مجرّد طرح فكرة الحوار وبرئاسة بري نكون انتقلنا من أزمة ملفّ رئاسة إلى أزمة ملفّ العلاقات بين المكوّنات ومفهوم الشراكة وموقع رئاسة المجلس

لا موعد محدّد لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان مجدّداً. الكلام الوحيد عن زيارة الموفد الفرنسي الرئاسي كان صدر عن أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري مشفوعاً بكلام أنّ مقرّ الحوار سيكون في مجلس النواب وبرئاسته شخصيّاً، علماً أنّ بري نفسه كان تمنّى على الموفد الفرنسي استثنائه من مهمّة الدّعوة إلى الحوار لكونه طرفاً، وجيّر المهمّة إلى بكركي التي اعتذرت بدورها. لكنّ الموضوع بحدّ ذاته إن حصل سينتج عنه ما يلي:

- عودة الخلافات المستحكمة بين من يرضى ومن لا يرضى لأن يترأس بري الحوار. وهذا يعني إمّا أنّ رئيس المجلس تخلّى عن موقعه كطرف يتبنّى ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ويعمل لأجله وهذا مستحيل، أو أراد أن يقدّم نفسه طرفاً سياسياً وحكماً في الوقت نفسه وهذا من سابع المستحيلات. مجرّد طرح فكرة الحوار وبرئاسة بري نكون انتقلنا من أزمة ملفّ رئاسة إلى أزمة ملفّ العلاقات بين المكوّنات ومفهوم الشراكة وموقع رئاسة المجلس، وبأي حقّ سيترأس رئيس المجلس. وبدل أن ينتقل من أزمة إلى حلّ، سينتقل البلد من أزمة إلى أزمة.


الثنائي الوطني لم يحسم حتّى الآن فكرة القبول بأنّ فرنجية سيكون موضع نقاش

- مجرّد طرح فكرة الحوار يعني قبول القوى السياسية بأنّ مرشّحَيها  أزعور وفرنجية دخلا بازار التفاوض، مع العلم أنّ الثنائي الوطني لم يحسم حتّى الآن فكرة القبول بأنّ فرنجية سيكون موضع نقاش.

- مجرّد فتح الحوار إذا حصل، وفي مجلس النوّاب تحديداً، سيطرح إشكالية حول من سيشارك فيه، وماذا عن الأحزاب الصغيرة والتغيريين والمستقلّين وغيرهم.

- باستطاعة من ضمان حصريّة البحث بالملفّ الرّئاسي عندما يلتئم شمل حوار وطني، والكلّ يعلم أنّ هذا الملفّ ليس إلّا انعكاساً عن أزمات أخرى موجودة في تركيبة النظام، أبرزها آليّة انتخاب رئيس للجمهورية والخلاف على موضوع توزيع الصلاحيات. بكلام آخر مجرّد الذهاب إلى حوار تحت عنوان "الرّئاسة"، لا يضمن عدم فتح الأبواب أمام الشياطين الصامتة بملفّات أخرى.

مصادر سياسية مواكبة للحراك الفرنسي تحدّثت عن زيارة غامضة للموفد الفرنسي من حيث التوقيت وجدول الأعمال وقالت، " لنفترض جدلاً حصول حوار، فما هو الدور الفرنسي هنا، وهل سيواكبه لودريان من المجلس النيابي، ومن سيضع جدول الأعمال؟" وتابعت، "إذا كان لدى الفرنسيين مقترح، فهل يعني الحوار على إسم مرشّح، أم حوار حول برنامج عمل كما سعت فرنسا بعد انفجار المرفأ ولم يحصل؟"

الزيارة مفتوحة على أسئلة حول مسألة الحوار وجدّيته، بغضّ النّظر عن مجيء الموفد الفرنسي الرئاسي من عدمه. خلاصة ذلك تعني أن لا الظروف الداخلية مهيّأة لفتح باب الحوار ولا فرنسا في موقع يمكنها فرض جدول أعمال الحوار، بدليل أنّ لودريان جاء خالي الوفاض إلى لبنان، حيث قضى وقته مستمعاً وقد فهم من فحوى زيارته انسحاب بلاده من مبادرة المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، كما فهم منه تراجعه عن دعم مرشح الثنائي سليمان فرنجية.

الغموض يحيط بعودة الموفد الفرنسي إلى لبنان في زيارة ليس معلوماً ما الذي ستحمله من جديد، وسط معلومات تؤكّد أنّ السفيرة الفرنسية في لبنان ستقوم بالتمهيد للزيارة بجولة استطلاع على رؤساء الكتل النيابية والنواب المستقلين والإستفسار منهم حول آلية الحوار المطلوب وبرنامج عمله. وهنا ستتوضح العقد لوجود اختلاف وتباعد بين القوى السياسية حول مفهوم الحوار وجدول عمله، فبينما يشترطه حزب الله محصوراً بالرئاسة الأولى، دون التطرّق إلى موضوعات أخرى كالإستراتيجية الدفاعية أو غيرها، رافضاَ شرط المعارضة سحب ترشيح فرنجية، تراه المعارضة مناسَبة لبحث كل الملفّات الخلافية.

أما بين الفريقين، فإنّ ما يهمّ رئيس المجلس انطلاق الحوار وجلوس الجميع إلى طاولة واحدة وبداية الحديث، وهذه بحدّ ذاتها ستكسر الجليد وتقرّب وجهات النّظر، وإن لم تخرج بحلول. أمّا الإشتراكي فيعتبر أن لا حلّ لإنتخاب رئيس للجمهورية إلّا بحوار داخلي.

يجري كل ذلك في وقت غاب الحديث نهائياً عن جلسة انتخاب رئاسية قريبة، بما يعني أنّ بري ليس بوارد الدعوة مجدداً لانتخاب الرئيس، طالما أنّ مرشح الثنائي لم يضمن تأييداً مسيحياً وازناً بعد.

تتحدث مصادر سياسية مطّلعة على الموقف الفرنسي عن وجود إرباك حيال ملفّ الرئاسة في لبنان، ونفت أن يكون قد تمّ تحديد موعد محدّد لعودة لودريان، وأنّ تاريخ السابع عشر الجاري ليس موعداً نهائياً لاحتمال زيارته، وختمت أنّ السفيرة ستغادر نهاية الجاري في إجازة عائدة إلى بلادها، تلتحق بعدها بمقرّ عملها الجديد.