قبل عودته المرتقبة إلى بيروت في أيلول المقبل ارتأى لودريان توجيه رسالة خطية إلى 38 نائباً لتشمل رؤساء كتل ونواب تغييريين ومستقلين....

الإثنين الفائت تلقّت المديرية العامة لمجلس النواب طرداً من الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان عبارة عن 38 رسالة خطّيّة إلى 38 نائباً في البرلمان. انقطاع التيّار الكهربائي أربك عملية فرزها وتوزيعها على أصحابها من النواب. للوهلة الأولى لم يكن مضمون الطّرد وما بداخله معلوماً. أفيد رئيس مجلس النواب بالخبر فأعطى تعليماته "وزّعها".

وبعد ساعات قليلة كانت الرّسائل قد وصلت إلى أصحابها وهم: فيصل كرامي، الياس جرادي، جبران باسيل، حليمة قعقور، جورج عدوان، اغوب بقرادونيان، محمد رعد، سامي الجميل، تيمور جنبلاط، علي حسن خليل، نعمة افرام، طوني فرنجية، ميشال معوض، فؤاد مخزومي، مارك ضو، وضّاح الصادق، ابراهيم منيمنة، نجاة صليبا، فراس حمدان، ملحم خلف، بولا يعقوبيان، وليد البعريني، عبد الرحمن البزري، أسامة سعد، شربل مسعد، جان طالوزيان، جهاد الصمد، عبد الكريم كبارة، ناصر حيدر، ايهاب مطر، بلال الحشيمي، ميشال ضاهر، غسّان سكاف، أشرف ريفي، أديب عبد المسيح، سينتيا زرازير، ياسين ياسين وميشال دويهي.

قبل عودته إلى بيروت ارتأى لودريان توجيه رسالة خطية لرؤساء كتل ونواب تغييريين ومستقلين تضمّنت سؤالين

فقبل عودته المرتقبة إلى بيروت في أيلول المقبل ارتأى لودريان توجيه رسالة خطية إلى 38 نائباً لتشمل رؤساء كتل ونواب تغييريين ومستقلين، تضمّنت سؤالين: ما هي بالنسبة لفريقكم السياسي، المشاريع ذات الأولوية المتعلّقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة؟ وما هي الصّفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلّي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟


وفي تبريره لطرحهما يقول في متن رسالته:

سعادة النائب،

خلال زيارتي إلى لبنان بين الخامس والعشرين والسابع والعشرين من شهر تموز، بصفتي موفداً خاصّاً لرئيس الجمهورية الفرنسية من أجل لبنان، أجريت لقاءات مع ممثلين عن كافّة القوى السياسية التي تشغل مقاعد نيابية في مجلس النواب اللبناني، بمن فيها تلك التي تمثلونها.

ظروف مؤاتية لإجراء انتخابات مفتوحة تتيح الخروج من هذه الأزمة سريعاً

نظراً للضرورة الملحّة للخروج من الطريق المسدود الحالي على الصعيد السياسي، الذي يعرّض مستقبل بلدكم لمخاطر جمّة، اقترحت عليهم أن أدعوهم في شهر أيلول إلى لقاء يرمي إلى بلورة توافق بشأن التحدّيات التي يجب على رئيس الجمهورية المستقبلي مواجهتها والمشاريع ذات الأولوية التي يجب عليه الاضطلاع بها، وبالتّالي المواصفات الضرورية من أجل تحقيق ذلك.

يهدف هذا اللقاء، الذي يتمحور حصراً حول هذه المسائل، إلى توفير مناخ من الثّقة وإتاحة اجتماع مجلس النواب في أعقاب ذلك، وضمن ظروف مؤاتية لإجراء انتخابات مفتوحة تتيح الخروج من هذه الأزمة سريعاً.

بهدف التحضير لهذا اللقاء، أوجّه إليكم هذه الرسالة طالباً منكم بشكل رسمي، إجاباتكم الخطية، والموجزة قدرالمستطاع، على السؤالين التاليين:

  - ما هي، بالنسبة إلى فريقكم السياسي، المشاريع ذات الأولوية المتعلّقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الستة المقبلة؟

  - ما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلّي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟

وبعد الشكر يُطلب الى النواب "إرسال إجاباتكم إلى سفارة فرنسا في لبنان قبل الحادي والثلاثين من شهر آب الحالي". وسوف يسبق تنظيم الاجتماع إجراء مشاورات ثنائية.

وختم "في الوضع الحالي الذي تمرّ به البلاد من المهم أن نحدّد معاً نقاط الإلتقاء وأن نصيغها بدقّة لخلق بيئة مؤاتية لبلورة حلول توافقية. آمل أن تلتقطوا جميعاً، هذه الفرصة التي أقترح إطلاقها بإسم رئيس الجمهورية الفرنسية وبدعم من شركاء لبنان الأساسيين".

يفهم من نصّ الرّسالة أنّ الهدف هو استباق زيارته بالتعرّف على آراء الكتل النيابية الأساسية والنّوّاب المستقلّين والتغيريين إلى مواصفات رئيس الجمهورية المقبل والمطلوب منه ليكون ذلك مقدّمة لتنظيم بلاده جلسة حوار نيابية لبنانية كمدخل لانتخاب رئيس للجمهورية.

لكنّ رسالة الموفد الرئاسي الفرنسي وقَعَت في المحظور بالشّكل كما بالمضمون: من ناحية الشّكل، كيف لشخصية فرنسية وإن ارتدت صفة موفد رئاسي فرنسي أن تجيز لنفسها مخاطبة نائب، وتطلب إليه الرّدّ خطياً على أسئلة، وتشترط عليه إيداع الإجابة في مبنى السّفارة الفرنسيّة في بيروت.

