رُبّ قائلٍ أنّه من السابق لأوانه الحديث عن تموضع جديد للإشتراكي بعيداً عن خيار أزعور، ولو لم يحالفه الحظ من أولى الجلسات. فالسيناريو كان مُتعارف عليه وهو فرط نصاب الجلسة في دورتها الثانية خشية أن تكون نهايتها سعيدة لأزعور، فيُنصّب رئيساً وينكسر الثنائي. ليس من السهل على الإشتراكي مغادرة محور أزعور لأسباب عدّة أوّلها أنّ أزعور نفسه ونسبة لما صدر عنه وما أسَرَّه لأصدقاء ليس بوارد الإنسحاب من الحلبة، ولأنّ ليس من الطبيعي تعدّد المرشحين المنافسين لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
جنبلاط إلى أين؟ سؤال لازمَ الرجل لحقبة طويلة مضت. ربما تكون هي المرّة الأولى التي يدرك فيها الجواب. رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى خلوّته، يُراجع حسابات الماضي وعينه على الحاضر، واليَدّ على القلب.
بعد الجلسة الثانية عشرة لانتخاب الرئيس عددياً، والأولى بتقويم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، دخلت التيارات السياسية والأحزاب في مراجعة حساباتها واخضاع الجلسة بما شهدته لقراءة عميقة ومفصلة. جميعها التزم الصّمت، فلا دخل التيار الوطني الحر في جردة حساب مع حليفه حزب الله على محاولات شقّ تكتله النيابي، ولا القوات عاتبت التغيريين على تشرذم مواقفهم. أما النواب السنّة فبقي حالهم لم يتغير بعد الجلسة عما قبلها: تشتُت وضياع بإنتظار معطى ما، لم تستكمل عناصره بعد. مرّت الجلسة بأقلّ الأضرار المتوقّعة، لكن ماذا بعد؟ وهل نكون أمام نسخة ثانية منقحة عن ترشيح النائب ميشال معوض، بحيث تتعدد جلسات الإنتخاب بلا جدوى؟ وكيف سيكون وضع الحزب التقدمي الإشتراكي الذي كان أسَرّ لحلفائه أنّ مسيرته بتأييد أزعور لن تطول كثيراً، فإمّا ينتخب من الجلسة الأولى أو يعدل الإشتراكي في قرار تأييده، خاصّة وأنّ تأييده لأزعور كان على حساب صداقته مع حليف العمر رئيس مجلس النواب نبيه بري، لدرجة رفض الأخير إعطاء موعد لزيارة تبريركان يتمّ الترتيب لها للنائب تيمور جنبلاط إلى عين التينة. لكلّ حزب خصوصيته في التعاطي مع ترشيح أزعور بينما للإشتراكي حساباته المتقدمة على حسابات الآخرين والتي تختلف عنها بالعمق .
فرئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط الذي يستعدّ لنقل شُعلة الرئاسة إلى نجله البكر تيمور، انصرف حالياً إلى وضع اللمسات الأخيرة على المؤتمر الحزبي، والإعداد لخطاب الفصل بين عهدين: واحد مضى وآخر رسم مستقبله على وقع تراكم أزمات. بإقتراعه لأزعور يكون وفى وليد جنبلاط بتعهّده والتزم خيار تيمور وتماهى مع إصراره. فالولد سرّ أبيه ومثله لا يقبل كثرة النقاش في قناعاته، ولو أنّه لا يماثله من حيث فائض خوفه على مستقبله ومستقبل الطائفة برمّتها.
رُبّ قائلٍ أنّه من السابق لأوانه الحديث عن تموضع جديد للإشتراكي بعيداً عن خيار أزعور، ولو لم يحالفه الحظ من أولى الجلسات. فالسيناريو كان مُتعارف عليه وهو فرط نصاب الجلسة في دورتها الثانية خشية أن تكون نهايتها سعيدة لأزعور، فيُنصّب رئيساً وينكسر الثنائي. ليس من السهل على الإشتراكي مغادرة محور أزعور لأسباب عدّة أوّلها أنّ أزعور نفسه ونسبة لما صدر عنه وما أسرّه لأصدقاء ليس بوارد الإنسحاب من الحلبة، ولأنّ ليس من الطبيعي تعدّد المرشحين المنافسين لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
السعوديون أشاروا لبعض النواب السنة بحجب أصواتهم عن أزعور
بالشكل، مُلزم جنبلاط بترشيح أزعور، لكن بالمضمون هناك من يتحدث عن قطبة مخفية بينه وبين بري تمظهرت في جلسة الإنتخاب بخرق نواب في تكتل اللقاء الديمقراطي للإجماع المتفق عليه، لكنّ آخرون قالوا أنّ أصوات الإشتراكي صبّت كما هي لصالح أزعور. وفي الحالين فإنّ موقف جنبلاط جاء في قراءة مصادر سياسية بمثابة موقف رفع عتب، والسبب أنّ الزعيم الدرزي ليس بوارد الخصومة الدائمة مع برّي وهو المسلّم بحقيقة إستحالة انتاج رئيس للجمهورية في لبنان من دون موافقة مكون بحجم المكون الشيعي، ولذا فقد سُرِّب من اجوائه أنّه ملتزم بإنتخاب أزعور لمرّة واحدة فقط، لكن من دون أن يعني ذلك تصويب البوصلة بإتجاه انتخاب فرنجية الذي بات بالنسبة للنائب جنبلاط من سابع المستحيلات ولو عارضه العالم كله.
