من الوفد الفرنسي الذي زار بيروت استكمالاً لزيارة وزير الخارجية الفرنسية، إلى زيارة وزير خارجية بريطانيا، وقبلهم الموفد الألماني ثم الهنغاري، تقاطعوا جميعهم على بحث الحلول التي تؤمّن عودة الاستقرار إلى جنوب لبنان ليتمكّن سكّان الشمال من العودة إلى مستوطناتهم.

ومن يرصد حركة الموفدين الدوليين باتجاه لبنان تتأكّد له أهمّية جبهة الجنوب والمواجهة التي يخوضها حزب الله ضدّ إسرائيل. وكيف أنّ المجتمع الدولي الذي لطالما غضّ الطرف عن تخلّف إسرائيل عن تنفيذ القرار الدولي 1701 يسارع إلى ضمان تنفيذه، اليوم، لكن من قبل حزب الله لعودة الهدوء إلى الحدود الشمالية لإسرائيل.

على كثرتهم، لم يحمل أيّ من الموفدين صيغة حلّ أو اقتراح بشأن تنفيذ إسرائيل هذا القرار كي يفاتح به لبنان. وحدها التهديدات كانت الطبق الرئيسي لأيّ بحث من قبلهم. من وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا إلى الموفد الألماني والهنغاري كلّهم التقوا على تحذير لبنان من حرب إسرائيلية وشيكة على لبنان. حتّى أنّ الموفد الأميركي آموس هوكستين لم يتوانَ في آخر زياراته إلى لبنان عن التهديد بما حصل في غزّة، قائلاً إنّ إسرائيل يستحيل أن تنسحب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهي في صدد شنّ عدوان واسع على لبنان لن يكون بمقدوره تحمّل تبعاته، ومثله فعل وزير خارجية بريطانيا الذي أودع رئيس حكومة لبنان تهديدات إسرائيل وغادر. لكنّ لبنان الرسمي كما حزب الله يضع تهديدات إسرائيل في إطار التهويل. فحزب الله المراقب للحدود الشمالية والمتابع لحركة جنود إسرائيل لم يلحظ أيّ إشارات تشي بأنّ حرباً واسعة ستقع. الدبابات الإسرائيلية لا تزال مصوّبة نحو الداخل الإسرائيلي ولم تشهد الحدود انتشاراً لأيّ لواء من الجيش الإسرائيلي على عكس ما أشيع في الآونة الأخيرة.

من هنا، فإنّ حزب الله يتعاطى مع التهديدات الإسرائيلية التي ينقلها الموفدون الدوليون على أنّها في طور الضغط لوقف جبهة الحرب وتراجع قوات الرضوان عن القرى المتاخمة للحدود الشمالية، لكنّه في الوقت عينه أعلن استعداداته القصوى لصدّ أيّ عدوان، وهذا ما تبلّغه هوكستين وغيره من الموفدين ممّن سلّموا بقدرة حزب الله على خوض المعركة التي لن تكون لمصلحة إسرائيل التي، رغم قدرتها على إحداث الدمار، لن تبقى هي بمنأى عنه.

تنقل مصادر سياسية لـ"الصفا نيوز" أنّ الحراك الدولي يركّز بالدرجة الأولى على إنهاء الحرب على جبهة الجنوب وأخيراً صار الحديث عن أنّ وقف حرب غزة يعني وقفها في الجنوب أيضاً، ولكن المطلوب أو الهدف هو البحث عن ضمانات لما بعد توقّف حرب غزّة. وهذا يعني المطلب الدولي بتراجع قوات الرضوان إلى شمال الليطاني، أي تنفيذ جزئي للاتفاق يتعلّق بأمن إسرائيل.

