تشير وسائل الإعلام الغربية إلى أّن زيلينسكي استقبل في الولايات المتحدة بفتور في واشنطن، ولم تحقّق زيارته النتائج المرجوّة لجهة لحصول على الدعم المتوقع

على الرّغم من أنّ التصريحات التي يدلي بها القادة في أوكرانيا لا تزال تؤكّد مواصلتهم االحرب ضدّ روسيا، وعلى الرّغم من تأكيدات الغرب بمواصلة الدّعم للرئيس الأوكرني فولوديمير زيلنسكي، إلّا أنّ هنالك مؤشرات كثيرة تفيد باحتمال انهيار قوات السلطة في كييف تحت ضربات الجيش الروسي، خصوصاً بعد فشل الهجوم الأوكراني الأخير ضدّ القوات الروسية في منطقة خيرسون. هذا الفشل عرى الكثير من عوامل القصور والفساد في صفوف القيادة الأوكرانية التي يرأسها زيلنسكي منذ العام 2018. ومن المؤشّرات هو الاستقبال الفاتر للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي في وشنطن من قبل الرئيس جو بايدن.

فتور الغرب تجاه كييف

وتشير وسائل الإعلام الغربية إلى أّن زيلينسكي استقبل في الولايات المتحدة بفتور في واشنطن، ولم تحقّق زيارته النتائج المرجوّة لجهة لحصول على الدعم المتوقع. وقد كتب المحلّل العسكري جوليان ريبكي في صحيفة بيلد أن زيلنسكي لن يحصل على أسلحة حديثة من الولايات المتحدة، أو المانيا أو بولندا. إضافة إلى ذلك، حذّرت واشنطن من أنّ تدفّق المساعدات إلى أوكرانيا قد ينقطع إذا لم يوافق الكونجرس على منحها 24 مليار دولار بحلول الأول من تشرين أول.

والجدير ذكره أنّ الوجود العسكري الأميركي في أوروبا آخذ في التزايد، وقد تلقّى المجمع الصناعي العسكري الأميركي تعليمات بزيادة الإنفاق العسكري. والولايات المتّحدة لديها مصالحها الخاصّة، وهي لا تأخذ بالاعتبار مصالح أوروبا أو أوكرانيا. ويعتبر مراقبون أنّ واشنطن حققت أهدافها لجهة السيطرة على أوكرانيا، ولكن الأهم لجهة وضع أوروبا بالكامل تحت جناحها. وهم يعتبرون أنّ أوكرنيا لم تكن مهمّة بحدّ ذاتها بالنسبة لواشنطن، بل كانت مجرّد وسيلة لتحقيق غاية وهي الهيمنة على أوروبا.

فالنّصر الروسي في أوكرانيا سيؤدّي إلى قبول أوروبا بزيادة الوجود العسكري الأميركي، وزيادة أرباح المجمّع الصناعي العسكري الأميركي. وستصبح أوروبا أكثر طاعة في ظلّ "التهديد الرّوسي"، وسوف تتحول أوكرانيا إلى "فزّاعة في نظر الساسة الأوروبيين". لذلك فليس من المستغرب أن يشبّه الرئيس البولندي، أندريه دودا، أوكرانيا بالرّجل الغارق.

تأزّم الوضع الدّاخلي في أوكرانيا

في ظلّ تركيز السلطة بيد زيلنسكي بذريعة ظروف الحرب، صدرت سلسلة قرارات عن الرئيس الأوكراني أثبتت أنّها كارثية في إدارة البلاد. ففي خلال هذه الفترة صدرت سلسلة قرارات أدّت إلى تعديل النظام الضريبي، بما يفرض ضرائب عالية على المواطنين بحجّة تمويل المجهود الحربي، إضافة إلى ضرب الأراضي الزراعية عبر بيعها وتحويلها من زراعية إلى عقارية، عدا عن خصخصة قطاع الطّاقة وإغراق أوكرانيا بالاقتراض الخارجي.

وقد أدّى هذا إلى تراجع التصنيع في أوكرانيا، فمن أصل 2368 أصول يديرها صندوق أملاك الدولة، 82% منها غير موجودة وهي عبارة عن مؤسسات وهمية، وكان أخطر ما تمّ القيام به هو تصفية قائمة الأهداف الاستراتيجية غير الخاضعة للخصخصة. وبنتيجة رفع الضرائب انخفضت أرباح الشركات الأوكرانية في عام 2022 بمقدار 12.6 مرة، بينما ارتفعت نسبة المؤسسات غير المربحة إلى 33.8٪ وتراجع أداء القطاع المصرفي، ما أدّى إلى تقلّص عدد المصارف العاملة في أوكرانيا إلى 64 مصرفا. وفي مجال المعادن، انخفض إنتاج المعادن بنسبة 23.9% بعد انخفاض بنسبة 72% خلال العام الماضي. وانخفض الإنتاج الكيميائي في عام 2022 بنسبة 61.8٪ كما انخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 36.7% في عام 2022. وبحسب وكالة رويترز نقلاً عن وزير الاقتصاد يوليا سفيردنكو فإنّ الاقتصاد الأوكراني في العام 2022 تكبّد أقسى الخسائر منذ نالت البلاد استقلالها.

