قامت الطائرات الأميركية بهجمات منسقة على عدد كبير من المواقع السورية والعراقية واليمنية، اعتبرها القادة العسكريون الأميركيون ردّاً أولياً على الهجوم الذي تعرضت له قاعدة أميركية على الحدود الأردنية السورية، وأدى إلى مقتل 4 جنود أميركيين وجرح نحو أربعين آخرين. وأعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، يحيى رسول، أنّ الغارات الأميركية استهدفت مدينة القائم والمناطق العراقية الواقعة على الحدود مع سوريا في انتهاك واضح للسيادة العراقية وتقويض لجهود الحكومة العراقية، وتهديد للأمن والاستقرار في العراق والمنطقة.
كذلك ذكرت وزارة الدفاع السورية في بيان أنّ الغارات الجوية الأميركية على شرق سوريا أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين وعسكريين، وألحقت أضرارًا جسيمة بالممتلكات العامّة والخاصّة. وجاء في بيان الدفاع السورية "إن قوات الاحتلال الأميركي شنّت فجر السبت ضربات لم يكن لها مبرر وقد شكّلت محاولة لإضعاف قدرات الجيش السوري وحلفائه في مكافحة الإرهاب".
وقد أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أنّ "الضربات الأميركية ركّزت على أهداف للحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا، وأنّها تشكّل البداية للردّ على الهجوم الذي تعرّضت له القوات الأميركية في الأردن، واعداً بالمزيد من الردود، مشيراً إلى أنّ "الرئيس الأميركي أمر باتخاذ إجراءات إضافية ضدّ الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له ردّاً على هجماتهم على القوات الأمريكية وقوّات التحالف، إذ ستتكشّف هذه الأمور في الأوقات والأماكن التي نختارها".
في موازاة ذلك كانت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا قد شنّتا ثلاث غارات جوية على معسكر لأنصار الله شرق مدينة صعدة شمال اليمن. وقالت قناة "المسيرة" اليمينة "إنّ الغارات الأخيرة تأتي بعدما شنّ الطيران الأميركي البريطاني في وقت سابق، سبع غارات جوية على منطقة الجر في مديرية عبس في محافظة حجة في 21 كانون الثاني، إذ شنّت القوات الأميركية والبريطانية 73 غارة جوية على العاصمة صنعاء ومحافظات الحديدة وتعز وحجة وصعدة، وفي اليومين التاليين تعرّضت الحديدة والعاصمة صنعاء لغارتين جويتين". وكانت "أنصار الله" اليمنية أعلنت مساء الجمعة، أنّها قصفت أهدافًا محدّدة في مدينة إيلات جنوب فلسطين المحتلة.
ويرى مراقبون أنّ ما قامت به الولايات المتحدة لن يردع فصائل المقاومة عن مواصلة عملياتها ضدّ القوات الأميركية
على الرغم من هذه العمليات، لا يبدو أن الأمور تتجه إلى تصعيد في منطقة الشرق الأوسط. فإعلان واشنطن عن الضربة مسبقاً يدلّل على أنّ هذه الخطوة استعراضية وما هي إلّا محاولة لحفظ ماء الوجه بعد الضربة التي تلقّتها قواتها في الأردن. فالولايات المتحدة لا تريد توسيع رقعة المواجهة لأنّ هذا قد يقود إلى حرب إقليمية، خصوصاً قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية. كذلك فإنّ الرئيس الأميركي جو بايدن يريد التهدئة في المنطقة حتّى يستطيع التركيز على حملته الانتخابية استعداداً للانتخابات الرئاسية المقرّرة في الخريف المقبل، علماً أنّ استطلاعات الرأي تفيد بأنّ وضعه ضعيف جداً في مواجهة خصمه المحتمل الرئيس السابق دونالد ترامب.
ويبدو أنّ هذه الخطوة كانت قد نُسّقت مع الطرف المستهدف، وهو إيران وحلفاؤها. فهذه الغارات لم تشمل الأراضي الإيرانية. وعلى الرغم من الإعلان الأميركي أنّ القوات الأميركية استهدفت الحرس الثوري الإيراني في سوريا، فإن واقع الأمر يفيد بأنّ إيران كانت قد قلّصت حضور مستشاريها وخبرائها في سوريا منذ بداية عملية طوفان الأقصى تحسّباً لاحتمال توجيه ضربات إسرائيلية لها، وحتّى تقلّل من إمكانية الاحتكاك مع الولايات المتحدة على نحو يجرّها إلى تصعيد الصراع في المنطقة.
كذلك فإنّ كتائب حزب الله العراق التي حمّلت مسؤولية العملية ضد القاعدة الأميركية في الأردن، كانت قد أعلنت عن وقف عملياتها العسكرية ضدّ القواعد الأميركية في سوريا والعراق عقب الحادثة، علماً أنّ الكتائب، إضافة إلى فصائل أخرى في الحشد الشعبي، وعلى رأسها كتائب سيد الشهداء، كانت قد أعلنت إطلاق عملياتها بعد اندلاع معركة طوفان الأقصى، وذلك دعماً للمقاومة الفلسطينية في غزّة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ويرى مراقبون أنّ ما قامت به الولايات المتحدة لن يردع فصائل المقاومة عن مواصلة عملياتها ضدّ القوات الأميركية، مشيرين إلى أنّ واشنطن كانت حريصة على عدم استهداف الأراضي الإيرانية لأنّها تعي أنّها لو قامت بذلك لآلت الأمور إلى حرب إقليمية. كما يرون أنّ الولايات المتحدة قد تكون أعلمت الأطراف المستهدفة بالعدوان الأميركي، وأنّها بحاجة إلى هذه الضربة من أجل الاستهلاك الأميركي المحلّي. فبعد الضربة المؤلمة التي تعرّضت لها قواتها كان لا بدّ لبايدن أن يردّ حتى لا يُصوّر رئيساً ضعيفاً وعاجزاً كما يروّج خصمه ترامب.
لذلك، فإنّ فصائل المقاومة والجيش السوري أخليا القواعد المستهدفة مسبقاً، علماً أنّ القوات الأميركية لا تريد أيضاً المواجهة المباشرة مع القوات السورية، لأنّها لا تبغي توسيع إطار الصراع في المنطقة. علماً أنّ مصادر الفصائل أشارت إلى أنّ الولايات المتحدة لن تنسحب من المنطقة، بل تسعى إلى تقليص تورّطها فيها، على ألّا يحصل ذلك على النحو الذي جرى فيه انسحابها من أفغانستان، أي أن يكون الانسحاب تحت النار. لذا فإنّ مراقبين مؤيّدين لمحور المقاومة يرون أنّ الولايات المتحدة ستطلق العنان لداعش في البادية السورية وفي العراق لإثارة الفوضى. وليس خافياً أن الأشهر الأخيرة شهدت عودة لعمليات التنظيم الإرهابي في المنطقتين المذكورتين.