تقول معلومات مصادر موثوقة أنّ القوات اللبنانية بدأت تحرّكاً يرمي إلى التحشيد نيابياً من أجل ضمان التمديد في مجلس النواب...

حتّى السّاعة لم يؤدّ التجييش السياسي والديني غرضه في ضمان التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون. وضع الكنيسة ثقلها المعنوي في تمرير التمديد لا يعني تغييراً في الموقف السياسي لقوى ترفض الفكرة من أساسها. إلى الثّنائي الشيعي وسليمان فرنجية والتيار الوطني الحرّ انضم النائب السابق وليد جنبلاط، ما يعزّز قافلة معارضي التمديد مخالفاً التوجّهات الأميركية المتوجّسة من فكرة الفراغ في سدّة المؤسسة العسكرية.

وحدها القوّات اللبنانية التي كانت في طليعة المعارضين لبقاء قائد الجيش في منصبه، بادر نوّابها إلى إعداد اقتراح قانون للتمديد أصاب الفكرة بمقتل بدل أن يعزّز احتمالاتها. فالقوّات التي هي ذاتها كانت السبّاقة إلى ترشيح جوزف عون وحرقت حظوظه، أعدّت الاقتراح بالتمديد. فهل يمكن تصوّر تأييد الثنائي الشيعي لإقتراح قانون تقدّمت به القوّات، التي قاطعت جلسات التشريع على اعتبار أنّ مجلس النواب هيئة انتخابية يجب أن تبقى أبوابه مشرّعة إلى أن يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية.

استفز اقتراح القوّات رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي عاجل بالردّ قائلاً: لا أحد يملي عليّ ما يتوجب فعله. وإنّه لا يعمل la carte à. أمّا حزب الله فليس مستعداً لأيّ خطوة تستفزّ الحليف العائد على متن مواقف دعمته في معركته ضد اسرائيل على الجبهة الجنوبية، وأمّنت له مظلّة حماية وطنية وكسرت حدّة الموقف المسيحي المعارض، فضلاً عن أنّ الثنائي يعتبر أنّ ما طبّق على مديرية الأمن العام يمكن أن يطبّق على سائر المناصب، فقبل مديراً عامّاً بالانابة ومن خارج الطائفة الشيعية صاحبة الحقّ بحسب التوزيع الطّائفي للمناصب.

يعتبر التيّار كما الثنائي الشيعي أنّ قائد الجيش كان رأس الحربة في حراك 17 تشرين، وإنّه أقرب إلى الأميركيين المتمسّكين باستمراره في موقعه.

رغم معارضته التّمديد أو تأجيل التسريح إلّا أنّ الثنائي فضّل البقاء في الصفوف الخلفية في معركة التمديد بأبعادها المسيحية حيث وضعت الكنيسة كمّا الرابطة المارونية ثقلهما ضماناً لعدم الفراغ في ثالث منصب ماروني بعد الرئاسة الأولى وحاكمية مصرف لبنان، فتبرّع التّيّار أن يكون رأس الحربة في المعارضة. من حيث المبدأ يرفض التيّار فكرة التمديد في أيّ منصب كان، لكنّه بموضوع قيادة الجيش فهو يصبو إلى تحقيق هدفين دفعة واحدة: طيّ صفحة جوزف عون في قيادة المؤسّسة العسكرية، وضمان انتقاله ليصبح قائداً سابقاً للجيش فتتراجع أسهمه الرئاسية. وهذا الأمر يعدّ بمثابة تصفية حساب قديم معه عمره من عمر تعيينه، الذي عارضه باسيل بشدة. يعتبر التيّار كما الثنائي الشيعي أنّ قائد الجيش كان رأس الحربة في حراك 17 تشرين، وإنّه أقرب إلى الأميركيين المتمسّكين باستمراره في موقعه.

الحسابات ذاتها تدفع فرنجية إلى معارضة بقاء جوزف عون قائداً للجيش. علاقة الرجلين باردة منذ زمن والتواصل مقتصر على مناسبات محدّدة يكون خلالها الجنرال عون هو المبادر.

أمّا جنبلاط فهو من الأساس لم يكن يوماً متحمّسا للمؤسّسة العسكرية. همّه اليوم إلّا يتعيّن رئيس أركان درزي يتحمّل وزر الظروف الصعبة التي تعانيها البلد داخلياً وخارجياً، وهو قالها لباسيل صراحة أنّه وطائفته بغنى عن تحمّل عبء البلد بمفرده.

