القنابل الإسرائيلية قتلت حتى الآن نحو  16000 مدني وشرّدت أكثر من 1.5 مليون شخص داخل غزة، ناهيك عن آلاف الجرحى والمفقودين تحت الرّكام. إنّها الإبادة الجماعية الحقيقية الناجمة عمّا يسمى بالقنابل الذكية.

في حربها على غزّة، أسقطت إسرائيل 25000 طناً من القنابل، أي ما يقارب مرتين القنبلة الذرية التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وفقا لمصادر عسكرية.

القنابل الإسرائيلية قتلت حتى الآن نحو  16000 مدني وشرّدت أكثر من 1.5 مليون شخص داخل غزة، ناهيك عن آلاف الجرحى والمفقودين تحت الرّكام. إنّها الإبادة الجماعية الحقيقية الناجمة عمّا يسمى بالقنابل الدقيقة.

سلامة معروف، رئيس المكتب الحكومي الإعلامي التابع لحركة حماس، أشار إلى إنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي دمّرت 85 مبنى حكومياً في غزة وهدمت 47 مسجداً وألحقت أضراراً كبيرة بثلاث كنائس، بالإضافة لجميع المستشفيات في القطاع.  وقد أسفرت الهجمات عن إلحاق أضرار بأكثر من 200,000 مبنى، أصبح 32,500 منها غير صالح للسكن، وتعرضت 203 مدارس لأضرار جسيمة، وأصبحت 45 مدرسة الآن متوقفة تماماً عن العمل. كلّ هذا والإحصاءات ليست نهائية.

يضاف إلى ذلك إنّ الهجمات على غزة قتلت ما مجموعه 51 صحفياً و178 عاملاً في مجال الرعاية الصحّية، بالإضافة إلى عدد كبير من أفراد الدفاع المدني من فرق الإنقاذ في حالات الطوارئ.

التدمير المتعمّد

هذا ومن المرجح أن تكون المجزرة الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي على المستشفى الأهلي المعمداني في غزة - الذي راح ضحيته أكثر من 470 شهيداً - قد نفّذت باستخدام قنبلة MK-84 مزودة بصاعق زمني انفجر على ارتفاع معين فوق الأرض، في حين ذهبت تحقيقات أخرى إلى القول إنّ هذا الدمار الكبير سببه انفجار أحد الصواريخ الإسرائيلية الاعتراضية.

وفي ما يتعلق بما سبق، ذكرت تقارير عسكرية أنّ 85٪ من القنابل التي استخدمتها إسرائيل هي من القنابل الدقيقة، كما استخدمت إسرائيل قنابل زنة 1000 كلغ في غارة على جباليا، وتظهر التحليلات والأدلّة أنّ الجيش الإسرائيلي ألقى قنبلتين على الأقل زنة كلّ واحدة منها 1000 كلغ على الموقع. ويبلغ عرض حفرتي الارتطام حوالي 40 قدماً - وهي أبعاد تتّفق مع الانفجارات تحت الأرض التي قد ينتجها هذا النوع من الأسلحة في التربة الرملية الخفيفة، وفقاً لدراسة فنّية أجريت عام 2016 من قبل خدمات أبحاث التسلّح، وهي شركة استشارية لأبحاث الذخائر.

هذه الغارة العنيفة على مخيم جباليا دمّرت حياً سكنياً بأكمله وقتلت مئات المدنيين، لكنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي زعم أنّه كان يستهدف أحد قادة كتائب القسام وشبكة سرية من الأنفاق.

