وحدها اليمن قرّرت أن تترجم القول فعلاً بعد إعلان المتحدّث العسكري باسم الحوثيين دخول الحرب لنصرة أهل غزة. 

إنجازان إثنان تكاد تسجّلهما موسوعة "غينيس" للارقام القياسية، الأول يتمثل بالمجازر التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي بحقّ الأبرياء العزل في قطاع عزة، اذ دوّن الاحتلال في سجّله الحافل بالجرائم مجزرةً جديدةً بالأمس عقب استهدافه مخيم جباليا بـ 6 قنابل تزن كلّ واحدة طناً من المتفجرات شمالي القطاع، ما أدّى إلى استشهاد وجرح أكثر من 400 فلسطينياً جُلُهم من النساء والأطفال. أمّا الإنجاز الثاني فهو دخول غالبية قادة دول العالم العربي "غينيس" عن فئة الاستنكارات والشجب من دون تحريك أيّ ساكن، ووحدها اليمن قرّرت أن تترجم القول فعلاً بعد إعلان المتحدّث العسكري باسم الحوثيين دخول الحرب لنصرة أهل غزة. 

ومن الميدان، البداية. فقد أعلنت كتائب القسّام الجناح العسكري لحركة حماس، أنّ مقاتليها أوقعوا الآليات الإسرائيلية المتوغّلة بمنطقة جحر الديك شرقي المحافظة الوسطى بقطاع غزة في "كمين محكم"، مشيرةً إلى أنّها دمّرت 4 آليات إسرائيلية بقذائف "الياسين 105".

وبالتزامن مع إعلان جيش العدو بدء عملية التوغّل البرّي في غزّة، قال الناطق باسم كتائب القسّام "أبو عبيدة" في كلمة متلفزة، "ما إن بدأ التوغّل البرّي حتى قمنا بالتصدّي والدفاع المدروس في المحاور كافة، وخضنا ولا نزال مواجهات ضارية ومباشرة"، مؤكّداً الالتحام مع قوات العدو في كلّ نقاط التقدّم، وتدمير 22 آلية عسكرية بقذائف "الياسين" المضادة للدروع. 

كذلك، أعلن أبو عبيدة عن إدخال حماس للمرة الأولى أسلحة نوعية جديدة في القتال مع العدو (عبوات تستخدم من المسافة صفر ضد الدبابات، بالاضافة إلى طوربيد "العاصف" الموجه ضد الأهداف البحرية للمرة الأولى في هذه المعركة)، موضحاً أنّ "عملياتنا الدفاعية متواصلة، ولا يزال في جعبتنا الكثير، وغزة ستكون مقبرة للعدو ووحلاً لجنوده وقيادته السياسية والعسكرية".

وأشار إلى أنّ "حماس أبلغت الوسطاء أنّها ستُفرج عن عدد من الأجانب خلال الأيام المقبلة انسجاما مع رغبتها بعدم الاحتفاظ بهم في غزة"، في حين شهدت تل أبيب سقوط عدد من الصواريخ التي اطلقت من غزة رداً على المجازر الاسرائيلية بحق المدنيين.

كلمة نصرالله الجمعة إعلان حرب أو تهدئة؟

من اليَمن أتت المساندة لغزة بإطلاق مسيّرات على أهداف اسرائيلية، إذ قال يحي السريع (المتحدث باسم قوات الحوثي)، إنهم أطلقوا صواريخ ومسيرات على أهداف في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبينما نقلت شبكة "إن بي سي" الإخبارية عن مسؤولين أميركيين، أنّ الصاروخ الذي أطلق من اليمن ومداه 2000 كلم، لم يهدد السفن البحرية الأميركية، أشار المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، إلى اسقاط صاروخ أرض - أرض في منطقة البحر الأحمر عبر منظومة "حيتس"، معتبراً أنّ "الحوثيين يريدون تشتيت انتباهنا عن غزة، وأنّ الجيش الأميركي يعمل على منع كل التهديدات التي تواجه الكيان الاسرائيلي. 

وأعلن المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر، إرسال واشنطن 300 جندي إضافي إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية في الشرق الأوسط لمساعدة القوات المنتشرة في التخلص من الذخائر غيرالمنفجرة والمحافظة على الاتصالات، مؤكداً أنَّ "الجنود الـ300 ليس من المقرر أن يشاركوا في العمليات القتالية في إسرائيل".

كذلك، أشار رايد إلى تعرّض القواعد العسكرية الأميركية لنحو 27 هجوماً في العراق وسوريا منذ 17 تشرين الأول الفائت.

يأتي ذلك كله في ظلّ ترقّب عربي ودولي للكلمة المقررة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بعد ظهر يوم الجمعة المقبل، والتي ستكون مبنية على التطورات الميدانية للحرب في غزة، فإما يُعلن انخراط الحزب بحرب مفتوحة على الجبهة الجنوبية أو تترجم نوعاً من التهدئة المبنية على نجاح الولايات المتحدة في كبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الاستمرار في ارتكاب المجازر في غزة من خلال بدء ظهور مفاعيل التهدئة لتسلك المفاوضات منحى جدياً يتزامن مع اتفاق لوقّف إطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية من القطاع، بالإضافة إلى صرف النظر عن استمرار العمليات العسكرية التي ما تزال من دون أيّ إنجاز يُذكر حتّى اللحظة. 

