرأة. وينشىء صندوقاً لمساعدة الضحايا في الوصول إلى العدالة، لأنّ الرسوم القضائية وكلفة توكيل محام تشكّلان عائقاً مادياً أمام النساء، فضلاً عن تكاليف العلاج المتأتية من العنف. عدا أنّ الكثير من النساء اللواتي لا يزاولن مهنة يخضعن لنوع من العنف الاقتصادي، ولا يستطعن الاستمرار في العيش إذا رفعن شكوى ضدّ المعنّف، وبالتالي يكون هناك صندوق يدعم هؤلاء الضحايا، ويدفع لهنّ تعويضاً، إذا ما تبيّن أنّ العنف الحاصل يترتب عليه تعويض. وبذلك يكون الصندوق قد ساعد هؤلاء النساء على إكمال حياتهنّ".

محاور القانون الأساسية

وتشير عواضة إلى محاور القانون،. أولها الوقاية، التي تشمل أسباباً موجبة يجب أن تعتمدها الدولة عبر إلغاء جميع أشكال التمييز بحقّ النساء في القوانين، وخصوصاً في قوانين الأحوال الشخصية، واتخاذ التدابير اللازمة في الوزارة المعنية لمنع العنف ضدّ النساء، كالمنح المدرسية للفتيات، وتغيير المناهج التربوية. والمحور الثاني يشمل تدابير حماية بغضّ النظر عن نوع العنف، ومكان ارتكابه. والمحور الثالث يشمل الملاحقة وتشديد العقوبة على المعنّف، والمحور الرابع يتصل بصندوق دعم الضحايا".

7 نوّاب وقّعوا مشروع القانون

وكان قد وقّع سبعة نوّاب مشروع القانون، وهم مارك ضو، وحليمة قعقور، وسينتيا زرازير، ونجاة صليبا، وفراس حمدان، وميشال دويهي، وبولا يعقوبيان التي قالت لـ"الصفا نيوز" إنّ "واقع النساء اللبنانيات في القوانين سيّئ جداً، ففي العام 2011، أي قبل 10 سنوات، وبعد نضال نسوي كبير، قرّر مجلس النواب إلغاء المادّة التي تعطي أسباباً تخفيفيّة لجرائم "الشرف". والوضع الأسوأ هو استغلال بعض القضاة موادَّ في القوانين تعطي أسباباً تخفيفية للجرائم الناتجة من فورة الغضب".

معوقات تحول دون إقرار القانون

وعن أهميّة القانون الشامل لمناهضة العنف ضدّ المرأة، قالت إنّه "يجب أن يشدّد العقوبة كي يصبح هناك رادع أكبر بحقّ المجرم والمعنّف"، واعتبرت أنّ "البرلمان اللبناني ذكوري، متخلّف، بدائي، رجعي، إذ لا يعالج جميع القضايا التي تعنى بالفئات المهمّشة، وأهمها قضايا المرأة التي تٌحارب، وكأنّ المرأة عدوّة الرجل أو منافسة له، في حين أنّها تطالب بالقليل من العدالة والمساواة، في ظلّ عقليّة مجتمع أبوي وذكوري متحكمة في مفاصل المجتمع".

وحيّت يعقوبيان مسلسل "ع أمل" الذي سلّط الضوء على قضايا النساء بطريقة دراميّة جعلت الناس تتعاطف مع ما تعانيه النساء ويواجهنه من سلب قرار بشكل كامل أحياناً من قبل الزوج، أو الأخ، أو الأب، أو أي ذكر".

وما يحول دون إقرار القانون الشامل لمناهضة العنف ضدّ المرأة، الذي تقدمت به جمعيّة "كفى"، بحسب يعقوبيان، هو "غياب الرأي العام الواعي والداعم لهذه القضية من ناحية، ومن ناحية أخرى الذهنية المتحكّمة بالسلطة، والكتل النيابية التي يتحكم بها الزعيم، وفكرة الزعيم بذاتها فكرة متخلّفة، في حين يأتي هذا الزعيم مع فكر ذكوري وحب السيطرة والفوقية".