لم يكن سوء التفاهم الذي ساد بين أهالي في بلدة رميش وحزب الله إلّا محطّة من محطّات العلاقة المتشنّجة مع بعض الأطراف المسيحية. تراجع التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر واصطدامه بمطبّات عطلّت مفاعيله انعكسا، سلبًا، على حضور حزب الله وعلاقته مع المسيحيين. يُتهم حزب الله بضرب الشراكة في الموضوع الرئاسي والاستفراد بقرار السلم والحرب وأخذ البلد إلى حرب ليس بمقدوره تحمّل تبعاتها. ولكلّ ذلك مبرراته في رؤية حزب الله إلى تلك العلاقة. 

يظهر فتح ملفّ العلاقة بين الطرفين وجود جردة حساب طويلة ومآخذ متبادلة دفع البلد ثمنها ويستمرّ في دفع الثمن. تراجع العلاقة بين التيار وحزب الله كانت مدخلاً لتصعيد مسيحي في مواجهة الحزب وسلاحه على خلفية خوضه الحرب في الجنوب بقرار منفرد بمعزل عن الدولة. مسألة ثانية خلافية هي مسألة الشراكة على خلفية تبنّي الثنائي الشيعي ترشيح سليمان فرنجية المرفوض من الطرفين المسيحيين الرئيسيين.  

تراجع العلاقة بين التيار وحزب الله كانت مدخلاً لتصعيد مسيحي في مواجهة الحزب وسلاحه على خلفية خوضه الحرب في الجنوب بقرار منفرد بمعزل عن الدولة

لحزب الله اعتباراته التي يرفضها المسيحيون، وضمنهم التيار الوطني الحر. من وجهة نظر التيار فإنّ ما قام به الثنائي السياسي الشيعي جعل المسيحيين، بمن فيهم التيار الوطني الحر نفسه، يُفاجأ بتجاهل القلق المسيحي حيال الشراكة. وهو ما كان سبباً لاجتماع المسيحيين في بكركي واستنهاض المواقف الرافضة للسلاح غير الشرعي. البند الذي استغرق بحثاً مستفيضاً في أوساط المجتمعين ولم ينته إلى اتفاق بشأنه. يوم كان ميشال عون رئيساً للجمهورية نجح في تحييد هذا البند أو الغوص في المطالبة بالاستراتيجية الدفاعية . طوال فترة ولايته تعمّد عون إراحة حليفه ومساندته. 

السلاح وقرار السلم والحرب والرئاسة جوامع مشتركة يلتقي عليها رئيس التيار جبران باسيل مع قائد القوات اللبنانية سمير جعجع وحزب الكتائب مع فرق في الأسلوب والمرونة في التعاطي والدفع في اتجاه الحوار وليس التصادم. 

باسيل الذي باتت علاقته باردة مع حليفه مضطر إلى خوض الحوار مع المكوّنات السياسية لملاقاتها رئاسياً، بعدما فشل في تعديل موقف حزب الله من ترشيح فرنجية. ولم يستطع التماهي مع وحدة الساحات، وقد تحوّل لبنان إلى ساحة حرب مشرّعة لمسيّرات إسرائيل. 

مسألة ثانية يثيرها التيار، وهي نفور المسيحيين من سرعة ولادة الإسلام السياسي ونمو العلاقة السنّية مع الشيعة على حساب الشراكة مع المسيحيين، وهذا ما نبّه المسيحيين إلى ضرورة إعادة النظر في تركيبة النظام برمّته. نتحدّث هنا عن مطلب اللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ وبتّ مسألة المهل، وهي قضايا ملحّة. وأيّاً كانت نتيجة لقاء بكركي المسيحي، فإنّه نجح في الاتّفاق على الرؤية إلى النظام والحاجة إلى تعديله وإعادة النظر فيه. لكنه أخفق في الاتّفاق على السلاح.

وإذا كان ميشال عون أراح شريكه في موضوع الإستراتيجية الدفاعية فلم يعد يستطيع التغاضي عن الأمر اليوم، لأنّ السلاح مرفوض في الوجدان المسيحي، وهناك فئة مسيحية تعيّر التيار بإعطائه الحزب الكثير في حين رفض الحزب إقامة دولة وبقي سلاحه في خدمة مشاريع أمنية وصادر قرار الحرب والسلم. لذلك كان ثمّة امتعاض من محاولات التخوين لمعارضي فتح جبهة الجنوب. لسان حال المسيحي اليوم هو أنّه لا يريد خوض الحرب ولن يكون خائناً.  

