في أشدّ الساعات قرباً من الحرب الواسعة، دخلت الجبهة الجنوبية على طرفي الحدود مرحلة جديدةً من المواجهة، إذ انفجرت الهمجية الإسرائيلية دفعة واحدة شاملةً قرى مدينة صور والنبطية، بعدما استُهدفت صباح أمس الأربعاء، مدينة صفد التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلّة، بصلية صاروخية بلغت القيادة الشمالية وقاعدة جوية في ميرون، أدّت إلى مقتل مجنّدة وإصابة 8 عسكريين إسرائيليين بعضهم في حالة خطرة، في حين لم يتبنَّ حزب الله أو أيّة جهة اخرى رسمياً العملية.

وأدّى الردّ الإسرائيلي إلى استشهاد 4 مدنيين بينهم طفلان جراء غارة إسرائيلية على بلدة الصوانة (تبعد 25 كلم من الحدود)، واستشهد مدني آخر في غارة على بلدة عدشيت، بالإضافة إلى إصابة نحو 9 أشخاص بجروح، في حين أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دماراً واسعاً في البلدات المستهدفة.

ورفض وزير مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس حصر مسؤولية إطلاق الصواريخ من لبنان بحزب الله فقط، متّهماً الدولة اللبنانية بذلك، وقال في حديث صحافي: "الردّ على إطلاق الصواريخ باتجاه الشمال سيأتي قريباً وبقوّة".

أدّى الردّ الإسرائيلي إلى استشهاد 4 مدنيين بينهم طفلان جراء غارة إسرائيلية 

في غضون ذلك، ترى مصادر متابعة أنّ تصريحات بيني غانتس تُمهّد لشنّ ضربات جوية لا ينحصر إطارها في قصف مناطق نفوذ حزب الله، لافتةً إلى أنّ ما يجري جنوباً بات ينذر بالخطر أكثر من أيّ وقت مضى بالتزامن مع تلويح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بذلك، خلال الكلمة التي ألقاها أوّل من أمس، إذ أبدى استعداد المقاومة لتوسعة جبهة الاشتباك إذا أراد العدو ذلك، رافضاً كلّ الاقتراحات التي حملتها الوفود الديبلوماسية المفاوضة إلى لبنان والتي تطالبه بتراجع الحزب إلى جنوب نهر الليطاني.

كذلك، تشير المصادر نفسها إلى أنّ ما حملته زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان لجهة الطلب من حزب الله احتواء أيّ تصعيد إسرائيلي محتمل، سقط أمس، كما بات مقترح باريس لهدنة غزّة بحكم الساقط عقب العملية العسكرية التي بدأها العدو بشكل تمهيدي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

إسرائيل فقدت الشمال

توازياً، جاء تعليق رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان على عملية إطلاق الصواريخ على صفد، لافتاً إذ قال: "الخطّ الأحمر تحوّل إلى علم أبيض و"كابينت" الحرب استسلم لحزب الله وفقد الشمال".

وكشفت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أنّ وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، عدّ الهجوم الصاروخي على منطقة صفد في الشمال بمنزلة "إعلان حرب".

الحريري مع غزّة ولن يعود عن قرار انسحابه الآن

سياسياً، أعاد مشهد احتشاد عشرات الآلاف في ساحة الشهداء خلال الذكرى الـ19 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، إلى الأذهان الأحداث السياسية التي رافقت أولى سنوات الاغتيال على ما وصف الحريري الابن خلال لقائه وفداً من "تيار المستقبل": "اليوم شعرت كأنني في الـ2005 ولكن الاتكال عليكم، وأنا سأبقى معكم، ربّما تركت السياسة، ولكن لن أترككم وسنلتقي قريباً"، مضيفاً: "كُثر تآمروا علينا".

ولفت الحريري إلى أنّنا "نمرّ بمرحلة صعبة والتعليق السياسي كان البعض ضدّه ولكنني اكتشفت إنّي كنت على حق"، مشيراً إلى أنّ "التحديات كثيرة والكثير من الدول تصفّر مشاكلها بعضها مع بعض ويجب أن نستثمر علاقاتنا العربية".

كذلك، أوضح في حديث صحافي آخر أنّ عودته إلى المشهد السياسي من عدمها ليست أولوية الشعب اللبناني في هذه المرحلة، قائلاً: "نتنياهو يريد تحويل الحرب إلى لبنان بحجج مختلفة".

وأضاف: "اليوم الحزب وإيران لا يريدان الحرب مع إسرائيل ونحن علينا الوقوف مع غزّة وعدم إبعاد المشهد عن غزّة"، مؤكداً أنّه لن يعود عن قرار انسحابه من الحياة السياسية الآن، وهذا سابق لأوانه، لافتاً إلى أنّ "مشروع رفيق الحريري كان الدولة الوسطية، ومنذ اغتاله بدأ لبنان يدفع الثمن".

فتفت لـ"الصفا": الحريري سيغادر ثم يعود من جديد

في سياق منفصل، أفادت مصادر مواكبة لـ"الصفا نيوز" بأنّ الحركة الشعبية والسياسية التي رافقت عودة الحريري منذ نهاية الأسبوع الفائت، ما هي سوى تثبيت زعامة أراد من خلالها الحريري القول إنَّ سنوات غيابه عن العمل السياسي، وإن طالت، لا تُلغي تمثيله اللبناني عموماً، والسنّي خصوصاً. وما حصل بالأمس خير دليل على ذلك، وأنّ مجرّد وضع أي طرح على طاولة الحلول الإقليمية فهو على أتمّ الجهوزية ليكون جزءاً منه.

وكشفت المصادر نفسها أنّ انسداد الأفق السياسي، اليوم، يشبه عشية إعلان الحريري دعم رئيس الجمهورية السابق ميشال عون وضمان أكثرية نيابية له توصله إلى كرسي الرئاسة في بعبدا، وأنّ زيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أوّل من أمس إلى بيت الوسط تغمز من تلك القناة، معتبرةً أنّها بمنزلة إقرار من الأخير بأنّ مكوناً سياسياً بحجم سعد الحريري إلى جانب الدعم المستمر من قبل الثنائي الشيعي سيأتي به حتماً رئيساً للبلاد في أيّة تسوية تكتبها أحداث اليوم التالي ما بعد حرب غزّة.

وقد أكّد النائب السابق في تيار المستقبل سامي فتفت لـ"الصفا نيوز" أنّ الحريري سيغادر لبنان ثم يعود من جديد"، وأنّ الحشود، أمس، وجهت رسالة مهمّة إلى الداخل والخارج مفادها أنّها تريد عودة الحريري من أجل انتظام الحياة السياسية.