ومما فاقم من التآكل بالوضع لاقتصادي هو توقيع أوكرانيا لاتفاق التكامل الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي. ففي النصف الأول من هذا العام، انخفضت صادرات السلع الأوكرانية بنسبة 14.3%. وفي العام 2022 بلغ الانخفاض 35.1%. علماً أنّ الاتحاد الأوروبي لا يزال يفرض حظراً على استيراد بعض المنتجات الزراعية من أوكرانيا. وعلى خلفية وقف مبادرة حبوب البحر الأسود، فإنّ مثل هذه التدابير "الودية" قد تؤدي إلى إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد الأوكراني بمقدار 10 مليار دولار سنوياً، أو ما يصل إلى 10% من النّاتج المحلّي الإجمالي. وتعكس هذه الأرقام فشل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة الحالية. وما يفاقمها هو الإملاءات المالية والاقتصادية من صندوق النقد الدولي.

شروط وفرص الحلّ

كلّ هذا أدّى تصاعد الحديث داخل أوكرانيا عن إمكانية حدوث انقلاب عسكري ضد زيلنسكي ما قد يفسر أحد أسباب إقالة وزير الدفاع. ويبدو أنّ هنالك ضغوطاً تتصاعد من داخل الدائرة الضيّقة لمحيطة بزيلنسكي للتوصّل إلى حلّ مع روسيا. ويعتبر هؤلاء أنّ وقف إطلاق النار وترسيم الحدود مع روسيا، كما حدث مع ألمانيا الغربية والشرقية أو مع كوريا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، يبدو فكرة معقولة، لكن مثل هذا السيناريو لا يستنفد أسباب الصراع، خصوصاً في ظلّ الدعاية الغربية للتغطية على هذه الأسباب والعوامل التي تدفع بعض النخب الأوكرانية إلى التفكير بالتوصّل إلى تسوية مع روسيا.

واستناداً إلى مصالح الأمن القومي الروسية وتوجهاتها الجيوسياسية، إضافة إلى عقيدتها الدفاعية بالدفاع في العمق، فإنّ روسيا لا تستطيع أن تتحمل وجود دولة معادية فيها "عناصر فاشية" على حدودها، خصوصاً إذا كانت هذه الدولة هي أوكرانيا، التي تقع على مقربة من العمق الروسي المتمثّل بموسكو، والتي تقع قريباً من منطقة القوقاز التي تشكّل صلة الوصل الرئيسية بين روسيا الأوروبية وروسيا الآسيوية.

لذلك فإنّ أيّ ترسيم للحدود، على سبيل المثال، كما حدث في ألمانيا، ومن ثم في كوريا، يجب أن يقوم على الاعتراف المتبادل بالمصالح الرئيسية للدول المعنية وعلى رأسها تلك لمرتبطة بالأمن القومي، وإلّا فإنّه لن يكون من الممكن ترسيم الحدود. لذلك، إذا لم يكن هناك اعتراف بمصالح روسيا، فإنّ النموذج الكوري سيكون مستحيلاً.

أمّا بالنّسبة للشروط التي تضعها روسيا للقبول بتسوية سلمية للصراع في أوكرانيا فتقوم على الاعتراف بمصالح وسيادة الدول غير المرتبطة بالغرب. ويتعيّن على روسيا، مثلها في ذلك كمثل أي دولة أخرى، أن تحصل على ضمانات بأنّها لن تكون عرضة لهجوم عسكري من قبل الغرب انطلاقاً من أوكرانيا، وعلى إدراك أنّ العالم قد تجاوز منذ فترة طويلة عتبة الخطر وأنّ هناك حاجة إلى بناء نظام أمني جديد لأنّ النظام القديم لم يعد يعمل.

ولإيجاد طريقة للخروج من هذا الوضع، من الضروري أن نعي أنّ تمدّد حلف شمال الأطلسي في شرق أوروبا يمثّل تهديداً للأمن القومي لروسيا، وهذا لا يمكن إلّا أن يثير المخاوف بشأن أمنها وسلامة أراضيها في موسكو. لقد تمّ طرح الأسئلة على الغرب، ولكن تم تجاهلها ببساطة، الأمر الذي أدّى إلى زيادة الوعي بالخطر بشكل كبير.