يجزم مسؤول كبير أنّ ثمّة معطيات جديدة تجمّعت قبل أيام من خلال الاتصالات الداخلية ومع الخارج لدى المسؤولين المعنيين بالاستحقاق الرئاسي تشجّع على إنجاز هذا الاستحقاق، ولذلك ستكون هناك محاولة في هذا الاتجاه تكون باكورة السنة الجديدة وذلك على قاعدة: "من اجتهد ولم يُصِب فله أجر، ومن اجتهد وأصاب فله أجران".

يستعدّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لتحريك ملفّ الاستحقاق الرئاسي مطلع السنة الجديدة مستنداً إلى معطيات داخلية وخارجية مشجّعة على إنجازه، خصوصاً بعدما شكّلت الجلسة التشريعية التي أقرّت التمديد سنة لقائد الجيش العماد حوزف عون عنصر تشجيع لرئيس المجلس على خوض غمار مبادرة لإقناع الأفرقاء السياسيين بوجوب التوافق أو التنافس على انتخاب رئيس جمهورية جديد، وبالتالي الشروع في تأليف حكومة جديدة دستورية تتولى شؤون البلاد والعباد ومواجهة التطورات الإقليمية الجارية وملاقاة أيّ تسويات ستنجم عنها حتى لا تأتي في مكان ما على حساب لبنان.

وبعد التمديد لقائد الجيش الذي إنطوى، في رأي البعض، على بعدين سياسي داخلي وخارجي يدعمان ترشيحه والرئاسة بات واضحاً أنّ المنافسة الرئاسية باتت محصورة بينه وبين رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية دون سواهما. فعون الذي تعترضه عقبات دستورية تمنع انتخابه تتمثّل في أنّه حسب الدستور لا يحقّ له الترشّح للرئاسة ما لم يكن مستقيلاً من وظيفته قبل سنتين من موعد انتهاء ولاية الجمهورية، يعوّل على توافر توافق سياسي يؤمّن له أكثرية الثلثين النيابية لتعديل الدستور "استثنائياً ولمرّة واحدة" بإسقاط شرط استقالته من الوظيفة لإتاحة انتخابه، وهذه الأكثرية إن توافرت تؤمّن تلقائيا النصاب القانوني لجلسة الانتخاب في دورتها الأولى والثانية. كذلك يعوّل عون أيضاً على دعم المجموعة الخماسية العربية والدولية (الولايات المتحدة الأميركية، المملكة العربية السعودية، فرنسا، مصر ،قطر) التي ثبت بنحو قاطع دعمها لترشيحه من خلال ضغوطها التي أنتجت تمديد ولايته العسكرية، بحيث أنّها جاءت بالكتل النيابية المقاطعة لـ"تشريع الضرورة" في ظلّ الفراغ الرئاسي، إلى الجلسة التشريعية حتّى أمّنت إقرار تمديد ولايته سنة عبر اقتراح قانون معجّل شمل "بمعيته" جميع الضباط من رتبة لواء في السلكين العسكري والأمني.

فرنجية يواجه "فيتو" خليجي 

لكنّ ضغوط المجموعة الخماسية سرت على الكتل المعارضة والوسطية فقط ولم تسر على بقية الكتل، وفي مقدّمها كتلة "التيار الوطني الحر" التي لم تحضر الجلسة ولا على كتلة "حزب الله" التي انسحبت من الجلسة عند الشروع في التصويت على قانون التمديد لعون، وذلك تضامنا مع كتلة "التيار". ولذلك من المستبعد أن يتكرّر هذا السيناريو النيابي على جلسة الانتخابات الرئاسية إلّا في حال توافق الجميع داخلياً على انتخاب عون رئيساً الجمهورية، وهو الأمر الذي لا يزال غير متوافر حتّى الآن. فإلى رفض كتلة "التيار الوطني الحر" لترشيح عون وذهابها إلى الطّعن بتمديد ولايته العسكرية أمام المراجع الدستورية المختصّة، فإنّ "الثنائي الشيعي" وحلفائه كانوا و لا يزالون يدعمون ترشيح فرنجية "حتّى ينقطع النفس" حسب ما تردد أوساطهم. لذلك يقول متابعون للملفّ الرئاسي أنّ حظوظ فرنجية للرئاسة لم تتراجع خلافاً لما يردّده الفريق المعارض له خصوصاً بعد التمديد لقائد الجيش وما ينطوي عليه من مضامين تدعم ترشيحه، وباتت الأنظار منصبّة على ما سيكون عليه موقفا "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" حيث أنّه على طبيعة هذين الموقفين يتحدّد مصير الاستحقاق الرئاسي سواء لمصلحة فرنجية أو لمصلحة قائد الجيش.

