ما جرى في السابع من تشرين أول 2023 ما كان إلّا عملية استباقية من قبل حركة حماس وفصائل المقاومة لهجوم كانت تعدّ له إسرائيل منذ عدّة أعوام...

في مراجعة لما يجري في قطاع غزّة فإنّ إسرائيل قدّمت الى العالم سردية تفيد بأنّها تقوم بالردّ على هجوم "همجي" شنّته حركة حماس ضدها. لكن في حقيقة الأمر فإنّ ما جرى في السابع من تشرين أول 2023 ما كان إلّا عملية استباقية من قبل حركة حماس وفصائل المقاومة لهجوم كانت تعدّ له إسرائيل منذ عدّة أعوام، بغية استكمال مشروعها بالسيطرة على كامل فلسطين التاريخية وتهجير الشعب الفلسطيني من غزة والضفّة الغربية والأراضي المحتلّة في العام 1948 تمهيداً لترسيخ يهودية دولة إسرائيل.

ولقد شكّل إطلاق مشروع الممرّ الهندي الشرق أوسطي الأوروبي اللحظة الحاسمة لتطبيق إسرائيل لمخطّطها، وهو ما كانت تزمع القيام به عقب انتهاء احتفالاتها بيوم الغفران في السابع من تشرين أول لولا قيام المقاومة بحركة استباقية أجهضت خلالها المخطّط الإسرائيلي إلى حدّ كبير.

دوافع نتنياهو لشنّ الحرب؟

وترى بعض الدوائر الغربية أنّ حكومة بنيامين نتنياهو ومنذ تولّيها السّلطة في أواخر عام 2022، زادت من استفزازاتها ضدّ الفلسطينيين. وتفيد هذه الدوائر أنّ ما قامت به إسرائيل بعد ذلك من أعمال قصف وعمليات عسكرية يدلّ أنّ كلّ شيء كان مخطّطاً له مسبقاً من قبلها، وأنّها استوعبت الصدمة الناجمة عن عملية طوفان الأقصى لتشنّ حربها لإبادة الشعب الفلسطيني وترحيله مما تبقّى من أرضه، أكان في غزّة أو في الضفّة الغربية أو في أراضي العام 1948.

وتشير هذه الدوائر إلى أنّ هنالك أدلّة كثيرة على أنّ حكومة نتنياهو والجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن كانت على علم بوجود توغّل عسكري على وشك الحدوث، وأنّه كان هنالك تعمّد من قبل الجيش وقوات الأمن الإسرائيلي بقتل مدنيين إسرائيليين في معرض استهدافهم لقوات حماس.

ولقد كان تبرير الحكومة الإسرائيلية لما حدث ضعيفاً لجهة عدم علمها بالاستعدادات لشنّ هكذا عمليّة، كما كان ضعيفاً لجهة تبرير عدم معرفة قاعدة المخابرات العسكرية الأميركية السرّية بالهجوم وهي الواقعة في صحراء النقب الإسرائيلية، على بعد 32 كيلومتراً فقط من غزّة، “الموقع 512”.

كما لم تشرح السلطات الإسرائيلية كيف كان من الممكن عبور الحاجز الحدودي الإلكتروني الضخم باستخدام أدوات بدائية فقط. ودون إطلاق أيّ صفّارات إنذار أو تنبيه القواعد العسكرية. وقد أرجعت التعليقات الإعلامية إلى حدّ كبير فشل إسرائيل الأمني إلى تركيزها على الضفّة الغربية.

الأدلّة على تجاهل متعمّد

إلّا أنّ صحيفة هآرتس كشفت عن رسائل كتبها رئيس قسم أبحاث المخابرات العسكرية في آذار ثمّ في تموز، يحذّر فيها نتنياهو شخصيًا من الأزمة الاجتماعية والسياسية التي تهزّ البلاد، والتي يمكن أن تشجّع جماعات "معادية لإسرائيل بالقيام بأعمال عدائية ضدّها."

ففي شهر آذار، كتب العميد أميت ساعر حول إمكانية قيام حركات المقاومة بهجمات ضدّ إسرائيل. وعندما تبنّى وزير الدفاع يوآف غالانت هذا التحذير قام نتنياهو على الفور بطرده، إلّا أنّه أعاده إلى منصبه بعد احتجاجات كبيرة.

