بشأن ما يمكن عدّه تطورًا "يغيّر قواعد اللعبة تمامًا" لتجارة الهند مع العالم، أعربت جملةٌ من الاقتصادات الكبيرة والصغيرة مثل بنغلادش وسريلانكا ودول الخليج العربي، عن استعدادها لبدء التداول بالروبية مع الهند، حسبما قال وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش جويال. وأشار أيضًا إلى أن دولا ًأخرى ستنضم إلى لائحة الدول التي ستتعامل بالروبي الهندي، من مثل دول ذات اقتصادات متقدمة ودول في الشرق الأقصى، إحداها سنغافورة.  

الروبية عملة عالمية  
وأعربت دول عدّة عن اهتمامها بتبادل عملاتها المحلّية بالروبية في انتظار استكمال عملية التنسيق بين محافظي البنوك المركزية، وقبول نظام التداول من قبل المستوردين والمصدّرين. وتعتبر دول كثيرة أنّ التداول باستخدام الروبية الهندية مفيد لاقتصاداتها، لأنّ العملة الهندية أثبتت أنّها مستقرّة مقابل معظم العملات الدولية. واجتذب هذا الاستقرار دولًا مختلفة لبناء علاقات تجارية على أساس تجارة الروبية. علاوة على ذلك، أثبتت آلية تجارة الروبية أنّها مفيدة للبلدان التي تعاني نقصًا في الدولار الأمريكي. 

وبدأت الهند التجارة بالروبية مع الدول المجاورة مثل نيبال وبوتان. بالإضافة إلى ذلك، تم إدراج الروبية في قائمة سريلانكا للعملات الأجنبية المحدّدة لتسهيل التجارة. وانطلقت جهود الهند لاستخدام الروبية عالميًا في أول دفعة على الإطلاق بالروبية مقابل النفط الخام الذي اشترته من الإمارات العربية المتحدة. وشجعت هذه المبادرة ثالثة أكبر مستهلكة للطاقة في العالم على البحث عن ترتيبات مماثلة مع مورّدين آخرين.

ولدعم استخدام الروبية الهندية في التجارة الدولية، أُجريت تغييرات على سياسة التجارة الخارجية بتحويل الروبيه الى عملة تداول عالمية. وبدأ هذا المسار في تموز 2022 عندما سمح بنك الاحتياطي الهندي للبنوك الهندية بفتح حسابات "فوسترو" خاصة بالروبية والاحتفاظ بها لبنوك الدول التجارية الشريكة.

وكانت الحكومة الهندية قد أثارت خلافاً مع روسيا بعدما رفضت مطالب شركات النفط الروسية، ملمّحة إلى نيّتها الدفع بالروبي، وهو ما تحاول القيام به مع دول أخرى منتجة للنفط إذ طلبت من المورّدين في الخليج العربي قبول ما لا يقلّ عن 10٪ من مدفوعات النفط الهندية بالروبي. وتطمح الهند إلى الاستفادة من نمو الاستهلاك لمصلحتها، من خلال الترويج للعملة الهندية في التجارة الدولية وخفض الاعتماد على الدولار. 

لدعم استخدام الروبية الهندية في التجارة الدولية، أُجريت تغييرات على سياسة التجارة الخارجية بتحويل الروبيه الى عملة تداول عالمية



العملة أداة جيوسياسية  

ويأتي هذا القرار بعد أيام معدودة من الإعلان عن أنّ مجموعة البريكس المكوّنة من 11 دولة، والتي تضمّ البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، والأرجنتين، وإثيوبيا، وإيران، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، ستنشئ نظام دفع يعتمد على بلوكتشين والتقنيات الرقمية. وقال مساعد الرئيس الروسي يوري أوتشاكوف: "نعتقد أنّ إنشاء نظام دفع مستقلّ لدول البريكس هو هدف مهمّ للمستقبل، إذ سيعتمد على أحدث الأدوات مثل التقنيات الرقمية.  والعنصر الرئيسي هو التأكّد أنّها مناسبة للحكومات والأشخاص العاديين والشركات، فضلاً عن أنّها فعّالة من حيث التكلفة وخالية من الأبعاد السياسية". وبحسب التقارير، فإنّ هذا الجهد هو جزء من مهمّة محددة لهذا العام بغية زيادة دور "البريكس" في النظام النقدي الدولي. وتبذل مجموعة "البريكس" جهودًا لتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي في التسوية المعروفة أيضًا باسم إلغاء الدولرة. 

لذا فإنّ الهند، التي ستستفيد من التخّلي عن الدولرة كما مثيلاتها من الدول الأعضاء في البريكس، تأمل أن تحوّل عملتها إلى عملة تداول عالمية أسوة بما تقوم به الصين، وذلك للاستفادة من سوقها الاستهلاكية الضخمة، علماً بأنّ الهند أصبحت في بداية العام الجاري أكبر بلد في العالم من حيث السكان متفوّقة بذلك على الصين. لكنّها في الوقت نفسه لا تريد أن تستبدل عملات أجنبية أخرى بالدولار وعلى رأسها اليوان الصيني، لأنّ نيو دلهي بدأت ترى نفسها منافسة للصين في منطقة جنوب آسيا. وبالتّالي، فإنّ فرض عملتها على الدول المهتمّة بالتعامل معها، وخصوصاً في منطقة جنوب آسيا، يعتبر إحدى أدوات الهيمنة التي تنوي الهند فرضها في المنطقة في مواجهة تمدّد النفوذ الصيني.  

وترى الهند في الصين تهديداً لها في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي. فالجدير ذكره أنّ الخط البحري من مبادرة حزام وطريق يلتفّ على الهند متّخذاً من سريلانكا وسلطنة عمان محطّات له باتجاه جزر موريشيوس، ومنها إلى جنوب افريقيا. أمّا الخطّ البرّي فينطلق من غرب الصين عبر كشمير باتجاه ميناء غوادر في باكستان. وأخيراً نسجت الصين علاقات قوية مع جزر المالديف التي بدأ رئيسها الجديد الابتعاد تدريجاً عن نيودلهي، مفضّلاً توثيق العلاقات مع بكين. وتجد نيودلهي في ذلك تعزيزاً لحضور الصين في غرب المحيط الهندي على حساب النفوذ الذي تطمح إلى بسطه في هذه المنطقة من أجل الانطلاق باتجاه شرق إفريقيا.  

هذا ما جعل الهند تتقارب والولايات المتحدة وتقيم معها مشروع الممرّ الهندي الشرق أوسطي الأوروبي الذي تجد فيه الصين تهديداً لمبادرة حزام والطريق الخاصة بها، كما تجد فيه روسيا عرقلة لخطّ شمال جنوب الذي ينطلق من روسيا عبر أذربيجان وإيران إلى المحيط الهندي. كذلك، فإنّ هذا يفسّر لماذا أقامت الهند تحالفاً عسكرياً مع الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة. لذا يصبح اعتماد الروبي في التعاملات التجارية الهندية نوعاً من ذراع جيوسياسية، أو فلنقل جيومالية في إطار التنافس مع الصين في منطقة المحيط الهندي وجنوب آسيا.