عرفته أولاً من خلال أعماله الخيّرة. لم يكن يريد شيئاً غير المساعدة. كان الأمر غريباً للوهلة الأولى. هل فعلاً هناك من لا يريد مقابلاً عن عمله؟ لم أكن أعرفه شخصياً عند التواصل الأول. أثمر تواصلنا غير المباشر إسهاماته ودعمه اللا محدود للعديد من المشاريع الوطنية. كان رجل عطاء. هكذا تكوّن انطباعي الأول عنه، ثم ترسّخ هذا الانطباع أكثر فأكثر مع مرور الوقت.

حين تعارفنا وجهاً لوجه، تعرّفت إلى الرجل. كان شغوفاً بعمله، متابعاً كل التفاصيل، مدقّقاً في الصغيرة قبل الكبيرة. مثيراً للاهتمام، شخصية جذابة طيبة العِشرة.

برغم أن لقاءاتنا لم تكن عديدة، عرفته إنساناً مُحبّاً لعائلته ولوطنه الأول لبنان. كنت أستمع إليه وهو يشرح رؤيته للعديد من الأمور طارحاً جملة من الأفكار السديدة. كان الرجل شيق الحديث. رؤيوياً، صلباً، يملك خططاً جريئة وواعدة للمستقبل. عرف كيف يُنجز، وكيف ينقل رؤياه إلى من سيكمل مسيرته.

حين طلب إليّ المساعدة في العمل على مشروع "الصفا نيوز" وأنا البعيد عن عالم الصحافة والإعلام، وجدت الأمر غريباً ومفاجئاً. كان يرى الأمور بطريقة مختلفة متّخذاً قراره من حيث هو. وكنت كلّما عرفته أكثر، رأيت فيه مزايا إضافية لم أكن أعرفها. كنت من الذين حالفهم الحظ عندما تقاطعت سبلنا، وأكثر حظّا حين جمعتنا قضايا ومسائل مشتركة. هو رجل أعمال وصاحب شركات عملاقة وأنا آتٍ من خلفية عسكرية مؤسساتية، وقد جمعنا حب الوطن والخوف على مستقبله.

حين تصل إلى القمّة تصبح أقرب إلى السماء.

سأسمح لنفسي بالحديث عن إسكندر صفا الإنسان المحسن الكريم، صاحب اليد الخيرة. لطالما رأيته في وجوه بعض من أحسن إليهم. ولا بدّ من أنّه سيبقى في قلوبهم وصلواتهم. وقد ذكّرتني مساعداته لبعض العائلات والأفراد، ولبعض من كانوا بحاجة إلى استشفاء، ودعمه الإغاثي في العديد من المحطات للفقراء من جميع المناطق والطوائف ومن دون تمييز، ذكّرتني مساعداته هذه بتربيتي العسكرية. يمكن الحديث عن كرمه الكثير وتعداد أعماله الخيّرة ، لكنه لم يكن يحبّ الكلام عن ذلك كله.

كان يفضّل أن يبقى المحسن المجهول.

لن أقول أكثر. فالرجل فعل الكثير.

حين وصلني خبر رحيله لم أصدّق الأمر. كنّا قد تحادثنا قبله، وتواعدنا على اتصال قريب. اليوم، يغادرنا، وأنا مع أفراد أسرته الصغيرة والأصدقاء نستعيد معاً ذكراه الطيبّة على كل لسان.

ترك إسكندر إرثاً لأجيال مقبلة. وترك الكثير من العمل والمهمات والتحدّيات، وهي ليست بالسهلة على الإطلاق. لكنه ترك أيضاً أكرم إسكندر صفا وأليهاندرو إسكندر صفا يساندهما الأخ والرفيق والشريك أكرم صفا. المسؤولية كبيرة، لكنهم أهلٌ لها.

فعلاً، لقد تربّع على القمّة. وحين تصل إلى القمّة تصبح أقرب إلى السماء.