تحقّق الدراما التركية نجاحاً جماهيرياً وإقبالاً متزايداً في العالم العربي، متكّئة على إرث فني عريق ورؤيا إنتاجية متكاملة. تتميز هذه الدراما بمحاكاتها للواقع أحياناً أو الخيال أحياناً أخرى. ولكنّها ترتبط ارتباطاً عضوياً بمسرح الأحداث وهو ما لا ينطبق على الانتاجات العربية الأخيرة المستنسخة من الأعمال التركية في كل شيء إلّا في ممثّليها.

عندما تتابع مشهداً مصوّراً ينقل واقع شارع أو بلدة أو مدينة في تركية تحضر هوية المكان بقوّة. مشاهد كان لها دورها في تعزيز القطاع السياحي وزيارة المناطق التي شهدت تصوير هذا المسلسل أو ذاك. إنها علاقة الفنّ بالمكان والتاريخ والأشخاص، إنها الهوية البصرية لكل عمل وهذا ما يعكس فعلاً هوية العمل عند المتابعين.

قديماً كان النجوم العرب ينتقلون إلى بلدان ومدن وعواصم أجنبية لتصوير بعض مشاهد الأفلام، كما كان بعضهم يعتمد على إنشاء مواقع تصوير مماثلة لبعض الأمكنة أو تركيب الخلفية ليوحي بزيارة هذه الأمكنة لتأكيد حضورها في العمل الفني بشكل أو بآخر. ويمكن التوقف عند الكثير من الأعمال العربية واللبنانية المصورة في باريس أو لندن أو غيرها. ولكن ما يحصل اليوم يبدو وكأنه تخريب متعمّد لهوية المكان والعمل الفنّي برمّته.

كورنيش المنارة في بيروت تصوير مايكل وايف

فمدينة جبيل في مسلسل هنا هي إحدى المدن التركية التي شهدت تصوير العديد من المسلسلات. كما أن اسم الفندق الذي تم ذكره في مسلسل آخر والطريق إليه لا تشبه البتة الفندق الأصلي ولا الطريق الجبلية المؤدية إليه. فلا بيروت هي بيروت ولا المقهى البحري يطل على صخرة الروشة. ولا المارّة يجسدون م يقطنون هذه الأمكنة. إنها هوية المكان والمسرح ومجريات الأحداث. تبدو الأعمال المستنسخة بلا روح بلا ذكرى وبلا هوية. إنها انتاجات معلّبة لا يمكن تصنيفها بأنها انتاج عربي إلّا من حيث التمويل والممثلين.

صخرة الروشة في بيروت تصوير مايكل ويليامز

يصف الكاتب والمخرج المسرحي الناقد عبيدو باشا هذا الواقع بأنّه" نتيجة معادلة المال وليس المنال.. فنحن نفتقد إلى ما نميل إليه". ويرد كل ما يحصل في هذا الإطار إلى تحكم رأس المال بعمليات الإنتاج، حيث انتقلت شركات الإنتاج الكبرى إلى تركيا وبدأت بالعمل وفق منطق ترجمة الأعمال التركية بعد أن كنّا في السابق نعمل على أساس الاقتباس، وهذه الشركات قادرة على التنفيذ وقادرة على الالتزام بمعايير التنفيذ ولكن تغيب معايير الإبداع في ظل هكذا مشاريع. ويشرح هذه المسألة على "أن ما يحصل هو مجرد ترجمة، فكل ما يحيط بالأبطال تركي من البيت إلى الطرقات إلى الأمكنة والمعالم. إنّه نفخ كامل للدراما. الأزمة تتمثل بأن الشخصيات تتكلم باللغة العربية ولكن تكوينها وحساسياتها وروحياتها وطبيعة الأحداث جميعها تركية".

ورداً على سؤال أجاب باشا كنا في عملية النتاج تاريخياً قد انتقلنا من الترجمة إلى الاقتباس فالـتأليف، واليوم يحصل العكس فنحن ننتقل من التأليف الإبداعي إلى الاقتباس ووصلنا إلى الترجمة".

إنها الصورة المشوّهة ولولا وجوه الممثلين والممثلات لما أمكن تمييز ما يحصل عن الأعمال المدبلجة. إنه الفنّ حين يصبح سلعة للاستهلاك السريع. كم هو شديد الشبه بين ما يحصل ومحاولات استنساخ النعجة دولي، ومن حيث الشكل لا من حيث العلم والتقنيات المستخدمة طبعاً.