بمسارين اثنين لا ثالث لهما، تشقّ الأحداث العسكرية والديبلوماسية طريقها في المنطقة حيث بات واضحاً أنّ حسابات الدول الكبرى أصبحت قائمة على سياسة العصا والجزرة، إذ تتمثّل الأولى في توسعة رقعة الحرب من الجنوب إلى المنطقة بأسرها، علَّ حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو تنجح في جرّ واشنطن قبل إيران إليها كي تخفي آثار الفشل الكبير الذي كمن في تفاصيل مجمل تكتيكاتها من غزّة إلى الشمال الفلسطيني المحتلّ، في حين تقوم الثانية على تسوية عسكرية مغلّفة بقشرة ديبلوماسية ترمي إلى إبعاد عناصر حزب الله وصواريخه الذكية إلى شمال الليطاني والاستعانة بالمزيد من القوات الدولية من أجل مراقبة تنفيذ القرار.
في موازاة ذلك، تعتبر أوساط مراقبة للأحداث جنوباً أنّ المطالب الإسرائيلية غير منطقية نظراً لاستحالة تطبيقها، ولأنّ الحزب قد راكم خبراته العسكرية النخبوية مدى سنوات خلت على أساس جغرافية المنطقة الحدودية في الدرجة الأولى، مشيرةً إلى أنّه من الطبيعي أن تكون مقدراته العسكرية من صواريخ ذكية وغيرها قد خُزِّنت في تلك المنطقة، هذا إذا ما خضنا في التفاصيل اللوجستية، وتالياً ليست المسألة بالبساطة التي يتحدّث عنها الوسطاء في هذا الشأن وهم يدركون ذلك جيداً.
كذلك أكّدت الأوساط نفسها لـ"الصفا نيوز" أنّ شبح توسّع الحرب جنوباً بات قريباً أكثر من أيّ وقت مضى على وقع التهديدات الإسرائيلية، وهذا ما استدعى إدخال الحزب الصواريخ الذكية في الخدمة جنوباً (فلق -1) بهدف إعادة التوازن إلى قواعد الاشتباك بين الطرفين وعدم توسّعها ليس إلّا، في حين يدرك العدو الإسرائيلي قبل غيره أنّ عناصر نخبة الرضوان في الحزب، التي تطالب إسرائيل بإبعادها عن الحدود، لم تدخل حتّى الساعة إلى الميدان الجنوبي.
رئاسياً، تُحضّر مكوّنات الطبق الرئاسي اللبنانية في مطبخ الخماسية الدولية التي لم تقرّر حتّى الساعة زمان انعقادها ومكانه (المرجّح إمّا باريس وإمّا الرياض)، وما تحرّك سفراء هذه الدول على الساحة اللبنانية إلّا دليلاً على أن الرئاسة باتت مقرونة بالتسوية إذا ما تغلّبت على خيار الحرب، وقد بدا لافتاً وقوف سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري على رأي نظيره الإيراني مجتبى أماني بشأن الرئاسة اللبنانية، إذ ترجّح مصادر مواكبة أنّ ما سمعه البخاري في هذا الصدد يقتصر على أنّ طهران تقف خلف الثنائي الوطني في خياره الرئاسي، في حين راح خيال آخرين إلى أبعد من ذلك مرجّحاً أن تتحول الخماسية إلى سداسية بمشاركة إيران.
وعلى أمل أن لا "تحرق" الطبخة الرئاسية ما يزال الثنائي على موقفه الداعم لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بانتظار المقابل الذي من الممكن أن يطرح على طاولة المفاوضات حيث إمكانية البحث مفتوحة على مصراعيها، إلّا تلك المتعلقة بالميدان الجنوبي بالنسبة إلى حزب الله.
الجيش الإسرائيلي سيتحرّك قريباً جداً عند الحدود مع لبنان
توازياً، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت مساء اليوم، أنّ "الجيش الإسرائيلي سيتحرّك قريباً جداً في الشمال عند الحدود مع لبنان"، لافتاً إلى أنّه "ابلغ الجنود المتمركزين قرب الحدود مع غزّة أنّهم سيغادرون المنطقة للانتقال إلى الشمال".
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن غالانت، قوله: "سيتحرّكون قريباً جداً، إذ سيتم تعزيز القوات في الشمال"، مشيراً إلى أنّ "جنود الاحتياط سيتركون مواقعهم استعداداً لهذه العمليات المستقبلية".
على خط آخر، استنكرت الرابطة المارونية "الحملة الجانية المليئة بالافتراءات والتي تنضح بالسفاهة التي يتعرّض لها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، على يد زمرة مشبوهة اعتادت القدح والذم، وتوزيع الشهادات في الوطنية ضد من يوزع مثل هذه الشهادات سواء في مواقفه وسلوكه المشرف وعمله الدؤوب في سبيل مصلحة لبنان الدولة والشعب والمؤسسات".
وكان البطريرك الراعي قد لفت في عظة الأحد، إلى أنّه يرفض أن يكون وأفراد أسرته رهائن ودروع بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجرّ على بلادنا سوى الإنتصارات الوهميّة والهزائم المخزية.
توطين الفلسطينيين الى الواجهة من جديد
ي غضون ذلك، شكّل توقيت إعلان الولايات المتحدة الأميركية وقف تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الـ"أونروا" محطّ استنكار واستهجان، بعد اتهام العدو الإسرائيلي موظفين في الوكالة بالضلوع في عملية طوفان الأقصى التي شنّتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 تشرين الأول الفائت.
وبينما لم تبقَ الخطوة الأميركية يتيمة، التحقت بها كلّ من كندا، وأستراليا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وفنلندا، وهولندا، وألمانيا، وفرنسا، واليابان، مقابل تريّث سويسرا إلى حين حصولها على المزيد من المعلومات قبل اتخاذ قرارها بشأن استمرار دعمها للأونروا من عدمه، في حين أعلنت النروج مواصلتها تمويل الوكالة.
وكان لهذه الخطوة ردود فعل لبنانية، أجمعت على أنّها بمنزلة الخطوة باتجاه تصفية القضية الفلسطينية والعمل مجدداً على مبدأ توطين اللاجئين الفلسطينيين الذي لطالما سعت إليه "إسرائيل".
وفي المواقف اللبنانية، أكَّد وزير الخارجية عبدالله بوحبيب خلال استقباله سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون، أنّ "قطع المساعدات عن "الأونروا" خطأ تاريخي سيؤدّي إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين من أيّ أمل بمستقبل أفضل"، معتبراً أنّ ذلك "سيشكّل تهديداً للأمن الإقليمي ولأمن الدول المضيفة والدول المانحة على السواء".
وبدوره، وصف المكتب السياسي في حركة أمل هذه الاجراءات بالتعسّفية والمستنكرة والمستهجنة في زمانها وتوقيتها، لافتاً إلى أنّ ذلك يندرج في سياق المسلسل التآمري والتصفوي الذي تتعرّض له القضية الفلسطينية، تارة عبر آلة القتل الإسرائيلية، وتارة أخرى من خلال الإمعان في سياسة المعايير المزدوجة وإهدار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني سواء الصامد في أرضه المحتلّة أو في دول الشتات، من خلال إطباق الحصار عليه وحرمانه أبسط قواعد الحياة الكريمة ليس إلّا".
كذلك، كتب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في منشور على حسابه عبر منصة "إكس": "نخشى أن يكون قرار حجب التمويل عن الـ"UNRWA" مقدّمة لتصفية القضية الفلسطينية وجعل التوطين أمراً واقعاً ببلدان اللجوء (...) لبنان لن يدفع الثمن مرّةً أخرى".