هل يمكنك أن تتخيّل يوماً ما أن يقوم روبوت بإلقاء خطبة الجمعة أو تقديم خدمة قدّاس الأحد؟

يثير الإقبال المتزايد على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي العديدة والمتنوعة القلق حول العالم ويطرح عدّة أسئلة حول مستقبل الوظائف بشكل عام ومستقبل البشرية جمعاء بشكل خاص، إذ يبدو أنّ آثار الإمكانيات التي تقدّمها هذه التقنيّات المتقدّمة بدأت تُلقي بظلالها على وظائف عدد كبير من الأشخاص حول العالم.

وتقول منظّمة التّعاون الاقتصادي والتنمية إنّ 27 بالمئة من جميع الوظائف تعتمد على المهارات التي يمكن أتمتتها من خلال استخدام أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، في حين أنّ آثار الأدوات الروبوتية على الوظائف البسيطة أو تلك التي تعتمد على مهارات يدوية معيّنة- صناعة السيارات على سبيل المثال- باتت جليّة منذ عقود مضت، حيث تمّ الاستغناء عن عدد كبير من الوظائف المهنيّة بحجّة أن ّالآلات أكثر أماناً وسرعة ومهارة، في حين أنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة تستعدّ للقيام بعمل أولئك الموظفين الأكثر خبرة وتخصّصاً وقد تؤثّر على الجميع ومنهم الأطبّاء والمحامين والمهندسين وخبراء المال والمحلّلين الاقتصاديين والكتّاب والموظفين الإداريين. لكن في دراسة بحثية جديدة تبيّن أنّه من الثّابت حتّى الآن هو أنّ البشر قد يتفوّقّون أكثر بكثير من الروبوتات والآلات، أقلّه في الوقت الحالي – في مجال واحد وهو الدّين.

فهل يمكنك أن تتخيّل يوماً ما أن يقوم روبوت بإلقاء خطبة الجمعة أو تقديم خدمة قدّاس الأحد؟ ومع أنّ الروبوتات والآلات قادرة على تقديم طرق جديدة لمشاركة المعتقدات والتّعاليم، إلّا أنّ دراسة منشورة في مجلة عالم النفس التجريبي وجدت أنّ هذه الطرق الآلية يمكن أن تؤدّي إلى تآكل المصداقية وتناقص التفاعل وبالتاّلي تقليص حجم التبرّعات المقدّمة للجماعات الدينية التي تعتمد عليها.

الذكاء الاصطناعي في الدين


الروبوت "ميندار" في معبد "كوداي جي" البوذي في مدينة كيوتو اليابانية، يتميز بوجه سيليكون يشبه إلى حد كبير وجه الإنسان إذ يتمتع بشفاه متحرّكة وعيون وامضة ويتم استخدامه لإلقاء خطب "سوترا" القلب لمدة 25 دقيقة حول الفلسفة البوذية، مصحوبة بعرض ضوئي وصوتي. كلّف تطوير هذا "الروبوت الكاهن" ما يقارب 1 مليون دولار، من قبل فريق الروبوتات الياباني الذي تَشارك مع المعبد في هذه التجربة.

لكن الدراسة وجدت أنّ الثّمن لهذا الروبوت أعلى بكثير من تكلفته الحقيقة، إذ تراجعت التبرّعات التي كان يقدّمها الزوار. واعتمدت الدراسة على بحث شمل 398 مشاركاً كانوا يغادرون المعبد بعد سماع الصلاة أو العظة التي يلقيها عليهم "ميندار" أو الكاهن الروبوتي. وتبيّن من آراء المشاركين أنّ أداء ميندار كان أقلّ مصداقية، ولذا كان حجم التبرعات أقلّ بكثير من تبرعات أولئك الذين استمعوا إلى عظة كاهن بشري.


وتطابقت نتائج المعبد البوذي مع معبد "طاوي" في سنغافورة، فمن بين 239 مشاركا، استمع نصفهم إلى عظة ألقاها كاهن روبوتي يدعى "بيبر"، بينما استمع النّصف الآخر إلى كاهن بشري. مرّة أخرى، أشار النّصف الأول إلى أنّ عظة الكاهن الروبوتي أقلّ مصداقية، ممّا أدّى إلى عدم انسجامهم وتفاعلهم مع العرض وبالتالي لم تكن الرسالة الدينية صادقة، وهذا أدّى بالتالي إلى تقلّص التبرعات ودفع إدارة المعبد إلى توزيع منشورات دينية لدعم المعبد ولدفع المشاركين إلى التفاعل مع رسالتهم.

التجربة الثالثة أجريت على 274 مشاركا مسيحيا في الولايات المتحدة الأميركية استمعوا إلى عظتهم على الإنترنت. قيل لنصف المشاركين أنّ كاتب الموعظة هو كاهن بشري حقيقي، بينما قيل للنصف الآخر أنّ الذكاء الاصطناعي المتقدم هو الذي قام بكتابة العظة بناء على معطيات وتعاليم دينية محددة. عليه لوحظ أنّ المجموعة الثانية بمجملها قالت أّن العظة كانت أقل مصداقية لأنّهم شعروا أنّ برنامج الذكاء الاصطناعي لديه قدرة أقلّ على التفكير والتعاطف والشعور مثل الإنسان.

