بعض السياسيين يقولون أن ما سيؤول إليه مصير الحوار وبالتّالي الجلسات المتتالية لانتخاب رئيس للجمهورية سيكون المؤشّر إلى حقيقة ما قد أبلغه هوكشتاين إلى بري في خلوتهما

تكمن أهمّيّة زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للبنان في خلوة الثّلث ساعة التي جمعته برئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. وهي خلوة قابلها خلوة وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبداللهيان بأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. فهل يقع الحلّ بين الخلوتين؟

الأهمّ في خلوة هوكشتاين بّري أنّ هذه الخلوة كانت بناءً على طلب الضّيف الأميركي، ما يعني أنّه نقل إلى برّي معطيات مهمّة لن تتظهّر إلّا من خلال المواقف والتصرّفات التي سيقدم رئيس مجلس النواب عليها في قابل الأيام، والمرجح أنّ مبادرته الحوارية والانتخابية التي أطلقها في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ولغة التحدّي التي خاطب بها برّي خصومه ومن سمّاهم "الواشون" من انّكم "ما بتعرفوا مين نبيه بري ومين حركة أمل" تنطوي على كثير من الخلفيات والمعاني، وقد تكون رسالة منه إلى الاميركيين في حال تبيّن أنّ هوكشتاين أبلغ إليه أيّ تهديد بفرض عقوبات عليه يروّج لها كثيرون منذ بضعة أشهر، خصوصاً وأنّ بعض المطّلعين على الموقف الأميركي واللصيقين به في لبنان يتحدّثون منذ الشهر الماضي عن أنّ واشنطن ستفرض عقوبات على سياسيين من ألوان مختلفة في لبنان خلال الشهر الحالي، على خلفية امتعاضها الشديد من كلّ الطبقة السياسية اللبنانية ونزاعاتها حول الاستحقاق الرئاسي وكلّ القضايا المتعلّقة بما آل إليه الوضع اللبناني من انهيار على كلّ المستويات.

ولكنّ بعض السياسيين يقولون أن ما سيؤول إليه مصير الحوار وبالتّالي الجلسات المتتالية لانتخاب رئيس للجمهورية سيكون المؤشّر إلى حقيقة ما قد أبلغه هوكشتاين إلى بري في خلوتهما.

أمّا السياحة التي مارسها هوكشتاين بين صخرة الروشة وقلعة بعلبك، فهي احتملت تفسيرين لا ثالث لهما، الأول أنّ الرجل أراد حسب قول البعض توجيه رسالة إيجابية إلى حزب الله من أنّ بلاده رغم تصنيفها له بأنّه "منظمة ارهابية" فإنّها مدركة أنّ دوره على الصّعيد الداخلي ضامن للسلم الأهلي إلى درجة أنّه يتيح له وللأميركيين والغربيين التجوّل في لبنان بحرّية من دون خوف.


أمّا التفسير الثاني فهو أنّ هوكشتاين أراد أن يؤكّد من هذه السياحة وخصوصاً من زيارته لبعلبك أنّ بلاده تعتبر أنّ لبنان كبقيّة دول المنطقة هو ضمن منطقة نفوذها وأنّ أحداً لا يمكن أن يسلخه منها لا إيران ولا غيرها أو أن يمنعها من الوصول إلى أيّ نقطة أو منطقة فيه مهما تعاظمت قوّته، وأنّ وجوده في بعلبك التي تعدّ معقلاً أساسياً من معاقل نفوذ الحزب يؤكّد هذا الموقف الأميركي الذي يتحدّى أيّ كان في أن يقوّض النفوذ الأميركي في لبنان والمنطقة.

ليل عبداللهيان الطويل

أمّا أهمّية زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبداللهيان فإنّها كمنت في لقائه الليلي الطويل مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي امتدّ من المساء وحتّى ساعات الفجر الأولى، والذي جاء قبل أن يلتقي ببرّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقادة الفصائل الفلسطينية، ومثلما سيطلع بري بنحو أو آخر السيد نصرالله على نتيجة خلوته مع هوكشتاين فإنّ نصرالله في المقابل سيطلعه على نتيجة خلوته مع عبداللهيان على رغم من أنّ الأخير كان له لقاء مع برّي ولكن لم تتخلّله أيّ خلوة بينهما.

ويقول البعض أنّ المؤشر على ما يكون عبداللهيان قد نقله إلى نصرالله، سيكون طبيعة تعاطي حزب الله مع الجانب السعودي في قابل الأيام، فإذا حصل تواصل بين الجانبين فإنّ ذلك سيدلّ إلى وساطة يمكن الحزب أن يلعبها بين الرياض والحوثيين في اليمن، دافعاً في اتجاه توصّلهما إلى اتفاق على حل سياسي متوازن للازمة اليمنية بشقيها الداخلي بين الاطراف اليمينة والسعودي – اليمني. وعلى الأرجح سيكون الثّمن الذي سيحصل عليه لبنان أن توعز الرياض بما يساعد على انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية متكفّلة بأن يصوّت مؤيدوها له. علماً أنّ التّقدير الاستراتيجي والمرحلي لدى الحزب هو أنّ الاستحقاق اللبناني لا يقلّ أهمّيّة عن الاستحقاق اليمني المتعلّق بحلّ الأزمة اليمنيّة، في ظلّ تمسّك الرياض وطهران باتّفاق بكين الذي سيتعزّز ويترسّخ أكثر فأكثر بزيارة الرّئيس الإيراني ابراهيم رئيسي المقرّرة للرياض وزيارة وليّ العهد السعودي المقررة لطهران.

العامل القومي لدى الحوثيين لا يقلّ أهمّية عن الرباط الإسلامي

والبعض اعتبر أنّ كلام عبد اللهيان نيابة عن السّعودية خلال زيارته لبيروت من أنها مستعدّة لتقديم الدّعم ولمساعدة لبنان وأنّها وإيران تلتقيان حول أنّ على القادة اللبنانيين أن يتّفقوا على انتخاب رئيس للجمهورية، إنّما يعبّر عن اتّفاق بين الجانبين على دعم لبنان لإنجاز هذه العملية الدستورية لأنّها شأن داخلي. ولكنّ البعض اعتبر أنّ عبداللهيان عكس في كلامه هذا من حيث يدري أو لا يدري أنّ البلدين توصّلا إلى مقاربة مشتركة حول لبنان، وتحديداً حول الاستحقاق الرئاسي وتوابعه، وأنّ كلامه عن المساعدة السعودية للبنان يعكس في مطاويه أنّ الرياض ترغب بتقديم هذه المساعدة أن يلعب حزب الله دوراً مساعداً في حلّ الأزمة اليمنيّة لأنّه ثبت لديها أن للحزب وللسيد نصرالله تحديداً دالّة كبيرة على الحوثيين ويتّكلون عليه في مسائل كثيرة ويستمعون إليه جيداً، وربما أكثر من استماعهم حتّى إلى الإيرانيين، فالرّباط بين إيران والحوثيين هو رباط إسلامي، بينما رباطهم بحزب الله هو رباط قومي عربي وإسلامي، وأنّ العامل القومي لدى الحوثيين لا يقلّ أهمّية عن الرباط الإسلامي.