تابعنا جميعاً عبر الشاشات اللبنانية بعض البرامج أو الفقرات التي بدأت تتناول موضوع الذكاء الاصطناعي وتطوره. ذهب بعض هذه البرامج إلى تصوير برامج على مثال دالي وميدجورني وغيرها بأنّها قادرة على إنتاج صور للمستقبل، مع العلم أنّ كلّ ما في الأمر هو قدرة هذه البرامج على توليد الصور من نصوص يتم تحميلها عليها. ومع العلم أن هذه النماذج التوليدية للصور تتطور بسرعة فائقة حيث أصبح بالإمكان إنتاج أفلام متحركة باستخدام النصوص المكتوبة. وحتى بات ممكناً انتاج أصوات وشخصيات مصورة ناطقة يمكن أن تكون مستنسخة عن نجوم عالم السينما أو الفنّ أو السياسة أو أيّ مجال آخر.

هذا التطور التقني مدعوماً بالذكاء الاصطناعي بلغ مرحلة متقدمة جداً وخطيرة في مكان ما. في مسلسل إثارة أميركي من إنتاج أمازون يحمل اسم هانا وفي الموسم الثالث كان موضوعه نظام كمبيوتر عملاق أنتج لائحة تحمل أسماء شبان صغار لا بد من تصفيتهم لأنهم سيشكلون خطراً في المستقبل، ويتنبّأ الجهاز بهذا الأمر من خلال رصد ملايين البشر من مراحل المراهقة وما يشاركونه على مواقع التواصل الاجتماعي وجمع المعلومات. فإن كنت تظنّ هذا الأمر من الخيال العلمي عليك مراجعة نفسك.


إذ خلص مشروع بحثي من جامعة كوبنهاغن  DTU وجامعة نورث إيسترن في الولايات المتحدة ITU إلى أنّه إذا استخدمت كميات كبيرة من البيانات حول حياة الناس وتدريب ما يسمّى بـ 'نماذج التحويل'، التي تُستخدم لمعالجة اللغة مثل ChatGPT، فيمكنها تنظيم البيانات بشكل منهجي والتنبّؤ بما سيحدث في حياة شخص ما وحتى تقدير وقت الوفاة.

وفي مقال جديد بعنوان "استخدام تسلسلات الأحداث الحياتية للتنبؤ بحياة البشر"، نُشر في Nature Computational Science، قام الباحثون بتحليل بيانات الصحة والتعلق بسوق العمل لـ 6 ملايين دانماركي في نموذج يسمى  life2vec .

بعد تدريب النموذج في مرحلة أولية، أي تعلم الأنماط في البيانات، أظهر أنّه يتفوق على شبكات الأعصاب العصبية المتقدمة الأخرى ويتنبأ بنتائج مثل الشخصية ووقت الوفاة بدقة عالية.

"استخدمنا النموذج لمعالجة السؤال الأساسي: إلى أي مدى يمكننا التنبؤ بأحداث في مستقبلك بناءً على الظروف والأحداث في ماضيك؟ ما يثير اهتمامنا علميًا ليس التنبؤ نفسه بقدر الجوانب من البيانات التي تمكّن النموذج من تقديم إجابات دقيقة لهذا الحد"، يقول سوني ليمان، أستاذ في DTU والمؤلف الأول للمقال.

تنبؤات وقت الوفاة

تعتبر التنبؤات من Life2vec إجابات على أسئلة عامة مثل: 'الوفاة خلال أربع سنوات؟' عندما يحلّل الباحثون إجابات النموذج، تكون النتائج متوافقة مع النتائج القائمة في العلوم الاجتماعية؛ على سبيل المثال، مع تساوي كلّ الأمور، من المرجح أن يبقى الأفراد في منصب قيادي أو ذوي دخل مرتفع على قيد الحياة، في حين أنّ كون الشخص ذكراً، من أصحاب المهارات العملية أو يعاني من تشخيص عقلي يرتبط بمخاطر أعلى للوفاة.

يقوم Life2vec بتشفير البيانات في نظام كبير من المتجهات، وهيكل رياضي ينظّم البيانات المختلفة. يقرّر النموذج أين يضع البيانات على وقت الولادة، التعليم، الدراسة، الراتب، السكن، والصحة.

"ما يثير الحماس هو اعتبار الحياة البشرية كسلسلة طويلة من الأحداث، تشبه إلى حد ما كيف تتكون جملة في لغة من سلسلة من الكلمات. هذا هو عادة نوع المهمة التي تُستخدم فيها نماذج التحويل في الذكاء الاصطناعي، ولكن في تجاربنا، نستخدمها لتحليل ما نسميه تسلسلات الحياة، أي الأحداث التي حدثت في حياة الإنسان"، يقول سوني ليمان.

المسألة الأخلاقية

يشير الباحثون إلى أن هناك أسئلة أخلاقية تتعلّق بهذه القضية، مثل حماية البيانات الحسّاسة والخصوصية ودور التحيّز في البيانات. يجب فهم هذه التحديات بشكل أعمق قبل استخدام النموذج، على سبيل المثال، لتقييم خطر إصابة الفرد بمرض أو غيره من الأحداث الحياتية التي يمكن تفاديها.

"يفتح النموذج آفاقًا مهمة إيجابية وسلبية لمناقشتها ومعالجتها سياسيًا. تُستخدم تقنيات مماثلة للتنبؤ بالأحداث الحياتية وسلوك الإنسان بالفعل اليوم داخل شركات التكنولوجيا التي تتعقب، على سبيل المثال، سلوكنا على الشبكات الاجتماعية، وتصنفنا بدقة شديدة، وتستخدم هذه الملفات الشخصية للتنبؤ بسلوكنا والتأثير علينا. تحتاج هذه المناقشة إلى أن تكون جزءًا من الحوار الديمقراطي حتى نفكر في المكان الذي تأخذنا إليه التكنولوجيا وما إذا كان هذا تطورًا نريده"، يقول سوني ليمان.

وفقًا للباحثين، فإنّ الخطوة التالية ستكون دمج أنواع أخرى من المعلومات، مثل النصوص والصور أو المعلومات عن اتصالاتنا الاجتماعية. ما يفتح الباب أمام استخدام هذه البيانات بما ينتج تفاعلًا جديدًا تمامًا بين العلوم الاجتماعية والصحية.