بينما يعيش أهالي الجنوب تحت القصف والتهجير الممنهج، تقف "الدولة" أو ما تبقّى من مؤسساتها وسلطاتها، كالمتفرّجة السلبية، تشهد زوراً على معاناة أناس لم تعتبرهم يوماً مواطنين لبنانيين، فما يعانيه الجنوب من إهمال ليس بجديد، بل هو واقع اعتاده الجنوبيون منذ قيام الدولة العبرية وما أعقبه من مواجهات حدودية واجتياحات عسكرية واحتلال لا يزال واقعاً حتى اليوم في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. 

نزوح قرابة 85 ألف شخص  

الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين


اليوم، يعيد التاريخ نفسه، بعد أن "تخطّى عدد النازحين من الجنوب الـ85 ألفاً ، مرتفعاً من 45 ألف نازح في  تشرين الثاني من العام 2023، أي أكثر من الضعفَيْن"، وذلك بحسب ما صرّح به الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، لـ "الصفا نيوز"، شارحاً أنّ "أسباب زيادة عدد النازحين تعود إلى ارتفاع حدّة الاعتداءات الإسرائيلية في الأسبوعين الأخيرين، فلجأ قرابة 1300 جنوبيّ إلى مدارس ومستوصفات، ومعظمهم من أهالي منطقة شيحين، ويارين، مروحين، وأم التوت، والضهيرة، أي القرى الحدودية في صور. واستأجر حوالى 1500 شخص منازل في مناطق "آمنة"، في حين يملك القسم الأكبر، أي قرابة الـ80%، من الجنوبيين منازل في قرى جنوبية أخرى أو في العاصمة بيروت وضواحيها، وقد انتقلوا للعيش فيها، وهو ما لم يسبّب نزوحا ضاغطاً. في المقابل، هنالك نحو 15 ألف طالب من الجنوب، علّقت مدارسهم حتى إشعار آخر، ما يهدّد مستقبل عامهم الدراسي". 

نسبة النساء بين النازحين، بحسب شمس الدين، "بلغت قرابة نصف العدد أو أكثر، (أي نحو 42 ألف امرأة) لكون معظم المقيمين في القرى هم من النساء. أمّا غالبية الرجال فهم مغتربون أو يقطنون المدن حيث فرص العمل متوفرة". 

لا اعتراف بأنّ لبنان في حالة حرب 

حياة مرشاد، مؤسسة ومديرة جمعية Female.


هكذا تُركت النساء الجنوبيات "لتقبيع شوكهنّ بأيديهن"، ورحن يواجهن أسوأ أشكال العنف الجسدي والنفسي. ففي الأزمات والحروب غالباً ما تكون النساء الحلقة الأضعف، فيتمّ تهميشهنّ وتأتي حاجاتهنّ الصحّية والنفسية، في المرتبة الثانية. وهو ما تؤكّده حياة مرشاد، مؤسسة ومديرة جمعية Female، لـ"الصفا نيوز"، سائلة "لا نعرف لماذا لا يرضى أحد بالاعتراف بأنّ لبنان في حالة حرب، وأنّ هناك قرابة الـ250 ألف شخص تركوا منازلهم، في حين لا تزال التدخّلات في الجنوب خجولة. وفي المقابل، فإنّ الحاجات كبيرة جداً، فالطلّاب حرموا من التعليم، والنساء هجّرن من منازلهن. ونحن كمنظّمة نسويّة نحاول المساعدة ضمن الإمكانات المتاحة، من خلال مراكزنا المنتشرة في كلّ لبنان، وأحدها مركزنا في النبطية. إننا في صدد وضع خطّة للتدخل تركّز بشكل رئيسي على تأمين حاجات النساء من مستلزمات الدورة الشهرية (التي غالباً ما تُنسى أو تُهمل)، ودعم نفسي واجتماعي، وخدمات صحية، كما نسعى في المستقبل القريب إلى دعم الأطفال الذين حرموا من التعليم". 

تمييز طائفي وجندري بحق النساء الجنوبيات 

وأشارت مرشاد إلى أنّ "النساء الجنوبيات يتعرّضن لأنواع تمييز مختلفة، منها جندري وآخر طائفي، نتيجة الانقسام السياسي الحاد والذي يمنع وصولهن إلى المساعدات، لأنّ البعض يعتبر أهل الجنوب محسوبين على فريق سياسي معيّن وطائفة معيّنة مسؤولة عن إعالتهم. في وقت الأزمات لا يمكن مناقشة حقوق الأفراد من منطلق سياسي وطائفي، وجندري، لأنّ جميع الجهود مطلوبة من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، والأفراد، والمغتربين، والأحزاب. هذا التمييز الذي يتعرّض له أهالي الجنوب منذ حرب تمّوز 2006 موجع فعلاً، فالجنوب هو الأحبّ على قلبنا، وبصفة كوننا منظّمة نسوية نعتبر أنّ مناهضة الاحتلال والاستعمار هي قضية نسوية خارجة عن النقاش، بغضّ النظر عن موقفنا من أحزاب سياسية معينة، إلا أنّ هذا لا يمسّ موقفنا المطالب بحقنا في المقاومة، وبحقّ الناس في الحماية من أيّ نوع من العدوان، خاصة العدوان الإسرائيلي". 