ويرى هؤلاء المتابعون أنّ فرنجية يواجه "فيتو" يضعه بعض الدول الخليجية على ترشيحه الذي لا يبدي الأميركيون علناً أيّ اعتراض عليه، فيما الفرنسيون باتوا ضمناً يتعاطون بمرونة معه خصوصاً أنّهم كانوا دعموه في إطار المعادلة التي طرحوها في بدايات البحث في الإستحقاق الرئاسي وتقوم على "فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة" آخذا بمبدأ التوازن الذي غالباً ما يعتمد لبنانياً في مثل هذا النوع من الاستحقاقات بحيث يكون رئيس جمهورية من كنف فريق مقابل أن يكون رئيس الحكومة من كنف الفريق الآخر. لكنّ هذا المعادلة سقطت أو أُسقطت من البحث، نتيجة ما لاقته من اعتراضات على مستوى دول في المجموعة الخماسية وفريق المعارضة ومعه "التيار الوطني الحر" الذين تقاطعوا في آخر جلسة انتخابية في حزيران على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور الذي تنافس وفرنجية ولم يفز أيّ منهما، فنال أزعور 59 صوتاً مقابل 51 صوتاً لفرنجية. لكنّ نتيجة هذه الجلسة لم تسقط ترشيح فرنجية المستمر، في وقت تراجع الحديث عن ترشيح أزعور إلّا لماماً وعلى سبيل تأكيد المعارضة أنّ لديها مرشحاً ما زال على حلبة السباق الرئاسي. وكذلك لم يسقط ترشيح فرنجية من حسبان الجانب الفرنسي على رغم من تماهي باريس أخيراً مع بقية أعضاء المجموعة الخماسية، في ممارسة الضغوط التي أدّت إلى التمديد لقائد الجيش بما يؤمّن استمرارية حيوية ترشيحه الرئاسي، علّه يتمكّن لاحقاً من النفاذ إذا تيسّرت الظروف والمعطيات اللازمة له.

على أنّ بعض السياسيين اللبنانيين المؤيدين للموقف الأميركي وبخلاف ما يتردّد عن ارتفاع حظوظ عون يجزمون في أنّ التمديد له "صبّ" في مصلحة ترشيح فرنجية لكونه جاء خلافاً لرغبة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. ولا يستبعد هؤلاء أن يبادر باسيل في وقت ليس ببعيد إلى تأييد فرنجية معلّلاً هذا الموقف بأسباب تقنع "التياريين" بأنّ التمديد لعون شكّل "نكسة" للتيار وأنّ وصول الرجل إلى رئاسة الجمهورية سيلحق ضرراً سياسياً كبيراً بالتيار، خصوصاً وأنّ عون ينطلق من دعم البطريركية المارونية وكذلك من دعم قوى مسيحية وازنة، أي "القوات اللبنانية" وحلفائها المسيحيين وغير المسيحيين، فضلاً عن دعم المجموعة الخماسية العربية-الدولية وما لبعض دولها من "مونة" على بعض الكتل النيابية.

