اليوم العالمي للمياه، في 22 آذار، هو فعالية عالمية يُراد منها نشر الوعي في الأمور ذات الصلة بالمياه. وهدف الاحتفال بهذا اليوم جذب الانتباه إلى أهمّية المياه العذبة، والدعوة إلى الإدارة المستدامة لمواردها على اعتبار أن الحصول على المياه حق من حقوق الإنسان. ومع ذلك، يعيش 2.2 مليار شخص من دون خدمات مياه شرب آمنة، مع ما يترتّب على ذلك من آثار سلبية على حياتهم وعلى المجتمع الأوسع، بحسب تقارير الأمم المتحدة. 


70% من الأنهر في لبنان غير مؤهلّة للريّ 

خلص تقرير للمجلس الوطني للبحوث العلمية في العام 2021 إلى أنّ ثلث الساحل اللبناني ملوّث وغير صالح للسباحة. ومسؤولية هذا التلوث تقع أساساً على الأنهر التي تبيّن أن أكثر من 90% من مياهها التي تصبّ في البحر ملوّثة، وتحتوي على جراثيم اكتسبت مناعة ضد عدد من الأدوية المضادة للالتهابات. وعليه، تلفت الدراسة إلى أنّ أحد أهمّ أسباب تلوّث الساحل اللبناني هو تلوّث الأنهار التي تصبّ فيه، وأنّ نسب التلوّث في المياه أعلى بكثير من تقديرات المجلس الوطني للبحوث العلمية وغيره. وتبيّن أنّ 70% من الأنهر في لبنان غير مؤهّلة للريّ و 30% غير مؤهّلة للسباحة بسبب التلوّث بالبكتيريا البرازية.  

8% فقط من مياه الصرف الصحي تخضع للمعالجة 

ياسمين جبلي، أستاذة محاضرة في جامعة البلمند


"في لبنان 40 نهراً، 16 منها أساسي وكبير"، تقول ياسمين جبلي، وهي أستاذة محاضرة في جامعة البلمند، لـ"الصفا نيوز"، "وهي تتوزّع بين أنهر ساحليّة تصبّ في البحر المتوسّط، وأنهر عابرة للحدود، وأنهر داخلية. أمّا عدد الينابيع، بحسب الخرائط الطوبوغرافية الأخيرة، فوصل إلى 5000، ويملك لبنان داتا عن حوالى 400 ينبوع فقط. وهنالك 37 محطّة شاطئيّة تمتد على طول الساحل اللبناني من أقصى الشمال في عكار الى أقصى الجنوب في الناقورة". 

وأشارت جبلي إلى أنّ "الثروة المائيّة في لبنان تواجه العديد من التحدّيات، أوّلها، مشكلة المؤسسات التي تعنى بمعالجة مياه الصرف الصحي، حيث 8% فقط من هذه المياه تخضع للمعالجة، وهذا ما يدلّ على أنّ المياه الخام الملوّثة تصبّ في الأنهر، متسببةً في نسب تلوّث عالية. والمشكلة الثانية هي خلل في التوازن بين العرض والطلب على المياه، إذ نسحب كمّيات ضخمة من المياه مقابل كميّة مياه محدودة. والمشكلة الثالثة تكمن في تلوّث المياه التي يعاد استخدامها لريّ المزروعات، مما يسبّب الكثير من الأمراض. بالإضافة إلى سوء الإدارة والتخطيط، وضعف التمويل وعدم وجود آليّة الدفع على قدر الاستخدام،  وهذا ما يراكم عدم الوعي المجتمعي على كميّة المياه التي يصرفها الفرد". 


مشروع اليونيسيف لصيانة 11 محطّة تكرير 

ولفتت جبلي إلى "وجود مشروع مموّل من اليونيسيف، يتمّ العمل عليه، لمعالجة 11 محطّة لتكرير مياه الصرف الصحّي في لبنان، وهذا مشروع بالغ الأهميّة لكون معظم محطّات مياه الصرف الصحي متوقّفة عن العمل، إمّا لغياب القدرة الماليّة على صيانة هذه المحطّات، أو بسبب انقطاع الكهرباء فترات طويلة. كما يجري العمل على تقنيات جديدة في ريّ المزروعات، وعلى إقرار معايير جديدة لإعادة استخدام المياه المعالجة في الريّ. ومن الحلول التي يتمّ العمل عليها أيضاً، مشروع DAI المموّل من الـUSAID تحت عنوان Water sanitation and conservation  والذي يدعم العديد من المشاريع، منها المحطّات الصغيرة لمعالجة مياه الصرف الصحي وفقاً للمعايير، ومشاريع التوعية على مشاكل المياه والحلول المتاحة". 

