عن حقّ أو عن باطل، يقول معارضو باسيل إنّ موقفه ينطلق من اعتبارات شخصية وهو يضعف المؤسسة العسكرية، المؤسسة الوحيدة التي لا تزال قائمة وفاعلة في زمن الانهيار العام.

أطلق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حين كان وزيراً للخارجية والمغتربين مشروع طاقة الانتشار اللبناني، الذي كان يهدف إلى حشد طاقات المنتشرين اللبنانيين لتوظيفها في مشاريع استثمارية داخل لبنان. وحين زار الولايات المتحدة لترؤس أوّل اجتماع لمشروعه سمع من بعض المشاركين تقريظاً ومدحاً لذكائه ونشاطه وقدرته على ابتكار الأفكار الخلّاقة والمفيدة. ومن بين التعليقات التي حفظها تشبيهه بالرئيس دونالد ترامب من حيث جرأة المواقف والإقدام (طبعاً مع حفظ الأحجام).

ما أعاد فكرة مقارنة باسيل بترامب هو ما قاله باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير عن تمديد فترة خدمة قائد الجيش جوزاف عون. وهذا اقتطاع حرفي لما قاله: "موقف التيار مبدئي وثابت ولا علاقة له بالشخص، فكيف إذا كان موقفنا أنّ الشخص لا يصلح؟" وأضاف: "الشخص المعني خان الأمانة، وأصبح عنواناً لقلّة الوفاء، فهو يخالف قانون الدفاع الوطني ويتعدّى على صلاحيات الوزير ويخالف بشكل واضح ووقح وعلني قانون المحاسبة العمومية ويتباهى ويفاخر بمخالفة القانون".

عن حقّ أو عن باطل، يقول معارضو باسيل إنّ موقفه ينطلق من اعتبارات شخصية وهو يضعف المؤسسة العسكرية، المؤسسة الوحيدة التي لا تزال قائمة وفاعلة في زمن الانهيار العام.

وعن حقّ أو عن باطل، قال معارضو ترامب إنّه كان من أسوأ رؤساء الولايات المتّحدة وأنّه حاول تقويض مؤسسات الدولة لمصلحته الشخصية.

يضيف هؤلاء أنّ ترامب لا يزال يدّعي أنّ الانتخابات زوّرت وسرقت حيث لا تزوير ولا سرقة، وأنّه يبث نظريات المؤامرة عن وجود دولة عميقة داخل الإدارة الأميركية العامّة، وقد حاول زعزعة الثقة بجهاز التحقيقات الفدرالي الإف بي آي، ولم يتوقّف عن التهجّم على وكالات الاستخبارات وتسخيف معلوماتها، ويواصل التهجّم على المحاكم والقضاة والنظام القضائي، وهو يعتبر كلّ أجهزة الدولة وقادتها في خدمته الشخصية وليس في خدمة الرئاسة. ومن الانتقادات الموجّهة إلى ترامب أنّه يخفي أهدافاً تتعلّق بشركاته وكيفية استفادتها من موقعه في الحكم، وتشجيع الشعور القومي الشعبوي على حساب تحالفات الولايات المتحدة الدولية.

لكن في الولايات المتحدة مؤسسات تحول دون قيام حكم شخصاني استبدادي هي الكونغرس، والمحاكم، والنظام الفدرالي، والصحافة والإعلام، وموظفو الإدارة العامة.

لم تتوان الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب في عهد ترامب عن الوقوف في وجهه ووقف مشاريعه التي تحتاج إلى موافقة مجلس النواب.

وحين صوّت مجلس النواب لعزل ترامب، انضم إلى الديمقراطيين عشرة نواب جمهوريين.

ولم يتأخّر رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل عن الوقوف في وجه عدد من مشاريع ترامب ولم يفعل شيئاً لردع أعضاء المجلس الجمهوريين عن مواجهته.