إنّ استخدام إسرائيل لمثل هذه القنابل، وهي ثاني أكبر نوع في ترسانتها العسكرية، ليس بالأمر الغريب، وحجمها بشكل عام هو الأكبر الذي تستخدمه معظم الجيوش بشكل منتظم لاستهداف البنية التحتية تحت الأرض، ولكن استخدامها في منطقة مكتظّة بالسكان مثل جباليا أثار تساؤلات حول التناسب وما إذا كانت الأهداف الإسرائيلية المقصودة تبرّر عدد القتلى من المدنيين والدمار الذي تسبّبه ضرباتها، خاصّة وأنّ القنبلة جهزت بـ"صاعق تأخير"، ممّا يؤخر التفجير حتى أجزاء من الثانية بعد اختراق السطح أو المبنى بحيث تصل القوة التدميرية للانفجار إلى عمق أكبر. وعادة ما يتمّ تجهيز القنابل بمجموعات توجيه تسمّى ذخائر الهجوم المباشر المشترك، وتحويلها مما يسمى بقنابل الإسقاط (القنابل الغبية) إلى أسلحة دقيقة موجهة بنظام التحديد العالمي للمواقع (GPS). القنبلة الوحيدة الأكبر في ترسانة إسرائيل زنتها تتراوح بين من 2000 إلى 2500 كلغ وفقا لجيريمي بيني، محرر الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة جينز للاستخبارات الدفاعية.

يذكر أن ثلاث وثمانين دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقّعت على التزام بالامتناع "حسب الاقتضاء، عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان" بسبب إلحاق الأذى بالمدنيين، لكنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم توقّع هذا الالتزام، كما رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على نوع الأسلحة التي استخدمها في جباليا.

قنابل ذكيّة أم غبيّة؟

حتى الآن، يبدو أنّ إسرائيل تستخدم بشكل كبير قنابل ذكية متطوّرة وموجهة خارقة للتحصينات في أهدافها التي يبلع عددها 12000 المعلنة كما ادّعى الجيش الإسرائيلي، وهذه القنابل هي من فصيلة قنابل Guided Bomb Unit (GBU) الخارقة للتحصينات.  

ومن المتعارف عليه أنّه هنالك نوعين من هذه القنابل. النوع الأول وله رأس مقوى يساعد القنبلة على الاختراق عند الاصطدام الأولي ويمنحها الوزن والزخم اللازمين للوصول إلى عمق الهدف كما يسمح لها المصهر المتأخر باختراق الأرض أو الهيكل قبل الانفجار.

أمّا النوع الثاني، فمجهز بشحنتين، وهي تعرف بالقنابل الإبرية والتي قد يتم شحنها باليورانيوم. الشحنة الأولى الصغيرة تستخدم لإحداث ثقب في الهدف، مما يسمح لبقية القنبلة بالمرور لتنفجر الشحنة الرئيسية في الداخل.

هذا النوع من القنابل لا تستخدمه إسرائيل لضرب الأنفاق والتحصينات تحت الأرض فقط، بل أيضا بهدف التدمير الكلّي للأبنية العالية والأبراج، إذ يمكن أن تدخل القنبلة من الجزء العلوي من المبنى وتشطره بالكامل وصولاً للأساسات مما يؤدي إلى انهيار المبنى بأكمله.

ووفقاً لاتفاقيات جنيف، لا يمكن استخدام هذه القنابل إلّا في "الظروف القصوى للدفاع عن النفس" لكن يحظر استخدامها في المناطق ذات الكثافة السكّانية العالية، ومع ذلك، فإنّ إسرائيل غير مهتمة بالأضرارالتي تحدثها هذه القنابل على ما يبدو، وإنّ استخدام إسرائيل لهذه القنابل الموجهة يلقي علامات استفهام حول الادعاء بأنّ هذه القنابل "الذكية" تقلل من الأضرار الجانبية.

وغالبا ما تبرّر الجيوش في جميع أنحاء العالم استخدام القنابل الذكية على أساس أنّها أكثر دقة، وبالتالي أكثر إنسانية وقانونية بموجب القوانين الإنسانية الدولية. لكن جزء كبير من القنابل الإسرائيلية التي تم إسقاطها فوق غزة تنتمي إلى عائلة قنابل MK 80 الأميركية الصنع، والمعروفة باسم قنابل الإسقاط أو "القنابل الغبية". وهي قنابل قديمة مبدئياً (استخدمت لأوّل مرة خلال حرب أميركا على فيتنام) لكن تمّ تعديلها من قبل الجيش الأميركي لتصبح قنابل دقيقة موجهة بالليزر وGPS  لإحداث دمار تحملها مقاتلات كالـ F-15 وغيرها من الطائرات الأميركية الصنع، وهي قنابل تحمل اسم "MK"، وعائلتها هي: "MK-80" و "MK-82" و "MK-83" و "MK-84". وعلى سبيل المثال، يبلغ وزن قنبلة "MK-84" نصف طن من المتفجرات ويصل تأثيرها إلى 365 متراً.