تختلف مقاربة حزب الله لعلاقته مع المسيحيين. بحسب مصادر الحزب فهو منذ بدء عمله السياسي كان حريصاً على إبقاء العلاقة قائمة ومفتوحة مع القوى المسيحية، باستثناء القوات اللبنانية لوجود إرث مجزرة صبرا وشاتيلا واغتيال الرئيس عمر كرامي، فضلاً عن وجود إرث في العلاقة بين أبناء الجنوب والمتعاملين من جماعة سعد حداد ثم أنطوان لحد وعقل الهاشم. طوال سنوات كان فريق من المسيحيين يتصرف على أساس أنّ المقاومة ميليشيا إلى أن حصل التحرير عام 2000. وكانت حسرة لدى الحزب أنّ الشركاء في الوطن يرفضون التعامل معه على أنّه مقاومة، وأنّ أبناءه شهداء "ومع ذلك كنّا حريصين على إقامة أفضل العلاقات مع المسيحيين". وحين كان حزب الله يرتّب إطاره التنظيمي "حرص على وجود ملف للعلاقة مع المسيحيين ونجح في إقامة علاقات مع شرائح مسيحية متعددة". في تدرّج هذه العلاقة وواقعها يمكن سرد الوقائع التالية: 

رغم الكلام الإيجابي الذي كان يصله من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وخلاصته أنّه حزب يمكن التفاهم معه لأنّه وفي، رفض حزب الله فتح قنوات حوار مع القوات أو إقامة علاقة سياسية مباشرة معها لأسباب متعدّدة من دون أن يقفل قنوات التواصل معها في مجلسي النواب والوزراء إلى أن وقعت حادثة الطيونة الشهيرة التي أقفلت الأبواب المفتوحة.  

مع الكتائب خاض الحزب حواراً وتبادل لقاءات توّجت بزيارة الرئيس أمين الجميل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. كلّف مندوبون للحوار ووُضعت بنود لتفاهم مشترك "لكنّ مشكلة الكتائب أنّ كلامهم في السرّ هو غيره في العلن. عدا أنّهم لم يكونوا جدّيين. وقد استمرّ هجومهم على سلاح حزب الله في الإعلام. 

حرص حزب الله على العلاقة مع البطريركية المارونية رغم كلّ ما اعترى هذه العلاقة من مطبّات ومواقف سلبية كان يتعمّد عدم الرد عليها "حريصون على العلاقة مع المسيحيين وعلى أن يكون لبنان بلداً للتعايش والوحدة الوطنية، لكن سبب الخلاف الأساسي هو رئاسة الجمهورية. تعتبر بكركي أنّ حزب الله بإصراره على ترشيح فرنجية يفرض إرادته على المسيحيين، ولكنه يعتبر هذا حقاً من حقوقه وله أسبابه واعتباراته الإستراتيجية بحيث يريد رئيساً يطمئن له ولموقفه، وهذا كان مصدر إزعاج لبعض الفرقاء، لكن لا مانع من الحوار ولو مرّت العلاقة بنوبات طالعة ونازلة". 

أمّا مع التيار فقد توصّل إلى تفاهم مار مخايل "الذي عُدّ من أهمّ التفاهمات التي تمثّل العلاقة بين المسيحيين والشيعة، وكان مدعاة هجوم بعدما كرّس مفهوم الوحدة وأرسى قواعد جديدة للتعاون بين الحلفاء". صمد حتى العام 2013 رغم مروره بمطبات كثيرة "وحين كانت علاقتنا مع التيار جيدة كان حضورنا في الوسط المسيحي أكبر، وحين توتّرت تراجع هذا الحضور". 

يعترف حزب الله أنّ حضوره في الشارع المسيحي، اليوم، هو "أقلّ ممّا كان عليه يوم تفاهمه مع التيار، ولم يعد وضعه في الساحة المسيحية في أحسن مستوياته، وقد تأثّرت العلاقة بفعل الخلافات أو التباين في وجهات النظر". كما يعترف أنّ خلافه مع المسيحيين هو على رئاسة الجمهورية، وعندما ينتهي الخلاف ويُنتخب رئيس سيعود كلّ شيء إلى سابق عهده وتُفتح صفحة جديدة". وتتابع مصادره "ترشيح سليمان فرنجية هو السبب. نحن متمسكون به لاعتبارات تتصل بحاجة المقاومة إلى الاطمئنان لشخص الرئيس في وقت يقف الجميع ضدنا". وتمضي المصادر قائلة "نحتاج إلى ترميم علاقتنا مع القوى المسيحية بعد الرئاسة عقب انتهاء الحرب. أمّا في ما يتعلق بساحة الحرب في الجنوب، فلم نطلب إشراك أيّ طرف من الأطراف في القرار منعاً لإحراجه، وطلبنا إليهم الوقوف على الحياد فحسب. وقلنا للعماد عون إنّنا حريصون على ألّا نجرّ البلد إلى حرب شاملة". ولكن الحزب يعتبر أنّ "المطالبة بوقف المواجهة في منتصف الحرب طعنة في الظهر، وهو أمر يصبّ سياسياً في خدمة إسرائيل. ورغم ذلك نتفهم ونلتزم الصمت لأنّنا حريصون على الشراكة مع المسيحيين".