ولناحية المضمون هل يفترض أن يحدّد نائب الأمّة مواصفات الرّئيس العتيد والمشاريع التي يفترض أن يضطلع بها مسبقاً وينفذها في خلال ولايته، على أن يكون ردّهم خطّيّاً وفي مهلة لا تتجاوز نهاية الشّهر.

كالصّاعقة وقعت الرّسالة على النوّاب. ومن رضي بها على مضض كي لا يُزعل الأم الحنون أخضعها لدراسة معمّقة من أجل الرّدّ عليها وإلتزام المطلوب منه حرفياً. أوّل المتجاوبين كان "الثنائي الوطني" الذي لا يرى جدوى من معارضة الفرنسيين في مطلبهم، ويعتبر "الثنائي" وفق مصادره أنّ الرّسالة تخضع للدّرس. وتقول مصادر مطّلعة على موقفه أنّ حزب الله ينوي الإجابة على نصّ الرسالة وتلبية طلب الموفد الرئاسي الفرنسي، طالما أنّ الحزب سبق واستقبله واستمع إلى طروحاته. وتقول المصادر أنّ هدف الفرنسيين إيجاد ثغرة للنفاد منها إلى ملفّ الرئاسة، وأنّ لودريان يريد جمع الآراء والأفكار استباقاً لجلسة حوار على ما يبدو، لكنّ تلبية الطلب الفرنسي لا يلغي استغرابه، خاصّة وأنّ لودريان كان قد حضر إلى لبنان واستمع إلى آراء الكتل النيابية وممثليها، لكن في تقدير "الثنائي" أنّ الموفد الرئاسي ربما أرادها ردوداً نصّيّة كي لا يتنصّل أيّ فريق من أقواله.

اختلفت الآراء حول الرسالة بين من رأى فيها مسّا بالسيادة وبدستورية عمل النوّاب وممارسة فعل وصاية، ومن اعتبرها استكمالاً لوساطة وبديل لحوار. ومن وجهة نظر حزب الله فهي استكمال لمساعي لودريان الذي زار لبنان كموفد رئاسي طالباً من اللجنة الخماسية القيام بمسعى أخير قبل الدخول في مسار فرض العقوبات على المعطّلين الذي اقترحه المجتمعون في الدوحة.

تلقّي الرسالة والإجابة عليها لا تعني التّعويل على نتائج ملموسة أو خرق قريب في الملفّ الرئاسي فبالنسبة للثنائي إنّها مجرّد تحريك المياه الرّاكدة، أمّا بالنّسبة إلى المعارضة فقد سارعت إلى رفضه ببيان عالي اللهجة، لم يخل من التّهديد والوعيد ولو أنّها رحّبت "بالمساعي التوفيقية التي يقوم بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، وتقدير أيّ مسعى يأتي من أصدقاء لبنان، لكن أصبح جليّاً، عدم جدوى أيّ صيغةِ تحاورٍ مع حزب الله وحلفائه".

من جهته كتب النائب "ميشال ضاهر" عبر منصة "اكس": "كرامتي واحترامي لمجلس النوّاب وللناخبين الذين انتخبوني وكلّ اللبنانيين، لن أردّ خطّياً على رسالة الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان. إنّ عمليّة انتخاب رئيس الجمهورية وبناء الدولة وإصلاح المؤسّسات، يعرفها جيداً الموفد الفرنسي لودريان. وإذا لم يقدر الفرنسيون على تنفيذ هذه المهمّة، فإنّ من الأسلم عدم تضييع كلّ هذا الوقت وهدره مع احترامي الشّديد لشخصه".

الرّسالة ذاتها أثارت استغراب نائب القوّات "جورج عدوان" الذي كتب عبر منصّة "إكس": "وصلتني اليوم بواسطة الأمانة العامّة لمجلس النواب رسالة من المبعوث الفرنسي "جان إيف لودريان" يطلب فيها بشكل رسمي وخطّيّاً الإجابة قبل نهاية الشّهر الحالي على سؤالين يتعلّقان بانتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية. وقد أثارت هذه الرّسالة استغرابي، ففرنسا بلد صديق تربطه بلبنان علاقات تاريخية، وهي دولة عريقة بممارساتها الدستورية وباحترامها للقواعد الدبلوماسية ولأصول التعاطي".

رغم التحفّظ وعبارات الاستغراب، يُستبعد ألّا يلتحق النّوّاب بركب المبايعة للصديق الفرنسي، بتأدية الواجب وتدوين الرسالة وإيداعها مبنى السفارة، كي لا يغضبوا الفرنسيين من جهة، ولا يظهروا بمظهر المعطّل لأيّ مسعى من قبلهم، وإن كان الطّلب الفرنسي يتعارض مع نصّ الدستور وروحه ويعدّ تدخّلاً مباشراً في عمل النائب وواجباته. لكنّ الطّلب الفرنسي يمكن أن يفهم في ناحية أخرى ومختلفة وهي الأهمّ ، فالواجب المطلوب كتابته قبل زيارته في أيلول المقبل قد يكون ذريعة للموفد الفرنسي للتملّص من الزيارة مجدّداً، لأنّ حصولها كعدمه، ومجيئه سيعدّ محطّة تضاف إلى محطّات الفشل الفرنسي على كثرتها.

ومن هنا، فالتخلّف عن كتابة الواجب فيه مخالفة للفرنسيين، وتشابك الآراء يمكن أن يدفعها إلى التّراجع. وفي الحالتين تعدّ كالواجب الصيفي الذي يذكّر التلميذ النجيب بواجباته، لكن تأديته لا يقدّم أو يؤخّر في النتيجة.