الصفا نيوز
لطالما تداخلت السياسة بالفن على مرّ العصور، ورغم إخفاقات هذا التداخل في كثير من الأحيان، إلّا أنّ آثار النجاح في أيّ عمل تبقى بارزة، وربّما تشكّل خطوة في مسار التغيير. وفي حين تتفاوت نسبة التداخل بين حقبة تاريخية وأخرى، تبقى الأعمال الفنية هاجس الأنظمة الديكتاتورية والقمعية، لا بل ربما تصنّف أحياناً تهديداً أولاً حتى لو تمركزت خارج الحدود.
وعلى الصعيد اللبناني، غالباً ما يصعب التفريق بين السياسة والفن في أي عمل تمثيلي يحمل في طيّاته مكونات طائفية – عنصرية – مناطقية - جندرية وحتى عشائرية، نظراً لفرادة تركيبة مجتمعنا.
ومع انطلاق مسلسل "النّار بالنار" خلال الموسم الرمضاني الحالي، وهو أحد الأعمال الفنية المشتركة (لبناني - سوري)، سرعان ما تحوّل العمل إلى مادة نقديّة دسمة، خصوصاً بعد الصدمة التي قدّمها للمتابعين من خلال الأحاديث العنصرية في أولى حلقاته ما شدَّ الأنظار وأثار الاهتمام.
قصة المسلسل وضعت مِلْحاً على جرح قديم - جديد لطالما عضّ عليه اللبنانيون كما السوريون لسنوات طويلة، حيث كان من الصعب على طرف تناول الموضوع دون الآخر.
أحد ابطال العمل، الفنان اللبناني جورج خبّاز (يجسّد شخصية عزيز في المسلسل)، والذي يلعب دور شاب لبناني فقد اباه في الحرب الأهلية اللبنانية، واعتقد أنّه مُعتقل في السجون السورية، ما حوّله إلى كتلة عنصرية تجاه السوريين، لتتبدّل شخصيته في سياق أحداث المسلسل ويصل به المطاف إلى الوقوع بغرام مريم (الفنانة السورية كاريس بشار) الفتاة السورية التي سكنت الحيّ، وكان رافضاً حتّى رؤيتها في الشارع.
على أثر الأداء المتميز لخباز والذي أشاد به عدد كبير من النّقاد وأهل الصحافة والفنّ، صدر عن الدّائرة الثقافيّة في جهاز الإعلام والتواصل في القوّات اللبنانيّة، البيان الآتي: "قدّم الممثّل اللبنانيّ المميّز جورج خبّاز مشهداً مؤثراً في مسلسل "النار بالنار" عندما عثر على جثّة والده المفقود في الحرب على يد قوّات الإحتلال السوريّ".
حتماً، تنوّه الدائرة الثقافية بأداء خبّاز الّذي اعتاد على تقديم أعمالٍ فنّية مسرحيّة وسينمائيّة وتلفزيونيّة هادفة ومميّزة، ويأتي دورُه في مسلسل "النار بالنار" ليُضيءَ على مشاكل العائلات الّتي فقدت أحبّاءها خلال الحرب، ولا تزالُ تُناضل من أجل معرفة مصيرهم من دون نجاح.
لا شكَّ في أننا نُشجّع مثل هذه الأعمال الفنّيَّة الإنسانيَّة الهادفة، ونتألّمُ بسبب "تغييب" المُعتقلين اللبنانيّين الموجودين أينما وجدوا، وأهالي هؤلاء، حكماً يستحقّون معرفة مصيرَ أحبّائهم.
بيان القوات هذا أثار موجة من ردود الفعل، حيث تحوّل إلى مادة تندّر وتَهكّم على مقلب، وتضامن وتأييد على مقلب آخر، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي وتأتي هذه المواقف بعد تطورات المسلسل، حيث استلم عزيز نتيجة فحص الـ "DNA" التي تفيد بأن الجثّة التي عثر عليها ليست جثّة والده، فيما يرجّح مراقبون ان ينكشف مصير والد عزيز والا يكون للسوريين اي صلة باختفائه. فيما يقول آخرون أن مسار الأمور في المسلسل ليس بالضرورة أن يمثل حقيقة ما جرى على أرض الواقع او أن يختزل الأحداث والمعاناة التي عاشها اللبنانيون، لاسيما أهالي المفقودين والمخفيين قسراً في لبنان، وهي قضية تثار في الإعلام بين الحين والآخر، إلّا أنّها قضية مستمرة بالنسبة للعائلات والأبناء ممن فقدوا أحبّتهم خلال هذه الحرب الوحشية ولم يكن بإمكانهم إيجاد ضريح أو مدفن لهم بعد كل هذه السنوات.
وقد تحوّل كل مشهد يُقرّب عزيز من مريم إلى مادة تربط ببيان القوات وتنشر على مواقع التواصل من قبل الناشطين بأسلوب تهكمّي ساخر.