لكن في الوقت نفسه، يقول هؤلاء السياسيون المؤيدون للموقف الاميركي، أن "القوات" يمكن أن تسبق "التيار" إلى تأييد فرنجية وذلك في حال لمست أو التقطت إشارات جدّية إلى أنّ حظوظ عون الرئاسية للفوز غير متوافرة، خصوصاً وأنّ المجموعة الخماسية كانت سوّقت التمديد له تحت عنوان عدم حصول فراغ في القيادة العسكرية، ولمتطلبات تنفيذ القرار الدولي 1701 المطروح حالياً بقوة، لمعالجة الوضع على الحدود الجنوبية اللبنانية ومنع تحول المواجهات السائدة فيها إلى حرب تهدّد إسرائيل بشأنها على لبنان، واحتلال منطقة جنوب الليطاني إن لم ينفّذ القرار الدولي القاضي بانتشار قوات "اليونيفيل" والجيش اللبناني فيها فقط، وانسحاب المقاومين منها إلى شمال الليطاني بما يعيد سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم التي نزحوا منها غداة عملية "طوفان الأقصى"، وذلك حسب ما تطالب إسرائيل التي تتجاهل أنّها هي التي تخرق القرار الدولي يومياً منذ صدوره، فيما المطلوب منها أن تلتزمه قبل أن تطالب لبنان بالتزامه وهو يلتزمه فعلياً ويشكو مراراً إلى الأمم المتحدة الخروقات الإسرائيلية المتمادية للسيادة الللبنانية.

ويقول السياسيون أنفسهم أنّ باسيل يريد بتأييده المتوقّع لفرنجية أن يفقد التمديد لقائد الجيش مفعوله الرئاسي، وحتّى العسكري، حتّى يحفظ مصالح "التيار" التي بات يعتقد أنّها لن تتضرر بوصول فرنجية إلى رئاسىة الجمهورية، وينقل البعض عنه في هذا السياق أنّ فرنجية يبقى زعيماً مارونياً شمالياً حتّى ولو تبوّأ سدّة الرئاسة الأولى وبالتّالي لن يضرّه في شيء لجهة مستقبله السياسي والرئاسي.

غير أنّ الملفت في هذا السياق هو أنّ المؤيدين للموقف الأميركي يؤكّدون إلى حدود الجزم أن "التيار" و"القوات" قد يتسابقان إلى تأييد فرنجية في حال إدراكهما في لحظة ما أنّ إمكانية وصول عون غير متوافرة، خصوصاً إذا حصلت التسوية في الجنوب حول تطبيق القرار 1701 والتي تقف خلفها الولايات المتحدة الاميركية لأنّها تحذّر منذ اليوم التالي لعملية "طوفان الاقصى" من توسيع الحرب خصوصاً على جبهة لبنان الجنوبية وقد وجهت ولا تزال رسائل كثيرة إلى المعنيين بهذا المعنى. فيما حركة الموفدين الفرنسيين والأميركيين إلى لبنان والمنطقة تعمل على تظهير تلك التسوية التي يدل إليها استمرار هؤلاء المعنيين في تأكيد عدم الرغبة في توسيع رقعة الحرب.

على أنّه في حال ظلّت المجموعة الخماسية متمسّكة بدعم ترشيح قائد الجيش في مقابل تمسّك الثناء الشيعي وحلفائه بدعم ترشيح فرنجية فإنّ الاستحقاق الرئاسي سيمضي إلى مزيد من الجمود إلى أن تضع الحرب على غزة وجنوب لبنان أوزارها التي لا يمكن التكهّن بعد لا بطبيعتها ولا بمؤدّياتها. مع العلم أنّ فريقاً وازناً من القوى السياسية اللبنانية لا يرى موجباً لربط الاستحقاق الرئاسي بتلك الحرب، ويقول أنّ مجرّد حصول اتفاق على صيغة لإنجازه يمكن الشروع فوراً في تطبيقها. ويبدو أنّ الرئيس بري سينطلق على هذا الأساس في تحرّكه المنتظر مطلع السنة الجديدة.