عود على بدء، تستأنف اللجنة الخماسية الرئاسية تحرّكها. جولة على المسؤولين بدايتها من عين التينة للاتفاق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على إمكانية تشريع أبواب البرلمان للحوار. ستشمل الزيارة رؤساء الأحزاب والكتل النيابية باستثناء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي استعاضت الخماسية عن لقائه بزيارة إلى الرئيس السابق ميشال عون. اقتراح جاء مخرجاً بعد رفض السفيرة الأميركية ليزا جونسون زيارة باسيل برفقة الخماسية لأنّه معاقب من بلادها. في هذه الجولات كما في سابقاتها، لن تحمل الخماسية أسماء مرشّحين ولن تدخل في الخيارات. كلّ ما تفعله هو عرض المساعدة لتحريك الملفّ الرئاسي. مع فرق هذه المرة يتمثّل بحمل اقتراحات جديدة تقوم على تمهيد الطريق لاجتماع وزراء الخارجية في بيروت، وترتيب لقاء بينهم وبين الكتل النيابية، ربما يكون على شاكلة جلسة تشاور، المقصود منها إخراج الرئاسة من المراوحة التي تتخبّط فيها. 

يتلمّس أعضاء الخماسية وجود عقبات يصعب تجاوزها. مردّها أولاً إلى تمسّك "الثنائي" بمرشّحهما سليمان فرنجية المرفوض مسيحياً. المرشّحون الآخرون يواجهون مشكلات أيضاً إذ لكلّ منهم أسبابه المعرقلة. بعد فائض جولات للخماسية مجتمعة ولقاءات السفراء المنفردة مع رؤساء الكتل النيابية، تبيّن للجنة الخماسية أنّ انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان غير ممكن. الطرف الأساسي المعني فيها، أي حزب الله، ليس متفرّغاً للشأن الرئاسي مع اندلاع جبهة الجنوب وتطور المواجهة بينه وبين إسرائيل وفشل التوصّل إلى هدنة للحرب في غزة. وكيف لحزب يقود حرب استنزاف بهذه القسوة أن يخرج من مرشحه ولا بديل لديه؟ وهل يمكن أن يمرّر استحقاقاً بهذا الحجم بمعزل عن نتائج الحرب فيصبح بلا ورقة قوة يساوم عليها؟ 

تقول مصادر نيابية إنّه لو كان البتّ بالرئاسة متروكاً للرئيس بري لانتُخب الرئيس. معتبرة أن لدى بري مرونة في التعاطي بموضوع المرشحين، لكن حزب الله متمسّك بترشيح فرنجية مع علمه ضمناً باستحالة انتخابه ما دامت التسوية لم تنضج في هذا الشأن. 

ولكنْ في الخماسية رأيٌ يقول إنّ مفتاح الحلّ للرئاسة في عهدة رئيس المجلس، من حيث تحديد جلسة انتخاب أو جلسات انتخاب متتالية والقبول بمبدأ المرشح الثالث. طلبان يصبّان في صلب جولة الخماسية ليكون ذلك تمهيداً لاجتماع وزراء خارجية الخماسية في بيروت، إذا نضجت الأجواء لذلك، أي إذا استطاعت اللجنة الخماسية أن تحقق معطيات إيجابية تمهيداً لمهمات وزراء الخارجية. 

في الخماسية رأيٌ يقول إنّ مفتاح الحلّ للرئاسة في عهدة رئيس المجلس، من حيث تحديد جلسة انتخاب أو جلسات انتخاب متتالية والقبول بمبدأ المرشح الثالث

ربما يكون الجديد في جولة الخماسية تكليف سفراء فرنسا وقطر زيارة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، لوجود اقتناع قطري بأنّ استثناء أيّ طرف من جولات الخماسية يعطّل الحلّ، لأنّ الجميع شركاء في موضوع الرئاسة، وهناك جهات مؤثّرة لا يمكن الاستعاضةعن سماع رأيها بواسطة آخرين.  

يبقى أنّ الحوار الذي ستطرحه اللجنة الخماسية وتمهّد أرضيته لوزراء خارجيتها ليس مجدياً في نظر أوساط نيابية وافقت على وجهة النظر التي تقول أن لا رئاسة في غياب اتفاق على هدنة للحرب في غزّة توقف المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في الجنوب. الموفد الأميركي آموس هوكستين بذل جهوداً حثيثة لأجل تحييد جبهة الجنوب عن جبهة غزّة، والاتفاق على أمور تتعلّق بالحدود المحاذية ولم تلق نداءاته تجاوباً، فعاد صفر اليدين وجمّد مساعيه إلى ما بعد غزّة.  

كذلك سعت قطر إلى مثل هذا الهدف وفشلت، وهي اليوم تعدّ الأرضية لانتخاب رئيس في أول فرصة تُعلن فيها الهدنة، وتعتبر ذلك فرّصة تاريخية.  

لكن الأمنيات لا تصنع رئيساً ولا المساعي التي تصطدم بتمسك الثنائي الشيعي برأيه ورفض مجرّد النقاش في خيار رئاسي ثالث، ورفض التيار الوطني الحر فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون. 

أمّا المعارضة والقوات اللبنانية فهما الحلقة الأضعف في المعادلة الرئاسية. إذا انسحبت المعارضة من ترشيح جهاد أزعور فلا اتفّاق على مرشّح ثانٍ. وضعها سيكون محرجاً، وكذلك وضع القوات اللبنانية في حين يمكن الثنائيّ انتخاب رئيس بالاتفاق مع التيار الوطني الحر ومن دون المعارضة والقوات. 
في تصنيف الخماسية، فإنّ طرفين معنيين مباشرة بالحلّ للرئاسة في لبنان هما الثنائي والتيار الوطني الحر. الأطراف الثانية حاضرة، ولكنّها ليست فاعلة ولا هي لاعبة أساسية حتّى ولو تضامنت في ما بينها. ولذا يقول أحد اعضاء الخماسية أن لا جدوى من أيّة محاولة محلّيّة ما لم تتوقّف حرب غزة وتنضج تسوية انتخابات الرئاسة في لبنان يتمّ الاتفاق ضمنها على سلّة شاملة متكاملة. هناك من يستبشر بدور لقطر تلعبه بالتنسيق مع الخماسية وبقوة دفع أميركية. استقبلت الدوحة موفداً من برّي هو معاونه السياسي النائب علي حسن خليل الذي حمل جواباً عن مقترح رئاسي كان قد جرى النقاش بشأنه. زيارة النائب خليل كانت تعويضاً من زيارة بري الذي تلقّى دعوة لزيارة قطر، ولكن قد لا تخرج تلبيتها في ظلّ التعقيدات الراهنة بأيّة نتيجة تنعكس إيجاباً على رئاسة الجمهورية. 

ابتداء من الأسبوع المقبل، هنالك أمام اللجنة الخماسية جدول أعمال حافل. رهان جديد يبنى على فرص نجاح مفاوضات الهدنة في غزة ويمهّد لحراك جديد على مستوى أعلى. الرهان مشقّة على وقع الميدان. عين حزب الله على الجبهة وتطوّراتها. توقّف الحديث بينه وبين حليف الأمس التيار الوطني الحر في الرئاسة كما في غيرها. كلمة السر في عهدة بري وهامشه ليس واسعاً. حرب غزّة تحكمه كما تحكم الخماسية، وإنْ حاولت تجاوزها.