تقول معلومات مصادر موثوقة أنّ القوات اللبنانية بدأت تحرّكاً يرمي إلى التحشيد نيابياً من أجل ضمان التمديد في مجلس النواب، لكنّ برّي ليس بوارد فتح الجلسة لمثل هذه الغاية بالمطلق، وإذا كانت القوات تراجعت عن اعتبار المجلس النيابي في فترة انتخاب للرّئيس، ولا يجوز له التشريع خلالها فإنّ التيار تحرّك من جهته وتراجع عن معارضته حضور وزرائه الجلسة الحكومية، وأبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال صراحة أنّه لا يمانع عودتهم لضمان سلّة تعينات شاملة تضمن تعيين رئيس أركان ومنصبين آخرين في المجلس العسكري مع تعيين قائد جديد للجيش.

تقفل مصادر سياسية معنية بالاتصالات الجارية الباب نهائياً على التمديد لقائد الجيش، وتقلّل من موقف الكنيسة المؤيّدة للتمديد، وتقول أنّ ثمّة كلمة سر أميركية تمّ تعميمها على عدّة مرجعيّات مارونية وشخصيات للعمل على ضمان بقاء قائد الجيش. وتمضي قائلة أنّ الثنائي كما التيّار وفرنجية يعارضون التمديد، كاشفة النقاب عن أنّ العمل جار بصمت وروية على سلّة تعيينات في مجلس الوزراء يوافق عليها 24 وزيراً، تشمل تعين قائد جيش جديد ورئيس أركان، خاصّة لناحية ميقاتي المتوجّس من فكرة موافقة الوزراء مجتمعين على قرار كهذا.

وعمّا إذا كان الوضع الأمني سيكون سبباً للتمديد، خاصّة في ظلّ حماوة المواجهات بين حزب الله وإسرائيل على الجبهة الجنوبية، تقول المصادر أن الظروف ليست سبباً للتمديد فكلّ القوى السياسية تعارضه، بينما ما يهمّ الأميركيين والفرنسيين عدم وقوع المؤسّسة في الفراغ أكثر من الشخص، ولذا فالعمل على تعيين البديل قد يصبح خياراً مقبولاً وحلاً لتجنّب الفراغ.

بالمقابل تؤكّد مصادر التير الوطني الحر أنّه سيعلن عمّا قريب عن صيغة جديدة، يفترض أن تحظى بقبول كلّ الاطراف وسيكون المخرج عبر مجلس الوزراء، الوحيد المخوّل البتّ بالملفّ وليس مجلس النواب، حيث يدخل تعيين البديل في صلب صلاحيات وزير الدفاع موريس سليم، الذي بدأ يتحرّك على سكّة إنضاج الحلّ المناسب، والذي قد يوافق عليه ميقاتي على مضض. فرئيس الحكومة الرّاغب في التمديد لجوزف عون "الوحيد الذي يزعج باسيل" يفكّر جديا في اتخاذ قرار بتأجيل تسريحه في اجراء يدخل ضمن صلاحياته كرئيس حكومة لكنّ المعطيات المتوافرة لغاية اليوم تفيد أنّ حزب الله أبلغه عدم رغبته بإجراء كهذا فبات أمامه احتمال من اثنين، إمّا أن يوافق على تعيين قائد للجيش جديد أو تعيين قائد للجيش ورئيس اركان بالانابة الى حين تعين قائد جيش ورئيس اركان بالأصالة.

بالمقابل تحدثت مصادر حكومية أنّ الموضوع لا يزال قيد البحث والأبواب مفتوحة على الكثير من الاحتمالات، والقرار سيتّخذ في ضوء الأنسب للبلد ومصلحة المؤسسة العسكرية. وبالموازاة قالت مصادر الثنائي أنّ حزب الله لن يعارض تأجيل التسريح وإن كان برّي لم يحسم قراراه بعد.

بين النكايات السياسية ومصلحة المؤسّسة، سباق محموم يفضي إلى الاستنتاج أنّ من الصعوبة بمكان الاتّفاق على اسم قائد جديد للجيش أو تعيين قائد بالإنابة، ما يعني أنّ التمديد ورغم كلّ ما سلف قد يكون الخيار الأسلم، بحجّة الظروف الأمنية وحرب غزة التي تتحكم بمصير هذا الملفّ ومسألة الرئاسة اللبنانية، فتطوى صفحتها وقيادة الجيش، فتعزز حظوظ القائد الحالي وتبقيه ربطاً بالظروف.