جنبلاط أراد من جلسة انتخاب الرئيس أن يظهر للثنائي أنّه لا يزال بيضة القبّان
الكلّ يبحث عن مخرج لأزمته بما في ذلك جنبلاط، والكلّ يُريد سبباً للنزول عن الشجرة. ومن القراءات للجلسة أنّ السعوديين مثلاً أشاروا لبعض النواب السنة بحجب أصواتهم عن أزعور لتجنّب ملامسة أصواته الستّين صوتاً أو ما يزيد عليها، لكونهم أرادوا مساعدة برّي للنزول عن الشجرة، وبعض المعلومات تتوقع نزوله فعلاً بعد فترة، والإعداد لصيغة تعامل جديدة مع الإستحقاق الإنتخابي وترشيح فرنجية، وقد يكون الإشتراكي قرأ في هذا المعطى والتزم بأزعور كمرّة أولى وأخيرة بدليل تأكيدهم أن لا رئيس في لبنان إلّا بالحوار.
مصادر سياسية مراقبة قالت إنّه من المبكر تحديد وجهة الإشتراكي على مسافة أيام من نقل الوراثة من الأب إلى الإبن، خاصّة وأنّ السباق الرئاسي باقٍ على حاله حتى اليوم، ورفض حزب الله تجديد الحديث بموضوع الإقلاع عن ترشيح فرنجية لأنّ أيّ اسم سيُطرح في هذه المرحلة سيكون عُرضةً للحرق، لكن هذا يعني أنّ جنبلاط نفسه أراد من جلسة انتخاب الرئيس أن يظهر للثنائي ولحزب الله على وجه التحديد أنّه لا يزال بيضة القبّان في الإستحقاقات الكبرى، وأنّ لا رئيس من دونه، وكان ذلك بمثابة رسالة بعث بها للحزب، لكنّه لم يلاقه إلى قراءته هذه، بدليل عدم وجود رغبة بتوطيد العلاقة المباشرة معه، وحصر التنسيق معه بالرئيس بري، الذي ومهما زاد سوء التفاهم معه فلن يبلغ درجة الخصومة، بدليل توقّع مصادر موثوقة حصول لقاء قريب يجمع جنبلاط بصديق عمره.
وأبعد من الإعتبارات المحلية وموجباتها تتقاطع الآراء مع القائلين أنّه من المبكر لأوانه الحكم على موقف نهائي لجنبلاط، ولكن لاعتبارات خارجية تتصل بالحراك الذي يشهده الخارج انطلاقاً من لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، إلى زيارة وزير الخارجية السعودية إلى طهران ولقاء نظيره الإيراني وافتتاح سفارة بلاده، إلى المحطة الثالثة المرتقبة وزيارة الموفد الفرنسي الوزير جان ايف لودريان الذي تسلّم حديثاً ملف لبنان والذي سيحمل في جعبته حصيلة لقاء السفير السعودي في لبنان وليد البخاري مع المسؤول الفرنسي باتريك دوريل. وحسب المتوقع فإنّ الموفد الضيف سيُقيم لأيام في لبنان في محاولة لجمع الفرقاء، وإعداد تقرير بوجهات نظرهم ينقله إلى الإليزيه.
ليس جديداً على جنبلاط الأب المراهنة على تطورات الخارج وربطها بالداخل، وهو الذي يحرص على عدم التصادم مع حزب الله واغضاب الثنائي، والباحث عن حوار داخلي سيكون أوّل المُلبّين لدعوته لتمرير وراثة سياسية هادئة للإبن العائم في بحر من هموم الطائفة والوطن.