وفي القضاء اكتشف ترامب أنّ تعيين قضاة محافظين لا يعني بالضرورة السيطرة عليهم وعلى قراراتهم. فحين فرض ترامب في بداية عهده حظراً على المسلمين بقرار تنفيذي، لم يصمد هذا القرار أمام القضاء الذي وجده مخالفا للدستور.

وفي محاولة قلب نتائج الانتخابات، رفع ترامب اثنتين وستين دعوى قضائية لم يربح منها سوى واحدة مع أنّ معظم القضاة هم من الذين عيّنهم في عهده.

وقد وزّع الدستور الأميركي الحكم في الولايات المتحدة بين الحكومة الفدرالية والولايات. فقد رفض وزير العدل تسخير الوزارة وأجهزتها لقلب نتائج الانتخابات، ووقف المسؤولون الجمهوريون في ولاية جورجيا في وجه ترامب حين طلب منهم أن يجدوا له أكثر من أحد عشر ألف صوت ليفوز في الولاية على الرئيس جو بايدن. أمّا رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي رافق ترامب إلى كنيسة قبالة البيت الأبيض، فاعتذر عن مرافقته قائلاً إنّه لم يكن يدري أنّ الرئيس استغلّه لأهداف شخصية لا علاقة لها بأمن البلاد.

وقد وقف حكّام الولايات والديمقراطيون في وجه ترامب حين أراد إعادة الحياة إلى طبيعتها في ظلّ الإقفال العام الذي فرضه انتشار جائحة كوفيد.

وقد استخدم ترامب البيت الأبيض منصّة للتهجّم على الصحافة والصحافيين ووصف الصحف العريقة التي انتقدته بأنّها مؤسسات فاشلة. لكنّه فشل في منع عدد من الصحافيين بينهم مراسل للسي إن إن من دخول غرفة الصحافة في البيت الأبيض بسحب ترخيص دخول البيت الأبيض منه، لكن القضاء خالف ترامب وفرض إعادة ترخيص الدخول إلى الصحافي.

أمّا الإدارة العامّة فلم يستطع ترامب حشوها بمؤيديه.

ما أعاد فكرة مقارنة باسيل بترامب هو ما قاله باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير عن تمديد فترة خدمة قائد الجيش جوزاف عون

بالعودة إلى لبنان وإلى الأحجام قد يرى باسيل نفسه ترامباً صغيراً: فهو لا يتورّع عن القول إنّه يملك حلولاً لأعقد المشاكل، ولا يريد من مستشاريه إلّا أن يقولوا له ما يحب أن يسمعه، وهو أيضا غذّى الخطاب الطائفي ورفع شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين، ولا يتحرّك إلّا بحماية مجموعة من الأمنيين والحرّاس الشخصيين.

وهو أيضا يختار من المبادئ ما يناسب مصلحته ويعقد تحالفات آنية مع أعتى خصومه للوصول إلى مبتغاه.

فقد عيّن حموه الرئيس ميشال عون العماد جوزاف عون قائداً للجيش، وها هو باسيل يصف قائد الجيش بقلّة الوفاء وخيانة الأمانة، إذ اكتشف هو الآخر أنّ تعيين قائد للجيش لا يعني السيطرة وإملاء القرارات عليه.

وما سرى على العماد جوزاف عون سرى أيضا على معظم من عينّهم الرئيس عون في مناصب عليا وأبدوا استقلالية في قراراتهم احتراماً للقانون وليس وقوفاً على رغبة من عيّنهم.

في ما يخص قائد الجيش ومجلس القضاء الأعلى والقضاة، وربّما غيرهم من المسؤولين في الإدارة، فهم يقسمون يمين الولاء للوطن وللدستور والقانون والدفاع عنها. وليس في القسم أي شيء يشير إلى تلبية رغبات الرئيس.

لكننا نحن في لبنان، حيث المؤسسات ضعيفة والإدارة العامّة محشوّة بالأزلام. ومن يدري، فقد يستطيع ترامبٌ صغير هنا تحقيق ما عجز عن تحقيقه ترامب الأصلي هناك.