وأرسل ساعر رسالة أخرى إلى نتنياهو في تمّوز، قبل موافقة الكنيست مباشرة على قانون يمنح الحكومة سلطة تجاوز المحكمة العليا. وجاء في الرسالة: “إنّ الأزمة المتفاقمة تزيد من تآكل صورة إسرائيل، وتفاقم الأضرار التي لحقت بالردع الإسرائيلي وتزيد من احتمالات التصعيد”. وحاول رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتزل هاليفي إطلاع نتنياهو على الوضع الأمني، لكنّه مُنع من لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وبعد يومين فقط من الهجوم، وكان يوم الاثنين في 9 تشرين الأول، كشفت مصر النقاب عن أنّ مسؤولاً في المخابرات المصرية قام بتحذير السلطات الإسرائيلية مراراً وتكراراً من أنّ "شيئاً كبيراً" كان يختمر في غزّة. وقال: "لقد حذّرناهم من أنّه سيكون هناك انفجار للوضع، وقريباً جداً، وسيكون كبيراً. لكنّهم قلّلوا من أهمّية هذه التحذيرات".

حتّى أنّ الجنود الإسرائيليين وجهوا تحذيرات إلى قياداتهم إلّا أنّه تم تجاهلهم. وقد أعربت جندّيتان عن مخاوفهما قبل أسابيع بشأن ما اعتبرتاه نشاطًا مشبوهًا على طول حدود غزّة. وأخبرتا قادتهما عن "التدريبات والاستعدادات" بالقرب من الجدار الحدودي، إلّا أنّهما لم تلقيا آذاناً صاغية.

ثبت أنّ الجيش الإسرائيلي هو الذي تسبّب في أغلب الوفيات بين المدنيين الإسرائيليين

استنتاجات أوّلية

بناء على ما تقدّم فلقد تصرّف الجيش الإسرائيلي كمجموعة من القتلة المتوحّشين والمستعدّين لإطلاق النّار ضدّ الفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء، علماً أنّ العديد من الأسرى الإسرائيليين كانوا ما زالوا على قيد الحياة بعد يومين من أحداث 7 تشرين أول. وبنتيجة الأعمال العسكرية التي خاضها الجيش الإسرائيلي من دون تمييز، فلقد قتل عدداً كبيراً من الرهائن إمّا خلال تبادل إطلاق النار مع المقاتلين الفلسطينيين، أو عقب القرار المتعمّد الذي اتّخذه جيش الدفاع الإسرائيلي بمهاجمة الكيبوتسات بقذائف الدبابات وغيرها من الأسلحة الثقيلة في أماكن ضيقة، مع علمه التام بوجود الرهائن وخاطفيهم هناك.

ولقد ثبت أنّ الجيش الإسرائيلي هو الذي تسبّب في أغلب الوفيات بين المدنيين الإسرائيليين، وهو الأمر الذي استخدم لتبرير حرب الإبادة الجماعية ضدّ غزة ونشر السفن الحربية الأميركية في الشرق الأوسط.

وقد وافق نتنياهو جزئياً على "وقف عملياتي" مؤقت لهجوم الإبادة الجماعية الذي شنه على غزة، مقابل إطلاق سراح خمسين رهينة لدى حماس، في محاولة لاحتواء الغضب المتزايد في إسرائيل بشأن مسؤوليتها عن هجمات السابع من تشرين الأول، إلّا أنّه عاود شنّ حرب الإبادة بعد بضعة أيام على الهدنة بعد إفشاله تمديدها.

خلاصة

تشير الأدلّة إلى أنّ السلطات الإسرائيلية كانت على علم بالهجوم المخطّط له وسمحت بحدوثه، رغم أنّها لم تقدّر مدى حجمه ومدى عمق التغلغل الذي سيصل إليه المقاومون. علاوة على ذلك، يشير دعم إدارة بايدن الكامل لإسرائيل، بما في ذلك نشر السفن الحربية في المنطقة في اليوم التالي، إلى أنّ الجيش الأمريكي وأجهزة المخابرات الأمريكية استغلّت يوم 7 تشرين الأوّل لتفعيل خطط الحرب المعدّة مسبقًا.

فهل يمكننا الجزم أنّ حكومة نتنياهو كانت على علم بما سيحدث، أو أنّه كان عندها تقدير لاحتمالات عملية واسعة ستقوم بها فصائل المقاومة، وهي تركتها تحصل حتى تبرّر شنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزّة، وثمّ حرب إبادة في الضفة الغربية تليها إبادة للشعب الفلسطيني في أراضي الـ 1948 قبل أن توجّه انظارها للقضاء على المقاومة في لبنان؟