وعن دور البلديات في هذا الإطار، شدّدت جبلي على أهميّة أن "التعاون بين البلديات ومؤسسات المجتمع المدني والوزارات ومؤسسات المياه والجهات المانحة، وهذا ما يخفّف الأعباء على قطاع المياه في لبنان. ويلعب المجتمع المدني دوراً رئيسياً في نشر التوعية حول مواضيع المياه، والتواصل مع المزارعين لتوعيتهم على أساليب ترشيد استخدام المياه عبر استخدام تقنيات مبتكرة (لأنّ الريّ يستهلك قرابة الـ70% من المياه) وتخفيف استخدام مياه الصّرف الصحّي المعالجة، ومخاطر استخدام المياه الملوّثة كمياه الأنهر. كما يجب فرض تعرفة على مياه الصرف الصحي لتشغيل محطّات معالجة المياه. كذلك يمكن جمع المياه في بعض المناطق وإنشاء داتا شفّافة حول المياه تعزز الثقة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية، وتخفّف الشعبوية في اتّخاذ القرارات، وهو ما تفتقده مؤسسات المياه في لبنان". 

مشاريع البلمند 

وأضافت "نحن عملنا على العديد من المشاريع، أحدها فاز بالـTimes higher education award، كـoutstanding contribution to environmental leadership، وعنوانه one million action post card initiative، ونجول بهذا المشروع في أنحاء العالم بالتعاون مع طلّاب الجامعات لنشر الوعي حول المواضيع المتعلّقة بالمياه، وتحدّد لهذا المشروع post cards يكتب عليها الطلاب أحلامهم ومشاريعهم في قطاع المياه، وأطلقناه منذ العام 2020، وجمعنا 3000 post card في غضون شهر من الـguest lectures وجلنا في أفريقيا وروما وفرنسا وأندونيسيا ومصر وما زلنا نزور بلداناً عدة، والهدف من هذا المشروع أن يصبح لدينا خريطة من كلّ دول العالم للتحديات التي يواجهها العالم على صعيد المياه". 

أمّا المشروع الثاني، تتابع جبلي، "فهو مموّل من الـ USAID ودرّبنا من خلاله ألراداً من مؤسسات المجتمع المدني على كلّ ما يتعلّق بمواضيع المياه، كي يتمكّن المتدربون من إحداث تغيير، على أمل أن يكونوا جزءاً من الحلّ، ويطلقوا مشاريع بناءة في مناطقهم". 

تعدّيات عمرانية وزراعيّة 

مديرة جمعية التحريج في لبنان، د. مايا نعمة

في سياق متصل، شرحت مديرة جمعية التحريج في لبنان، د. مايا نعمة لـ"الصفا نيوز" أنّ "الأنهر في لبنان تعاني من العديد من المشاكل، كالتعديات العمرانيّة، وتعدّيات الأراضي الزراعيّة على ضفاف النهر، (5 أمتار من نصف النهر)، فيا للأسف هناك الكثير من الأراضي الزراعية والمشاريع العمرانيّة التي وصلت إلى حدود الأنهر، فضلاً عن مشكلة الثلوث من مياه الصرف الصحي، ومياه المعامل، أو النفايات الصلبة. وهو ما يؤثّر بشكل مباشر على النظام الأيكولوجي للأنهر، ويتضمّن الأصناف النباتية التي تعيش على الضفاف وتحت المياه، ويضرّ بالأصناف الحيوانيّة كالأسماك والحشرات والحيوانات التي تعيش في المياه أو على ضفاف الأنهر. ونشهد انقراض بعض الأصناف من هذه الحيوانات. كما هناك مشكلة العمران داخل الأنهر، وهو ما يؤثّر على حركة الفيضانات وسرعة المياه، ويضرّ بالأراضي الزراعية والممتلكات المجاورة للأنهر". 

وأضافت "لكلّ فرد منّا دور أساسي يمكن أن يلعبه لحماية الأنهر، كعدم رمي النفايات في الأحراش أو في الأنهر، ورمي النفايات المنزليّة بقايا التشحيل في الأنهر، كما يحب أن نكون واعين على الجهة التي تحوّل إليها مياه الصرف الصحي، ونطالب البلديات والجهات المعنيّة بإنشاء محطّات تكرير لمياه الصرف الصحي. أمّا مكبّات النفايات الصلبة فيجب أن تكون بعيدة عن مجرى الأنهر، وتخضع لإعادة تدوير". 

وينبغي نشر الوعي حول أهمّية إعادة تأهيل مجاري المياه، تتابع نعمة، "لأنّ جميع الأنهر تعاني من جرف التربة، وإقامة مبان قريبة، وتغيير في مجرى النهر، ما يسبّب تدهوراً للنظام الايكولوجي، فنفقد الأشجار والنباتات التي تحمي التربة التي تحيط بالنهر، وتساعد أيضاً على تنقية المياه وتنظيفها، وحماية الأراضي. وهذا العلم غير موجود في لبنان".  

في المحصّلة تلعب الأنهر دوراً متعدّد الأوجه في حياة البشر والبيئة، وتمثّل مورداً حيوياً يجب الحفاظ عليه واستدامته لضمان الاستفادة القوية من الأنهر. إذ تعتبر مورداً أساسياً للمياه والريّ والزراعة والتجارة والنقل، وتوليد الكهرباء، والنظم الإيكولوجية والاستجمام والسياحة وتوفير المصادر الغذائية والتحكم في الفيضانات. فهل يتنبّه المعنيّون إلى خطورة وضع الثروة المائية في لبنان قبل فوات الأوان؟