يُحكى أنّ إيران أبلغت إلى الولايات المتحدة الأميركية، قبل أسابيع، أنّها ستدخل مباشرة في القتال إذا شنّت إسرائيل حرباً واسعة النطاق على حزب الله وسوريا، واجتاحت رفح الفلسطينية لإطباق سيطرتها على غزة.

وقيل إنّ هذا التحذير الإيراني هو الذي يدفع الولايات المتحدة الأميركية حتّى الآن إلى الضغط على إسرائيل ومنعها من توسعة رقعة الحرب على الجبهة اللبنانية، وهي كانت أبلغت إلى لبنان عبر أكثر من قناة أنّها تضغط على الدولة العبرية، ولكنّها لا تستطيع منعها من شنّ هذه الحرب إذا بادرت الأخيرة إليها.

ويحكى أيضاً أنّ "الديل" الذي حصل بين واشنطن وطهران قبل أسابيع قليلة من عملية "طوفان الأقصى"، هو الذي يدفع إيران إلى التحذير من التدخّل المباشر في الحرب، لأنّها تعتبر أنّ القضاء على حزب الله، وحتّى على حركة "حماس" وأخواتها وغيرها من حركات المقاومة التابعة لمحور المقاومة، ستكون الغاية منه بالدرجة الأولى القضاء على دورها في المنطقة، وهو ما كانت ولا تزال تتفاوض وواشنطن على حجمه وحدوده منذ زمن بعيد. وقد نشط هذا التفاوض حالياً لمناسبة الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ إنّ القيادة الإيرانية تؤيّد بقاء الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض، خصوصاً أنّه عرّاب الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، والذي أطاحه لاحقاً الرئيس السابق دونالد ترامب بعد وصوله إلى سدّة الرئاسة الأميركية.

لذلك، فإنّ الوضع لا يبعث على التفاؤل. فاحتمالات الحرب حتّى الآن تتقدّم على احتمالات التهدئة والتسوية، وأحيانا تتساوى، ما يعزّز خيار الذهاب إلى معادلة "يا قاتل يا مقتول" سواء في غزّة أو على جبهة لبنان الجنوبية. فلا الإسرائيلي مستعداً لقبول الخسارة لأنّه سيخسر كلّ شيء ويضع إسرائيل على طريق الزوال، ولا حركة حماس وأخواتها في وارد القبول بهزيمة بعد كلّ ما ألحقته بإسرائيل من هزائم على المستوىين العسكري والمعنوي رغم كلّ التدمير الذي أصاب قطاع غزّة. ولا حزب الله من جهته وبعد كلّ ما جرى في وارد الدخول في تسوية لا تعيد إلى لبنان حقوقه وأرضه المحتلّة من نقطة B1 في رأس الناقورة إلى مزارع شبعا في القطاع الشرقي من الحدود اللبنانية الجنوبية، فهو دخل الحرب لإسناد المقاومة الفلسطينية في غزّة، ولكن خروجه منها لن يكون بأيّ ثمن حتى لو قرّرت إسرائيل اجتياح منطقة جنوب الليطاني لإبعاد قواته منها.

احتمالات الحرب حتّى الآن تتقدّم على احتمالات التهدئة والتسوية، وأحيانا تتساوى

ويرى مطّلعون على الموقف الأميركي أنّ الموفد الرئاسي آموس هوكستين حمل في زيارته الأخيرة للبنان عرضاً يقضي بانسحاب "قوات الرضوان" التابعة لحزب الله من جنوب الليطاني إلى شماله، على أن يبدأ بعد ذلك البحث في الترتيبات المتعلّقة بتثبيت الحدود البرّية اللبنانية، ولم يأت على ذكر انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا لا من قريب ولا من بعيد. لكن هذا العرض سقط إذ رفضته الدولة اللبنانية ورئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة حزب الله.

والواقع على الأرض هو أنّ حزب الله مضى عليه أكثر من ستة أشهر ‫ونصف الشهر وهو يدكّ المواقع الحدودية الإسرائيلية من مزارع شبعا شرقاً نزولاً إلى الناقورة غرباً، وقد ألحق بها دماراً كبيراً معطوفاً على الدمار الذي أصاب المستوطنات الشمالية ونزوح نحو 160 ألف مستوطن من سكّانها حسب الإحصاءات الإسرائيلية، فكلّ هذا بالمعنى العسكري يشكّل مقدّمة لاجتياح شمال الأراضي الفلسطينية المحتلّة إذا توسّعت رقعة الحرب. وفي المقابل، فإنّ الإسرائيلي يعلن أنّه يقصف "مواقع مهمّة" لحزب الله والبلدات والقرى الجنوبية الحدودية ضمن منطقة جنوب الليطاني وأحيانا شماله، وقد ألحق بها دماراً كبيراً، فضلاً عن نزوح غالبية سكان هذه البلدات والقرى على نحو يشكّل بالنسبة إلى الإسرائيلي تمهيداً لاجتياح المنطقة بثلاثة ألوية مدرّعة يقال أنّها باتت متأهبة لهذه العملية.