أما القنابل الموجهة، فمن المفترض أن تكون قنابل موجهة بدقة ومصممة لتفادي الأخطاء. وتحمل القنابل الموجهة نظام توجيه يتم مراقبته والتحكم به عادة من جهاز خارجي على أن تتوفر معلومات دقيقة جداً حول الهدف لتنفذ هذه القنابل مهمّتها في كافة الظروف وإلا تكون النتائج كارثية. 

حتّى الآن، يبدو أن إسرائيل استخدمت "جي بي يو 28" في غزة، وهي قنبلة خارقة للتحصينات موجهة بالليزر تزن 2500 كلغ، التي تم تصميمها وتصنيعها واستخدامها في أقلّ من ثلاثة أسابيع بسبب الحاجة الملحّة لها خلال عملية عاصفة الصحراء في العام 1991 لاختراق مراكز القيادة العراقية المحصنة الموجودة تحت الأرض حسب زعم الأميركيين آنذاك، في حين ذكرت معلومات استخباراتية أن إسرائيل استخدمت "جي بي يو 57" في قصفها لمبنى في ضاحية بيروت الجنوبية خلال عدوانها على لبنان في العام 2006. 

وفي عام 2021، طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة قنابل GBU-72 وهي الأحدث من نوعها وتعتبر أكثر قدرة على اختراق التحصينات، فهي قادرة على اختراق 30 متراً (100 قدم) من الأرض أو 6 أمتار (20 قدما) من الخرسانة المسلحة وطمس أي شيء قريب، والتسبّب في موجة صدمة زلزالية ومن المحتمل أن يصل تأثيرها إلى الأنفاق والهياكل الجوفية لأيّ هدف مقصود.

قنابل موجهة وأخرى فوسفورية ودعم أميركي غير متناه

كلّ هذه الترسانة الصاروخية التي استخدمتها إسرائيل في حربها على غزة لم تثنها عن استخدام القذائف الفوسفورية المحرّمة دولياً إذ ذكرت عدّة تقارير طبّية وجود حالات عدّة في غزّة لمصابين إمّا تعرضوا بشكل مباشر للفوسفور الأبيض أو تنشقوه جراء العدوان.

مع ذلك، وللأسف، كثّف البنتاغون من تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل، وقدّم طلبات تشمل تزويدها بالمزيد من الصواريخ الموجهة بالليزر لأسطول طائرات الأباتشي الحربية، بالإضافة إلى قذائف 155 ملم وأجهزة الرؤية الليلية وذخائر خارقة للتحصينات ومركبات عسكرية جديدة، وفقاً لقائمة داخلية لوزارة الدفاع. ويمتد خط إمداد الأسلحة إلى ما هو أبعد من توفير صواريخ القبّة الحديدية الاعتراضية والقنابل الذكية لشركة بوينغ. ويستمرّ حتّى هذا الوقت، الذي يحذر فيه مسؤولو إدارة جو بايدن إسرائيل بشكل متزايد من محاولة تجنّب وقوع إصابات بين المدنيين، نقل الولايات المتحدة قنابل موجهة بدقة بقيمة 320 مليون دولار للمساهمة في القصف الجوي الإسرائيلي كجزء من حربها على غزة. إذ وافقت لجان الكونغرس الأميركي ذات الصلة قبل عدة أشهر على بيع إسرائيل مجموعات القنابل من عائلة سبايس – وهي نوع من القنابل الدقيقة التي يمكن أن تحول القنابل غير الموجهة إلى قنابل موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS).