في فجر الثامن عشر من شباط 2024، حسمت القوات الروسية سيطرتها على مدينة افدييفكا بعد معركة دامت عامين مع القوات الأوكرانية. هذه المدينة، وهي الأكثر تحصيناً في أوكرانيا وفقاً للمحلّلين العسكريين، كانت البوابة إلى مدينة دونيتسك، علماً "أنّ احتلال أوكرانيا لهذه المدينة الروسية هو ما كان يمنع روسيا من استخدامها مركز اتصالات ومواصلات من جهة، كما منعها من التقدّم لتحرير منطقة الدونباس من جهة أخرى" بحسب المحللين الروس. 

وقد نشرت وزارة الدفاع الروسية مقاطع فيديو توثّق هروب القوات الأوكرانية من افدييفكا بشكل عشوائي متخلّية عن أسلحتها ومعدّاتها ومخلّفة وراءها آلاف القتلى والأسرى والجرحى. وأشار الخبراء العسكريون إلى أنّ سيطرة القوات الروسية على أفدييفكا شكّلت أول انتصار كبير تحقّقه روسيا منذ السيطرة على ارتيوموفسك في أيار 2023. وقد كوّن هذا النّصر دفعاً معنوياً كبيراً للقوات الروسية كما قدّم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نصراً كبيراً في ساحة المعركة قبيل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الروسية. وهي، وإن كانت شبه محسومة له، فإنّ النصر العسكري سيعطيه دفعاً قوياً وغطاء شرعياً يمكن أن يدعما موقفه في مواجهة حملات التنديد المتوقعة بشرعية انتخابه من جهة أخرى. 

وقد ذكرت وزارة الدفاع الروسية أنّ القوات الروسية استولت على مساحة مقدّرة بحوالى 32 كيلومترًا مربعًا واعتقلت عددًا كبيرًا من الجنود الأوكرانيين الذين كانوا قد حاولوا الانسحاب من المدينة بشكل غير منظّم. وأجمع الخبراء العسكريون على أنّ أفدييفكا محطّة رئيسية لروسيا من أجل لتحقيق هدفها الأكبر المتمثّل في تحرير كامل منطقة الدونباس. وقد اعتبر هؤلاء الخبراء أنّ المدينة مهمّة للروس إذ من شأنها تأمين محيط دونيتسك كاملًا كونها تتيح السيطرة على المرتفعات المحيطة بهذه المدينة. كما يمكن الروس أن يمدّوا شبكات طرق انطلاقاً من دونيتسك باتجاه جبهة المواجهة مع أوكرانيا. 

أجمع الخبراء العسكريون على أنّ أفدييفكا محطّة رئيسية لروسيا من أجل لتحقيق هدفها الأكبر المتمثّل في تحرير كامل منطقة الدونباس
واعترف الخبير الأوكراني ميكولا بيليسكوف، وهو باحث في المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقرّه كييف، بأنّ سيطرة روسيا على أفدييفكا ستعزّز من قبضة روسيا على دونييتسك والانطلاق منها نحو بوكروفسك، وهي مركز لوجستي أوكراني يقع على بعد حوالى 30 ميلاً إلى الشمال الغربي من المدينة. وقال بيليسكوف إنّ الاستيلاء على أفدييفكا سيكون دفعة معنوية للقوات الروسية وسيوجّه ضربة نفسية إلى الأوكرانيين. 

واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" أنّ السيطرة على أفدييفكا من شأنها أن تحمي دونيتسك من عمليات القصف الأوكرانية التي كانت تشلّها، وهو الأمر الذي كان يشكّل مصدر قلق كبيرًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبيّنت الصحيفة أنّ افدييفكا تشكّل قيمة إستراتيجية أكبر بكثير من ارتيوموفسك، إذ إنّ افدييفكا تُعدّ مفتاح منطقة الدونباس، ويفتح الاستيلاء عليها المجال أمام القوات الروسية لتحقيق تقدّم سريع غرباً لكسب المزيد من الأراضي التي لا تزال تحت سيطرة أوكرانيا. 

ورأى الكاتب الأميركي مايكل بيك، الحاصل على ماجستير في العلوم السياسية والمتخصّص في شؤون الدفاع في مجلة "فوربس"، و"أخبار الدفاع"، ومجلة "فورين بوليسي" وغيرها، أنّ فشل الهجوم الأوكراني المضاد خلال الربيع الماضي شلّ قدرة أوكرانيا على انتزاع زمام المبادرة تماماً كما حصل مع القوات النازية الألمانية بعد معركة كورسك التي جرت في تموز 1943 خلال الحرب العالمية الثانية. وأكد مايكل بيك أنّه تماماً كما جرى مع ألمانيا النازية بعد تلك المعركة حين انتقلت القوات الألمانية من الهجوم إلى الدفاع، فإنّ أوكرانيا تجد نفسها في الموقف عينه بعد فشل هجومها المضاد، إذ باتت غير قادرة على الهجوم، بل أقصى ما يمكنها القيام به هو تنفيذ دفاع فعال، أو ما يسمّى بالدفاع النشط الذي يستند إلى عدم الإسراف في استخدام الذخيرة والقيام بهجمات معاكسة بقصد الاستنزاف.

إلا أنّ الكاتب يستدرك قائلاً إنّه كما فشل الألمان في الدفاع أمام الاتحاد السوفياتي ما جعل الأخير ينتقل من منطقة إلى أخرى في شرق أوروبا وصولاً إلى دخوله ظافراً إلى العاصمة الألمانية برلين في نيسان 1945، فإنّه من المرجح أن يفشل الأوكران في الدفاع ممّا سيجعلهم يتراجعون أمام الروس الذين سيكسبون مزيداً من الأراضي، وصولاً إلى الدخول ظافرين إلى كييف، في حال بقاء الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلنسكي مصرّاً على موقفه من عدم التوصل إلى تسوية سياسية مع روسيا.

المشكلة بحسب الخبراء الروس تكمن في أنّ زيلنسكي، وهو الآتي من عالم الاستعراض الهزلي، لا يمتلك أيّ خبرة عسكرية تخوّله قيادة العمليات العسكرية، علماً أنّه أثبت أنّ يده هي الطولى في إدارة الشؤون العسكرية. وهو يراهن على مواصلة الغرب دعمه المالي لأوكرانيا، لأنّه يعرف تماماً أنّ المعركة الحقيقية ليست بين كييف وموسكو، لكنّها بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة ضد روسيا في الأراضي الأوكرانية. علماً أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغيره من المسؤولين الروس أشاروا مراراً وتكرارا إلى أنّ الهدف الإستراتيجي للغرب الجماعي كان يكمن في تحويل أوكرانيا قاعدةً للضرب في العمق الروسي وتقسيم روسيا ونهب خيراتها. لذا فإنّ زيلنسكي يعتبر أنّه يقبض أجر المهمة التي أوكلها الغرب إليه، وهو يبدو واثقاً من أن هذا الغرب سيواصل دعمه المالي له أقلّه ما دام الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض. لكن ماذا إذا خسر بايدن في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في الخريف المقبل وعاد دونالد ترامب، صديق الرئيس بوتين، إلى البيت الأبيض؟