لبنان قد دخل فعلياً من خلال حركة الموفدين مرحلة التفاوض على ما بعد وقف الحرب على غزّة

ولكنْ للبنان موقف آخر يقول بتنفيذه كاملاً، وقد تقدّم بسلّة حلّ متكاملة لتطبيق القرار الدولي وسحب فتيل التوتر على الحدود، تشمل انسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلّها والعودة عن النقطة B1 مقابل انتشار الجيش اللبناني على طول الحدود. صيغة وافق عليها حزب الله وتعاطى معها بمرونة، فلم يمانع ضمناً الانسحاب مقابل الموافقة الإسرائيلية على شروط لبنان. وهذا تحقيقه يتطلّب وقتاً طويلاً ومفاوضات شاقّة شبيهة بمفاوضات الترسيم البحري للحدود. والسلّة الكاملة للحلّ والتي أودعها وزير خارجية لبنان الامم المتحدة، فاتح بشأنها وزير الخارجية الفرنسي الذي تقدّم بمسعى لدعم الجيش تمهيداً لتسلّمه زمام الوضع جنوباً استعداداً لما بعد غزّة.

يمكن القول إنّ لبنان قد دخل فعلياً من خلال حركة الموفدين مرحلة التفاوض على ما بعد وقف الحرب على غزّة، والتي ستُستتبع بوقف الحرب في الجنوب اللبناني حكماً وستقود إلى مفاوضات حول تنفيذ القرار الدولي. وذكرت وسائل إعلام أميركية أنّ الولايات المتحدة ودولاً أورووبية تقود مسعى في هذا الاتجاه وتحدثت عن الرغبة في التوصّل إلى اتفاق موقّع بين لبنان وإسرائيل. وليس مستبعداً أن يندرج مثل هذا الاتفاق في سياق اتفاق ترسيم الحدود أو تثبيتها بين لبنان وإسرائيل.

وبذلك يحتلّ ملف الحرب جنوباً مقدّمة البحث الدولي مقابل تراجع البحث في رئاسة الجمهورية المحصور حالياً باللجنة الخماسية التي اكتفت بزيارة رئيس مجلس النواب وجمّدت مساعيها. الأولوية لوقف الحرب على غزّة وفي جنوب لبنان. لك لأنّ المفاوضات بخصوص غزّة بين حماس وإسرائيل لا تزال معقّدة. فالوضع جنوباً سيزداد تعقيداً مع رفع إسرائيل وتيرة اعتداءاتها.

هي لحظات ما قبل الاتفاق تقول مصادر مطّلعة ترى أنّ حماس، كما إسرائيل، باتت بحاجة إلى وقف إطلاق النار لحرب أنهكتهما، وإنْ كانت حماس تؤكّد قدرتها على الصمود أشهراً إضافية. مرحلة بالغة التعقيد سواء في غزّة أو في لبنان. رفع شروط التفاوض يتمّ في الميدان. الخلاف الأميركي الإسرائيلي واضح بين من يريد التهدئة بأسرع وقت، ومن يريد التفلّت من المحاسبة عبر استمرار الحرب.

لكنّ الاتفاق واقع لا محالة في غضون أيام أو أسابيع قليلة على حسب ما يؤكّد المطّلعون على سير المفاوضات. وفي الموازاة، سيكون التفاوض من أجل جبهة الجنوب وهو بدأ بخطوطه العريضة. والمؤكّد هنا أنّ وقف الحرب في غزّة يعني حكماً وقف الحرب على جبهة الجنوب، وحينذاك سيعاود الموفدون مساعيهم لاتفاق مع ضمانات. العين على هوكستين الذي غادر إسرائيل ولم يحدّد موعداً لعودته إلى لبنان لأنّ الأولوية هي غزّة، وعلى ضوئها يمكن الحديث عن حلّ في لبنان أمني أو رئاسي.

إذاً، كلّ ما يجري يبقى في إطار محاولة تحصين ما يحكى عن اتفاقات يتمّ التحضير لها بخصوص غزّة. أمّا الرئاسة اللبنانية فتندرج في الخانة الثانية على لائحة الاهتمام الدولي ولو كان ثمّة تطور بالرئاسة لقطع عن طريق الخماسية، تختم المصادر السياسية قولها.