ومثلما يتوعد الحزب يإسرائيل بإلحاق هزيمة كبرى بها إن هي فكّرت في توسعة الحرب، أطلق الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله معادلة: توسّعون ـ نوسّع" فإنّ إسرائيل في المقابل تتوعّد باجتياح منطقة جنوب الليطاني وربما أكثر، وإعادة لبنان إلى العصر الحجري مقدمةً تدميرها لغزّة نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه حال لبنان إن هي شنّت الحرب عليه.

على أنّ التوقّعات حول الحرب المتوقّعة متناقضة، فبعضها يقول إن إسرائيل يمكن أن تبادر إليها في أيّ وقت، خصوصاً أنّ فصل الربيع سيبدأ بعد أيام ولا يعود هناك أيّ عائق مناخي أمامها. ويقول هؤلاء أنّ لا شيء يمنع إسرائيل من شنّها في ظلّ اجتياحها لرفح أو من دونه، في اعتبار أنّ القوة العسكرية المطلوبة لهذه العملية متوافرة لدى القيادة الإسرائيلية من خلال انتشار أكثر من ثلاث فرق من الجيش الإسرائيلي على الجبهة الممتدّة من لبنان إلى الجولان. أمّا البعض الآخر فيقول إنّ إسرائيل ستشن هذه الحرب بعد أن تكون قد اجتاحت رفح وأحكمت سيطرتها على قطاع غزة أو قوّضت القوّة العسكرية لحركة "حماس" وأخواتها. عندئذ يمكنها أن تحشد مزيداً من القوى العسكرية على الجبهة اللبنانية متخفّفة من أعباء جبهة غزّة. لكن ما يؤرق إسرائيل هو أنّها غير واثقة من نجاح عمليتها في غزّة، وما يمكن أن تثيره من ردود فعل، خصوصاً أنّ العواصم والجهات الدولية المهتمّة تخشى من أنّ إسرائيل تريد سحق غزّة نهائياً وإفراغها من سكّانها قتلاً أو تشريداً في إطار مشروعها لإقامة الدولة اليهودية الخالصة، بحيث تكون الحلقة الثانية من هذا المشروع تهجير فلسطينيي الضفّة الغربية إلى الأردن وفلسطينيي منطقة الجليل إلى لبنان. وواضح أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تعارض اجتياح إسرائيل لرفح لكنّها تريد منها ضماناً بعدم التعرض للمدنيين الفلسطينيين فيها. ولكنّ هؤلاء كانوا ولا يزالون يسقطون بالمئات يومياً من جراء القصف الإسرائيلي الذي يستهدفهم في الأماكن التي نزحوا أو دفعوا للنزوح إليها من شمال القطاع ووسطه إلى جنوبه.

‏ويؤكّد مطّلعون على الموقف الأميركي أنّه لا ينبغي انتظار حصول اتفاق أميركي ـ إيراني من شأنه حماية لبنان، وفي رأيهم أنّ الحرب ستنشب عاجلاً ام آجلاً لأنّ المعنيين قد استكملوا عدّتها. فالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا تحاربان الحوثيين في اليمن لأنّهم يحظرون دخول السفن الإسرائيلية وغيرها إلى الموانىء الإسرائيلية، مشترطين رفع الحصار عن غزّة ووقف الحرب عليها.

وفي المقابل، تقصف إسرائيل مواقع حزب الله في لبنان، وخصوصاً المنطقة الحدودية تمهيداً لاجتياح برّي تستعدّ له، في حين تبدو سوريا خارج محور الممانعة، حسب هؤلاء المطّلعين على الموقف الأميركي، وفي الوقت نفسه تعتبر إسرائيل أنّها "بلغت المراحل الأخيرة" من حربها على حماس، وأنّها "ألحقت بها هزيمة كبرى واقتربت من السيطرة كلّياً على قطاع غزة"، فيما دول المنطقة لم تستطع وقف الحرب، ولا حتّى رفع الحصار عن القطاع وإدخال المساعدة الإنسانية إليه رغم كلّ ما تملكه من أوراق قوة وضغط إقليمية ودولية.

في هذه الأجواء، تصعّد المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية تحرّكها اللبناني بحيث ستجول بدءاً على مختلف المرجعيات الرسمية والدينية والقيادات السياسية والكتل النيابية في محاولة لتقريب وجهات النظر لإنجاز الاستحقاق الرئاسي استباقاً لما يحضّر للمنطقة من تسويات، وربما من حروب تفضي إلى تسويات، وربما استباقاً لحرب إقليمية قد تنطلق شرارتها من رفح أو من جنوب لبنان.

لكن المؤشرات كلها تدلّ إلى أنّ أوان انتخاب الرئيس لم يحن بعد، وأنّ هناك فترة من الوقت الضائع ينبغي للجميع التعاون على "ملئها" في انتظار زوال "الفتور" الذي أصاب الوحي بكلمة السر الموعودة في شأنه.