"كانت فرصة رائعة لاختبار كيفية تفاعل الناس مع العظات الآلية والخطب التي كتبتها نماذج لغوية اصطناعية متقدمة بدلاً عن البشر. يشير بحثنا إلى أنّ الناس يشعرون بالتزام أقلّ تجاه هويتهم الدينية ومكان عبادتهم عندما يتمّ تأليف الخطب من قبل الآلات والتطبيقات الذكية، مماّ يشير إلى أنّ الدعاة الذين يستخدمون ChatGPT لكتابة الخطب قد يُنفّرون رعاياهم (ما لم يتمكنوا من الحفاظ على مصدر إلهامهم سراً)". قال جوشوا كونراد جاكسون، المؤلّف الأول للدراسة حول تأثر رعايا الأديان مع الخطب الآلية لموقع "أنديان أكسبرس".

هل ينطبق هذا على جميع الأديان؟ّ

في مقابلة أجراها يعود تاريخها إلى العام 2020 أي قبل 3 سنوات مع دويتشه فيله، تحدّث مضيف معبد كودايجي "تينشو غوتو" عن كيف أنّ فلسفة البوذية مناسبة بشكل فريد لوجود واعظ آلي، إذ أنّ البوذية ديانة "تجريبية" وأنّ البوذيين يؤمنون فقط بما يمكنهم رؤيته وتجربته. ولكنّ تنبّؤات "غوتو" حول توافق البوذية مع الروبوتات أو الذكاء الاصطناعي كانت سابقة لأوانها بعض الشيء، وتبيّن أنها لم تصحّ. كما تطابقت النتائج مع الدراسات التي أجربت على الطاويين والمسيحيين.

ماذا يعني هذا؟


كان الهدف الرئيسي من إدخال ميندار إلى معبد Kodai-ji هو جذب الشباب مرة أخرى إلى الدين. لكنّ الدراسة تظهر أنّ التعرّض للكهنة الروبوتيين مثل ميندار يمكن أن يقلّل من الالتزام الديني بين الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم أكثر التزاما بالدّين. هذا يعني أنّ أماكن العبادة يمكن أن تواجه معضلة في المستقبل بين ما إذا كان ينبغي عليها الاعتماد على الروبوتات أو الذكاء الاصطناعي بهدف جذب الشباب، أو الاعتماد على طرق الوعظ التقليدية للمحافظة على الرعايا المخلصين الأكثر التزاماً بالأسس التاريخية.

روبوت جديد

معضلة إدخال الروبوت إلى مجال المعتقدات والأديان يقول البعض أنها قد تشهد تغييرات مرتبطة بمستوى التّطورّ التقني لهذه الروبوتات، وهنا يأتي تعديل RoboAgent الشهير لاكتساب مجموعة متنوعة من المهارات الأساسية بكفاءة يمكن تعميمها على سيناريوهات متنوعة لتشغل وظائف غير متناهية، إذ تم تدريب الروبوت الجديد على 7500 مسار ليقوم بمجموعة متنوعة من 12 مهمّة معالجة أساسية تختلف عن مهام الانتقاء المبدئية والدفع بما في ذلك معالجة الأشياء المفصلية أو تحريك الأشياء من مكانها. فمن خلال 38 مهمة تم تصميمها على أساس 100 من السيناريوهات المتنوعة التي تتضمن أشياء ومهام وبيئات غير مرئية تماما، يمكن لـ RoboAgent تطوير قدراته من خلال تجارب جديدة يتعلمها تلقائيا خلال أداء مهامه.

ويمكن القول أن RoboAgent هو تتويج للجهود التي امتدّت لأكثر من عامين من الدراسات والتجارب وتجميع البيانات لتصبح الحصيلة مكونات معيارية متعدّدة وخصائص وظائفية، منها:

- بنية تحتية للروبوتات الموزعة مبنية من خلال أجهزة السلع، وهي قادرة على القيام بمهام متواصلة غير قابلة للانقطاع على المدى الطويل.

- إطار عمل موحّد لتعلّم الروبوت عبر المحاكاة والعمليات الواقعية.

- مجموعة بيانات عالية الجودة تمثّل مهارات متعددة للتعامل مع المهام اليومية من خلال سيناريوهات متنوعة.

- إطار عمل تعليمي فعّال متعدّد المهام، يضاعف مجموعات البيانات غير المتّصلة بالإنترنت من خلال إنشاء مجموعة متنوعة من التعزيزات الدلالية المعتمدة على تجارب الروبوت الحالية، يستخدم بنية سياسة جديدة مع تمثيل فعّال للعمل لاستعادة سياسات الأداء في إطار قاعدة البيانات وتوافرها .

فهل سنشهد روبوتات حديثة أكثر في مراكز ودور العبادة نتيجة للتطور الحاصل؟، أم أنّ الأمر مجرد موجة ستزول وتبهت مع الوقت؟ هذا الأمر يبقى برسم المستقبل.