ولفتت مرشاد إلى أنّ "النساء هن أكثر الشرائح تضرّراً في الأزمات، لأنهنّ يتحمّلن عبء كبار السن في العائلة، وأعباء الأطفال، وأزواجهن، بالإضافة إلى مسؤولية أنفسهن، وفي حالات الحروب والنزاعات غالباً ما يكون الرجال جزءاً من هذه النزاعات فتلقى المسؤولية على النساء، في حين تنسى وتهمل حاجاتهن. فبعد كلّ أزمة (للمثال، انفجار بيروت والأزمة الاقتصادية...) تأتي المساعدات على شكل مواد غذائية، وقلما تلحظ هذه المساعدات المستلزمات النسائية للدورة الشهرية، فحاجات الحوامل والمرضعات والعاملات منسية على الدوام. كما أنّ نسب العنف ضدّ النساء ترتفع في فترات الحروب، فيصبحن خارج منازلهن، غير مؤمنات، وعرضة للتحرّش والعنف بمختلف أشكاله وللاعتداءات الجنسية". 

التمويل لتأمين الدعم 

ولتأمين التدخل السريع لدعم النساء النازحات من الجنوب، تنظّم جمعية Female سلسلة نشاطات، منها مسرحيات تحمل في طياتها رسائل حول العدالة الاجتماعية، بالتعاون مع عدد من الممثلين اللبنانيين. وفي هذا الإطار، التقى "الصفا نيوز" غوى نصر المعنيّة بمتابعة المشاريع في منظمة Female ، والتي قالت "قبل اندلاع الحرب على الجنوب، كانت حاجات النساء، وخصوصاً تلك المتعلّقة بصحتهن الإنجابية والجنسية، منسيّة. فالنساء اللبنانيات يعانين منذ الأزمة الاقتصادية فقراً في حاجات الدورة الشهرية، والاستشارات الطبية، والأدوية وغيرها من الأمور الأساسية. وفي ظلّ الأزمة الحدودية وتفاقم الوضع المعيشي مع ارتفاع بدل الإيجارات، تضطر النساء للجوء إلى البدائل غير الصحية، كالملابس الداخلية غير الصحية والأقمشة، والمناشف. وفي استفتاء أعدته Female حول حاجات النازحات، ذكرن الفوط الصحية، فأرخص علبة فوط صحّية غير مراعية للمواصفات الطبية يتعدى سعرها الـ100 ألف ليرة، ويا للأسف فإنّ غالبية النساء اللبنانيات غير قادرات على تغطية هذه الحاجات، ونحن هنا نتحدث عن البيت الذي تسكن فيه امرأة واحدة، فماذا سيكون حال الأسر التي تتألف من زوجة وعدة بنات. وإلى جانب مستلزمات الدورية الشهرية، تأتي حاجة النساء إلى الوصول لدورة مياه نظيفة، وأدوية وسواها من المستلزمات الصحية، والاستشارات الطبية لهنّ ولأطفالهنّ وسط انقطاع الدعم التام للدولة". 

حاجات طبية وصحية ونفسية 


وأضافت نصر "تمكّنت جمعية Female من تغطية حاجات أكثر من 100 امرأة في جوار النبطية ودير الزهراني، حيث يقع مركز المنظمة، وهنّ نزحن من منطقة الخيام، وحولا، وغيرهما من البلدات التي تقع ضمن منطقة الشريط الحدودي. وتوفّر المؤسسة الدعم النفسي والاجتماعي لهن، خصوصاً للواتي تعرّضن لعنف مبني على النوع الاجتماعي (إن كان عنفاً منزلياً  أو على منصات مواقع التواصل الاجتماعي حيث أصبح الدفاع عن القضية الفلسطينية جريمة). أما النساء اللواتي خسرن وظائفهن، فتقدم المنظمة لهنّ فرص تطوّع مدفوعة، فضلاً عن فرص تيسير جلسات تتعلّق بالبرامج النسوية، تتمّ فيها الاستعانة بأكثر النساء حاجة وخبرة". 

وعن مشاريع التمويل، تقول "أعددنا مسرحية بعنوان Merry Cream يعود ريعها للنّساء المتضرّرات في الجنوب، بالتعاون مع Dream box films ونخبة من الممثّلين، منهم لمى لوند، ميا علاوي، دوري السمراني، جينيفر يمين، وهي من كتابة وليد عرقجي، وإخراج لينا أبيض”. 




رسالة تضامن مع نساء الجنوب 

إلى ذلك، التقى"الصفا نيوز" بعض الممثلين الذين شاركوا في المسرحية، ومنهم ميا علاوي، التي توجهت برسالة إلى نساء الجنوب، مما جاء فيها "الدني بعد فيا خير وإذا ما لقيتو حدا تعو لعنا". 

وقالت لمى لوند "من واجباتنا كمواطنين ومواطنات أن نتكاتف في هذه الأزمات ونساعد نساء الجنوب، ونفهم أنّ لبنان بلد للجميع، ونبتعد عن الفكر المناطقي، وكأنّ ما يحصل في الجنوب لا يعنينا، فما تتعرّض له الجنوبيات قد يمسّنا جميعاً".  

أمّا دوري السمراني، فقال "في ظلّ الحرب في فلسطين وما يحصل في الجنوب وما حصل في بعلبك، نحن نرفض التقسيم المناطقي والتفرقة بين المواطنين، ونطلب من الله أن يعطينا الصبر لتخطّي المحنة التي نمرّ بها، وعلينا أن نتضامن بغض النظر عن اختلافاتنا السياسية، وبيوتنا مفتوحة لجميع أهالي الجنوب".