بعض أفرقاء المعارضة وجدوا في أسئلة لودريان ما سمّوه "إعتداء" على السيادة اللبنانية وعلى صلاحيات النواب ومجلس النواب

كانت لافتة الحملة التي شنّتها القوى المعارضة على مهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الآتي إلى لبنان الشهر المقبل، وذلك في ضوء الرسائل ـ الأسئلة الخطّية التي وجّهها إلى الكتل والنواب الذين كان التقاهم في زيارته الأخيرة، طالباً أجوبة خطّية عليها يتلقاها قبل مجيئه أو عند وصوله، ليجري تقاطعات في ما بينها ويقترح صيغة حلّ تحظى بموافقة الجميع عندما سيلتقيهم في قصر الصنوبر (مقرّ السفارة الفرنسية) في بيروت أو خارجه.

واللافت أيضا أنّ بعض أفرقاء المعارضة وجدوا في أسئلة لودريان ما سمّوه "إعتداء" على السيادة اللبنانية وعلى صلاحيات النواب ومجلس النواب، في وقت أنّ الرّجل يتحرّك منذ زيارته الأخيرة موفداً للمجموعة الخماسية بعد اجتماعها الأخير في الدوحة والتي لم يعترض هؤلاء الأفرقاء على دورها منذ أن انطلقت خلال اجتماعها الأول في 6 شباط الماضي في باريس، ومن ثم اجتماعها الثاني الشّهر المنصرم في الدوحة.

ينقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري هذه الأيّام عنه قوله أنّ المعارضين يواصلون خوض المعارك السياسية الفاشلة

المعلومات تشير إلى أنّ خلفية موقف هؤلاء الأفرقاء الحاملين على مهمّة لودريان هي انهم باتوا على يقين من أنّ الحوار الجاري بين حزب الله و"التيار الوطني الحر" سينتهي عاجلاً أم آجلاً، وربما قبل عودة لودريان إلى اتفاق يكون من أبرز بنوده إعلان التيار تأييده لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والذي قد يستتبعه موقف مماثل لكتلة "اللقاء الديموقراطي" بإيعاز من "مرشده السياسي" رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، لأنّه بمجرّد حصول فرنجية على تأييد التيار تتأمّن له "الميثاقية المسيحية"، فضلاً عن كتل ونواب آخرين، يمكن أن يذهبوا في الاتّجاه نفسه ما يعزّز فرصة انتخاب فرنجية بالأكثرية النيابية المطلوبة نِصاباً وانتخاباً. وفي هذه الحال تخسر المعارضة معركتها لإيصال مرشّح من كنفها أو ما تسمّيه "الرئيس السيادي"، ولكنّها ربما تجد الآن في الهجوم على مهمّة لودريان ما قد يغيّر هذا المسار، ويؤدّي إلى خروج فرنسا والمجموعة الخماسية من دائرة الاهتمام بلبنان، علماً أنّ لودريان كان أسمع غالبية الذين التقاهم في زيارته الأخيرة أنّه إذا لم تنجح مهمّته فإنّ الخماسية ستنفض يدها من الشأن اللبناني، وتترك للأفرقاء اللبنانيين أمر تدبّره رئاسياً وحكومياً وكلّ شيء.

وينقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري هذه الأيّام عنه قوله أنّ المعارضين يواصلون خوض المعارك السياسية الفاشلة، فإذا كانوا يعتقدون أنّ المبادرة الفرنسية قد انتهت فسيكتشفون العكس، وإذا كانوا يظنّون أنّ مفاعيل الاتفاق السعودي - الإيراني ستكون لمصلحتهم فسيكتشفون أيضا أنّ حساباتهم خاطئة، وإنّ ما يمكن أن يكسبونه من المبادرة الفرنسية لا يستطيعون كسبه عبر معادلات أخرى، بل ربّما يأتي تطور العلاقة بين الرياض وطهران في غير مصلحتهم إن لم يكن على حسابهم.

حلف لترشيح عون

وثمّة من يقول أن قوى المعارضة تعمل على الاصطفاف في حلف يتبنّى ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون انسجاما منها مع مناخ الاجتماع الخماسي الأخير في الدوحة، وذلك في مواجهة ترشيح فرنجية، ولكنّها تصطدم بأمرين: الأول انتقال "التيار الوطني الحر" إلى الضفة الأخرى بعودته إلى التحالف مع حزب الله ، وهو ما سيلزمه عاجلاً أم آجلاً بتأييد فرنجية، خصوصاً وأنّه اكتشف أنّ تقاطعه مع المعارضة على الوزير السابق جهاد أزعور لن يؤدّي إلى فوز الأخير لانعدام توافر الأكثرية المطلوبة له نصاباً وانتخاباً، فضلاً عن أنّه اكتشف أنّ هذا التقاطع لم يُطح بترشيح فرنجية الذي كان الهدف لديه، على رغم من إدراكه المسبق أنّ حظوظ أزعور ضئيلة جداً، بل منعدمة، لأنّ نظرية الخماسية الإتيان برئيس من خارج المنظومة السياسية بكاملها لا تنطبق عليه.

