الأسبوع المقبل، تعاود اللجنة الخماسية نشاطها وتستكمل جولاتها على رؤساء الأحزاب والكتل السياسية لاستمزاج آرائهم حيال انتخاب رئيس للجمهورية. لقاءان مهمّان للجنة، واحد مع حزب الله الذي سيبلغها بانفتاحه على الحوار والفصل بين الرئاسة والحرب على غزة، والثاني مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. تستبشر اللجنة خيراً من لقاءاتها وتقول مصادر ديبلوماسية لـ"الصفا نيوز" إنّ اللجنة لا تحمل صيغة محدّدة وستكتفي بالاستماع إلى آراء من تلتقيهم وتثمّن عالياً تجاوب الرئيس نبيه برّي مع مساعيها.

وبدوره يعوّل بري على حراك الخماسية بدليل ما قاله عن الاستحقاق الرئاسي الذي سينشط البحث بشأنه بعد العيد مباشرة. رداً على سؤال عن إمكان حصول حلحلة في الملف الرئاسي بعد عطلة الاعياد قال بري : "إن شاء الله".

والأمنية تلك يتقاسمها بري مع اللجنة الخماسية ومع تكتل الاعتدال النيابي على أمل أن تحدث تطورات تساعد في تأمين قوة دفع لهذا الاستحقاق بعد العيد مباشرة أو فور عودة اللجنة الخماسية لاستئناف جولتها خلال الأيام القليلة المقبلة. تتحدث مصادر نيابية لـ"الصفا نيوز" عن وجود تناغم بين بري والخماسية والاعتدال الوطني وأنّهم، مجتمعين، ينتظرون موقف الكتل المسيحية من الحوار. لكنّ المشكلة أنّ القوى المسيحية الأساسية، كما البطريركية المارونية، ترفض مبدأ الحوار الذي يطرحه برّي، وتريد الركون إلى الدستور في تحديد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية. لا شيء واضحاً بعد. حتى مبدأ الحوار لا اتفاق على تفاصيله ولا اتفاق على جلسة الانتخاب التي تريدها المعارضة، مثلها مثل القوى المسيحية، مفتوحة، في حين يصرّ الثنائي الشيعي على عقد جسات متتالية، لكلّ منها محضره المنفصل. نقطة إضافية مختلف عليها هي قيادة الحوار والمدعوّون إليه وهذه أمور لم تقاربها الخماسية بقدر ما تكتفي بطرح عناوين عريضة، وتحذّر من استمرار الفراغ الرئاسي.

تأمل الخماسية أن ينجح الاتفاق بشأن هدنة لحرب غزة لما من شأن هذا أن يساهم في إنجاح مهمّتها، خصوصاً متى ترافق ذلك مع عودة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين ليستأنف بدوره محادثات تطبيق القرار 1701 التي يدخل الاستقرار السياسي في صلبها. وكما هو معلوم فقد فرضت حرب غزّة الربط بين الاستحقاقات.

نجاح الخماسية يتوقف على عاملين اثنين، هما وقف الحرب في غزّة كعامل مساعد، وحصول خرق في مواقف الأطراف المعنية داخلياً

تثمّن اللجنة الخماسية لقاءها مع بري وتقول، حسب ما تنقل مصادرها لـ"الصفا نيوز"، إنّ السفراء لمسوا جدية في التعاطي وارتياحاً من قبل رئيس المجلس، موضحة أنّ المرحلة الأولى من عمل اللجنة ستنتهي بعد استكمال الجولة على الكتل النيابية، لتبدأ منتصف الشهر الجاري المرحلة الثانية وتكون قد رفعت تقريرها إلى مرجعياتها في نهايته، وتضمّن التقرير حصيلة ما لمسته من خلال التشاور مع الجميع. وتضيف المصادر أنّ رئيس المجلس سبق أن وعد خيراً حيال الحوار والدعوة إلى جلسة انتخاب الرئيس، واللجنة تعوّل على ما سمعته.

وتقول مصادر ديبلوماسية إن استكمال الخماسية مسعاها لا يعني أنّها تحمل جديداً بقدر ما هدفها الاطلاع على مواقف القوى السياسية وإعداد تقرير بشأنها لرفعه إلى وزراء خارجية الدول الخمس المعنية. ويُنقل عن السفيرة الأميركية تفاؤلها بالمساعي التي تبذلها بلادها بالتعاون مع الخماسية لإخراج الرئاسة من التعقيدات المحيطة بها، على أن ترفع توصية بضرور إحالة الملف إلى وزراء خارجية الخماسية التي لا يستبعد اجتماعهم فور نضج الأجواء لذلك.

ونجاح الخماسية يتوقف على عاملين اثنين، هما وقف الحرب في غزّة كعامل مساعد، وحصول خرق في مواقف الأطراف المعنية داخلياً. تعتبر المصادر أنّ وقف النار ولو أياماً معدودة كفيل بتحريك الاستحقاق والعودة إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس. ذلك أنّ الفصل غير ممكن ما دام حزب الله يقدّم جبهة الجنوب على ما عداها. لكن الحزب ينفي إصراره على الربط، ويعتبر أنّ الحلّ لرئاسة الجمهورية شرطه الاتفاق، رافضاً فرضية استثمار نتيجة حرب غزة وجبهة الجنوب في الاستحقاق وفرض مرشحه سليمان فرنجية. وتقول مصادره إنّ كلّ الهجمة التي يتعرض لها حتى من الحلفاء والمقرّبين سببها الخشية من تسوية على حسابهم لمصلحة مرشح "الثنائي"، وإنّ هذا غير واقعي وليس مقبولاً، ولكن المفاوضات بالشأن الرئاسي ستدخل طبعاً حيز التفاوض متى أرادت الولايات المتحدة وضع البند الرئاسي في سياق البنود التي سيتم التفاوض بشأنها لعودة الهدوء إلى الحدود الشمالية لإسرائيل.

مصادر ديبلوماسية مطلعة على سير المفاوضات الجارية بين حماس وإسرائيل تقول إنّ الولايات المتحدة وقطر تضغطان من أجل وقف إطلاق النار وإعلان هدنة ولو لفترة الأعياد، لكنّ القرار بذلك مرهون بمدى رغبة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتياهو الذي يعتبر أنّ تقديم أيّ تنازل لإنجاح المفاضات هو بمنزلة هزيمة له ولحكومته ويسعى إلى إطالة أمد الحرب.

لكن ما ليس معروفاً بعدُ هو كيف سيكون انعكاس التطورات الأخيرة على سير الاستحقاق الرئاسي والتلاقي بين الكتل السياسية. الحوار الذي كان يأمله برّي جامعاً لكلّ الكتل النيابية ألا يزال ممكناً بعد حادثة قتل منسق القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان، والتي خلّفت فور حصولها توتراً سياسياً بين القوات وحزب الله؟ أم أنّ ما حصل سيجعل الحوار ضرورة وطنية لتهدئة التشنّج وتطويق انعكاساته على الشارع؟

العين على الدوحة وما ستفضي إليه المفاوضات بشأن الحرب على غزة ومنع نتنياهو من دخول رفح. فشل التسوية معناه ترجيح كفة الحرب الإسرائيلية الواسعة على لبنان، ودخول إسرائيل إلى رفح بعد غزة يهدّد المنطقة بأسرها. والأهم هو مستوى الرد الإيراني على استهداف إسرائيل قنصليتها في دمشق، والذي يتوقّف عليه تحديد وضع المنطقة كلها.