من تصريحات قادته وتبريراتهم لدعم ترشيح سليمان فرنجية، يظهر الثنائي الشّيعي أنّه في ورطة، بعدما توافقت قوى المعارضة والتيار الوطني الحرّ على ترشيح جهاد أزعور. لم يحسب الثنائي الشيعي حين تبرّع بإعلان ترشيح حليفه فرنجية لرئاسة الجمهورية أنّ الأمور ستنقلب ضدّه رأساً على عقب، وأنّ الحليف الذي اجتمع معه على تفاهم مار مخايل أحرجه إلى حدّ إخراجه خاسراً من لعبة الرئاسة.

بعد إحدى عشرة جلسة انتخاب رئاسية مُنيت بالفشل، أقسم رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ أبواب المجلس لن تُفتح مجدّداً طالما لا وجود لمرشّح مقابل مرشح الثنائي.

كان الثنائي الشيعي يقول في مجالسه أنّ نقطة قوة فرنجية الأساسية تكمن في خلاف قوى المعارضة، وعدم توافقها على مرشّح رئاسي وأنّ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل رفض فرنجية لكنّه لم يسمِّ بديلاً هنا ليتم النقاش بشأنه. منذ بدأ باسيل الانفتاح على النوّاب التغيريين وفتحت قنوات التواصل بينه وبين القوات اللبنانية، كان الثنائي يعتبر أنّ باسيل يناور أو بالعربي الدارج "يغلّي سعره". وحتى الأمس القريب كان يستبعد اتفاقه والمعارضة على مرشّح، فكان أن حصل الاتفاق أو هو شارف على نهايته، بحيث تمّ الاتفاق على ترشيح جهاد أزعور، الذي يرفضه حزب الله ويرى فيه امتداداً لعهد رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة والفساد المالي والاقتصادي.

وبإعلان المعارضة بالتقاطع مع التيار الوطني الحر عن تبنّي ترشيح أزعور، تنتفي الأسباب التي من أجلها امتنع بري عن تحديد جلسات انتخاب جديدة لرئيس الجمهورية، وبات ملزماً الدعوة إلى جلسة عمّا قريب طالما هناك مرشّحين للرئاسة، أحدهما رشّحه المكوّن الشيعي غير مرضى عنه مسيحياً والثاني رشّحته المعارضة والتيار، أي المسيحيون وغير مرضى عنه من الثنائي، وبينهما يقف المكوّن الدرزي مراقباً، لا هو قادر على رفض ترشيح أزعور المرضى عنه سعودياً وأميركياً، ولا يرضى أن يدخل في المعركة بين الشيعة والمسيحيين.

وقعت الواقعة وبات أمام النواب مرشحين اثنين للاختيار بينهما

وقعت الواقعة وبات أمام النواب مرشحين اثنين للاختيار بينهما، إمّا جهاد أزعور مرشّح المسيحيين وبكركي والمملكة والأميركيين... وربما الفرنسيين، أو مرشّح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية.

مصادر نيابيّة تقول أنّ رئيس المجلس نبيه بري ليس بإمكانه التغاضي عن الدعوة إلى جلسة انتخاب، وإن لم يكن اليوم فبعد أيام قليلة. كلّ ما يسعى اليه الثنائي حالياً تطويق أيّ مفاعيل سلبية للجلسة من خلال اتّخاذ سلسلة إجراءات احترازية، ومن بينها تحصين 43 نائباً مضمونين لصالح فرنجية ومنع التسلّل إليهم بتقديم أيّ نوع من الإغراءات من أيّ نوع كانت، والحؤول دون اكتمال النصاب لصالح أزعور طالما أنّ حظوظ فرنجية لم تكتمل بعد، أمّا الخطوة الأهمّ والأخطر فستكون متى اكتمل النصاب لصالح أزعور فسيجد الثنائي نفسه مجبراً على الانسحاب من الجلسة ونزع الميثاقية الشيعية عنها.

على أنّ أياً من هذه الخطوات ينذر باستفحال الأزمة الداخلية وربما تدويلها، وليس بعيداً وفق مصادر نيابية موثوقة أن نكون أمام سيناريو من نوع آخر، بحيث يتم القضاء على حظوظ كلا المرشّحين أي فرنجية وأزعور، وينفد مرشّح ثالث من بينهما ليس بعيداً أن يكون قائد الجيش العماد جوزف عون الذي عاد إلى واجهة المرشحين مؤخراً. زاره السفير السعودي وليد البخاري فور عودته من السعودية، واتّفق معه بري على توقيع مرسوم ترقية ضباط من رتبة عقيد إلى عميد أي دورة العام 1994 وترقيات دورتي 1995 و 1996. خطوة يمكن فهمها في إطار "الزكزكة" لباسيل والرّدّ عليه بالمثل.

الأوضاع في غاية التعقيد. الفريقان يستكملان عدّة المواجهة، وانصرفا كلّ من جهته إلى عملية احتساب للأصوات، وكانا أمام المعضلة ذاتها وهي استحالة تأمين 65 صوتاً ما لم يتوضّح موقف الاشتراكي من جهة، وتموضع النواب السنّة من جهة مقابلة.

كان الثنائي يعوّل على الموقف السعودي لبلورة موقف النوّاب السنّة. كان أغلب ظنّه أنّ الـ "لا فيتو" سعودياً على فرنجية تعطي قوة دفع للنواب السنة باتجاه فرنجية الذي لن يكون الرئيس سعد الحريري بعيداً عن تأييده، فإذا بالوقائع تخالف الظنون. لم تضع المملكة فيتو على فرنجية بالمباشر، لكنّها لم تؤيّد ترشيحه ولم ترسل إشارات إيجابية في اتجاهه رغم زيارته دارة السفير في اليرزة.

كبرت كرة المواجهة. يرفض المسيحيون فرض الثنائي الشيعي مرشّحهم المسيحي عليهم، بالمقابل يرفض الثنائي فرض المسيحيين مرشحهم لرئاسة الجمهورية بعيداً عن التوافق بشأنه. يصرّ الثنائي على فرنجية وتؤكّد مصادره أنّ لا خطّة باء رئاسية، ولن تكون هناك خطة باء، وسيخوض المعركة وإن كان لا يعرف إلى أين ستجرّ البلد.

حتّى الساعة تقول المصادر القريبة أنّ رئيس المجلس يدرس وحزب الله في الخطوات المقبلة، وأيّ خطوة لن تُعلن بانتظار إعلان المعارضة والتيار عن مرشحهما الرئاسي، ليتأكّد تموضع باسيل الجديد وحينها يمكن الحديث عن نقطة اللاعودة في العلاقة بين حزب الله والتيار. مسألة أخرى ينتظرها برّي قبل الدعوة إلى الجلسة، وهي الخطوات التي يفترض أن يقوم بها البطريرك الراعي بعد عودته من باريس، وهو القائل أنّه يعتزم فتح حوار بشأن الرئاسة مع الجميع حتّى مع حزب الله.

إذاً البلد بانتظار حدثين مهمّين، تحديد موعد لجلسة انتخاب جديدة لرئيس الجمهورية يفترض أن تختلف عن سابقاتها، وما ستكون عليه هذه الجلسة وما ستحمله من عنصر مفاجآت. على أنّ تحديد الموعد قد لا يعني حكماً انعقادها. المهمّ أنّ الجهتين في ورطة من حيث الأعداد وانعدام الثقة بات واضحاً، حتى في عداد الفريق الواحد أي المعارضة والتيار والقوّات.