وقيل أنّ المعارضة في توجّهها إلى دعم ترشيح العماد عون تنطلق من مناخ ترعاه بكركي، ومفاده أن لا شخصية مسيحية قويّة يمكنها "لمّ الشمل المسيحي المبعثر" غير عون الذي ترى في إمكانه أن يرضي الجميع من "تيار" و"قوات" و"كتائب" وأن مجرّد حصول توافق الأكثرية المسيحية على اسمه لن يعطي الفريق الآخر أيّ مبرر للاعتراض عليه.

ما بدأ كبيراً بدأ بصغر

لكنّ الفريق الذي تمسّك ولا يزال يتمسّك بفرنجية ويعمل على توفير كلّ الإمكانات التي تمكّنه من الفوز، ليس في وارد الدخول في خيار آخر. ومن هنا يكتسب الحوار الجاري بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ أهمّية مرحلية واستراتيجية بالنّسبة إليه، وهذا الحوار يمضي قدماً، والخلاف الذي كان بدأ كبيراً بينهما بدأ يصغر، حيث يعملان على بلورة الاتفاق بينهما حول موضوعَي اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة والصندوق الائتماني، إلى مواضيع أخرى تتّصل بموقعهما السياسي خلال العهد الرئاسي المقبل، وتحديد المقاربات حول طريقة التعاطي مع كلّ هذه القضايا التي لا بدّ أن تكون موضع بحث بينهما وبين بقية القوى السياسية الأخرى. فالجميع متّفق في المبدأ على استكمال تطبيق ما تبقّى من بنود اتّفاق الطائف وفي مقدمها اللامركزية الإدارية الموسّعة، ولكن تطوير هذه اللامركزية إلى لامركزية ماليّة موسّعة، سيترك للبحث مع الآخرين على طاولة حوار يدعو إليها الرئيس المقبل، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الصندوق الائتماني الذي يحتاج أيضا إلى اتّفاق شامل عليه برعاية رئيس الجمهورية الجديد، ولذلك دخل الحوار إلى مرحلة الاتّفاق ضمناً على ما يمكن أن يكون للطرفين من ضمانات مختلفة وتطمينات في أيام العهد الرئاسي المقبل.

وفي المعلومات أن رئيس التيار جبران باسيل قطع شوطاً كبيراً في الاستدارة التي يستعدّ لها لجهة دعم ترشيح فرنجية، فضلاً عن أنّ أركان "التيار" باتوا في أجواء هذه الاستدارة بدليل ما يصدر عن بعضهم من تصريحات تؤكّد أنّ التيار سيؤيد فرنجية إذا قبل الحزب بـ"الشروط" التي طرحها باسيل، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ إلى أنّ أرضيّة التيار باتت جاهزة لملاقاة قيادته في استدارتها الجديدة، خصوصاً أنّ من يتحدث إيجاباً في هذا الصدد هم من القياديين اللصيقين بباسيل وليسوا ممّن يختلفون معه في وجهات النظر أو الذين ينادون بأن يرشّح التيار أحد قياداته لرئاسة الجمهورية وليس شخصية من خارجه، طالما أنّ رئيسه غير مرشح أو استحال عليه ترشيح نفسه للأسباب المعروفة لدى الجميع.

ويقول أحد المطّلعين على موقف "التيار" أنّ تذكيره أو إبلاغه إلى المعارضة أنّه لا يزال على تقاطعه معها على أزعور، هو من عدة شغله في الحوار مع حزب الله بغية تحقيق أكبر مقدار ممكن من المكتسبات مقابل تأييده لفرنجية، خصوصاً وأنّ باسيل أدرك أنّ الحزب ليس في وارد التخلّي عن رئيس تيار المردة.

وفي المقابل عندما يطلق بعض قادة حزب الله بعض الإشارات الإيجابية حيال قائد الجيش العماد جوزف عون، فهو يهدف إلى دفع باسيل إلى خفض سقف مطالبه وشروطه إلى حدود الممكن للطرفين وليعملان معاً على تحقيقه في شأن اللامركزية الإدارية والصندوق الائتماني والمكتسبات والمطالب التي يطرحها باسيل، في مقابل قبوله بفرنجية. ويدرك الحزب جيداً أنّ باسيل لا يمكنه الذهاب إلى خيار دعم ترشيح قائد الجيش لكثير من الأسباب والاعتبارات لديه، والتي منها الشخصي ومنها ما يتّصل بالتيار الوطني الحر وبنيته التنظيمية وما لقائد الجيش من دالّة على جزء ليس بضئيل منها.

وفي أيّ حال وانطلاقاً من الخلاصات المتوافرة بدأ التيار في الحوار مع الحزب يركّز على المكتسبات والضمانات التي يمكنه الحصول عليها في حال قبوله بفرنجية، ويبدو أنّ هذا الأمر سائر في اتجاه إيجابي بمقدار كبير، خصوصاً وأنّ باسيل يطمح لأن يكون دعمه لعهد فرنجية توطئة لدعم ترشيحه هو في انتخابات 2029، وقد أبدى الحزب مرونة تجاه هذا الأمر، وهي مرونة كان أبداها منذ لقاء باسيل الشهير مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في بدايات البحث في الاستحقاق الرئاسي، ولكنّ باسيل رفض يومها دعم فرنجية وردّ نصرالله بعبارته الشهيرة: "للبحث صلة". وهي عبارة حملت كثيراً من المعاني وربّما يكون أوان تفسيرها قد حان...