420 طفلاً يقتلون أو يجرحون في غزة يومياً

من جهتها، أعلنت منظمة "اليونيسف"، أنّ غزة باتت بمثابة المقبرة للاطفال مشيرةً إلى استشهاد أكثر من 3500 طفل منذ بداية الحرب (420 طفلاً يقتلون أو يجرحون في غزة يومياً)، وبينما أفادت منظمة الصحة العالمية، بأنّ عدد الضحايا المدنيين في غزة صاعق ما ينبئ بكارثة انسانية، فقد لامس عدد شهداء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة الـ9000 بينهم أكثر من 22 ألف مصاب.

على خطّ آخر، بثت حسابات على مواقع التواصل مظاهرات بمحطّة ليفربول في لندن تندّد بالحرب الإسرائيلية على غزة، وترفع شعارات لوقف القصف المتواصل على القطاع، كما انطلقت مظاهرة منددة بمجزرة جباليا في طنجة المغربية واخرى في تونس، وبينما قررت بوليفيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل للسبب نفسه. 

إلى ذلك، قاطع عدد من المحتجّين الأميركيين خطاباً لوزيري الخارجية والدفاع الأميركيين، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، أثناء جلسة استماع في الكونغرس لمناقشة تقديم مساعدات لكلّ من أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، هتف المحتجون داخل قاعة الكونغرس مطالبين بـ"إنقاذ أطفال غزة ووقف إطلاق النار"، ورفعوا أيديهم المخضبة بصباغ أحمر، في إشارة إلى إراقة الدماء في قطاع غزة، وقد توقف بلينكن عن الحديث مرات عديدة، إلى حين قيام الشرطة الأميركية بإخراج المحتجّين من القاعة.

لبنانياً، لم تغيّر جولة باسيل التشاورية واقع الانقسام السائد

 لم يتمّ بعد تقريش نتائج "طوفان الأقصى" ولا المواجهات التي تلته والتي يخوضها "حزب الله" وفصائل أخرى فلسطينية على الحدود الجنوبية. إذ يتحكّم بالمواقف السياسية فريقان:

   - فريق يؤيّد المقاومة في لبنان وغزة ويتحسس "انتصاراً" بات أقرب إليه من "حبل الوريد"، ويرى أنّ المنطقة دخلت في مرحلة سستُهزَم فيها إسرائيل مع حلفائها شرّ هزيمة "على طريق تحرير فلسطين التاريخية.

   - فريق يقف مذهولاً إزاء ما يجري من قصف مدمّر لغزّة ويخاف من انزلاق لبنان إلى حرب مدمّرة لا يقوى على تحمّل تبعاتها في ظلّ ما يعيشه من انهيار على كلّ المستويات، ولذلك ينبري إلى تحذير حزب الله من أخذ لبنان إلى تلك الحرب تحت طائلة "الويل والثبور وعظائم الأمور".

في هذه الأجواء لم تغيّر جولة رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل التشاورية الأخيرة ببنودها الخمسة في واقع الانقسام السائد، سواء حول الجنوب وغزة أو حول القضايا الداخلية، فهذه الجولة لم تشمل الجميع وبعضهم المؤثر في المعادلات السياسية الداخلية، وكذلك لم تبلور موقفاً أو خلاصات يمكن ارتكاز الجميع إليها لإنجاز الاستحقاقات الداخلية، وفي مقدّمها الاستحقاق الرئاسي واستحقاق تلافي الفراغ الذي يتهدّد قيادة الجيش، بدليل أنّ باسيل وبعد جولته التشاورية، عاود في حوار متلفز معه تأكيد مواقفه المعروفة والرافضة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، وكذلك الرافضة انتخاب رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وإلى جانب ذلك امتدح شهداء حزب الله الذين يسقطون على الجبهة الجنوبية، ولكنّه دعا إلى عدم الانجرار إلى الحرب، رافضاً حصول "فتح لاند" جديدة في معرض اعتراضه على انطلاق مقاومين فلسطينيين من الأراضي اللبنانية لمهاجمة أهداف إسرائيلية في شمال فلسطين المحتلّة، وداعياً "الحزب" إلى منع ذلك، ملتقياً في هذا الموقف مع فريق المعارضة سواء في رفضها انتخاب فرنجية أو في رفضها أن "يورّط" حزب الله لبنان في "حرب مدمّرة". وذلك في الوقت الذي يهدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأنّ ما يجري في غزّة من قصف وتدمير ترتكبه الآلة الحربية الإسرائيلية "هو رسالة إلى حزب الله".

في ضوء كلّ هذه المعطيات، فإنّ الوضع الداخلي اللبناني الذي يختم اليوم سنة كاملة من الفراغ الرئاسي عائد عاجلاً أو آجلاً إلى مراوحته المعهودة حول الاستحقاقات الدستورية والإدارية المطروحة، وذلك لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النّار على جبهة الجنوب وفي غزّة، في ظلّ اقتناع بأنّ هذا الواقع سيبقى على ما هو عليه إلى أمد غير معلوم.