جمال واكيم
تتجه العلاقات بين سوريا والدول العربية إلى الانفراج، بما يمهّد لإعادة هذه العلاقات مع معظم الدّول العربية التي سبق وقطعتها بنتيجة اندلاع الحرب على دمشق. وهذا يمهّد لعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، بعد عقد ونيّف على تجميد هذه العضوية، ما يشير إلى أنّ دمشق قد قطعت شوطاً بعيداً في تجاوز أزمتها. وما جولة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على العواصم العربية الرئيسية بدءاً بالقاهرة في 2 نيسان، حيث التقى وزير الخارجية سامح شكري، ثم زيارته إلى الرياض في منتصف شهر نيسان للقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وانتهاء بزيارته إلى كل من تونس والجزائر، إلّا تتويج لهذا التطور الذي يؤذن بانتهاء الأزمة السورية بعد عقد ونيّف على اندلاعها.
العلاقات السورية المصرية
والجدير ذكره أنّ العلاقات السورية المصرية بقيت قائمة طوال فترة الأزمة على الرغم من تخفيضها إلى مستوى العلاقات القنصلية. فبعد اندلاع الربيع العربي في العام 2011 وصعود جماعة الإخوان المسلمين برعاية أميركية، جدّدت سوريا إعلانها أنّ الإخوان المسلمين هم تنظيم محظور يعاقب أعضاؤه بالإعدام. ومع صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر في عامي 2011 و2012 أعلن الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي دعمه للجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة السورية، ودعا الرئيس بشار الأسد إلى التنحي عن الحكم. وقد وصل الأمر بمرسي إلى الإعلان عن قطع العلاقات مع سوريا في حزيران 2013، وإغلاق السفارة السورية في القاهرة والدعوة إلى إقامة منطقة حظر جوي فوق سورية.
وقد يكون لهذا الأمر، إضافة إلى عوامل أخرى مثل تصاعد خطر الجماعات الإسلامية المسلّحة في سيناء، دور في دعم الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في دعم الانتفاضة الشعبية ضد حكم الإخوان المسلمين في أواخر شهر حزيران 2013. فسوريا بصفتها قلب بلاد الشام، تعتبر جزءاً رئيسياً من الأمن القومي المصري وبوابة مصر من جهة الشرق. ولقد كان الجيش المصري ينظر لما يجري فيها بقلق خصوصاً في ظل الطموحات التركية بوضعها تحت نفوذ أنقرة تحت مسمّيات العثمانية الجديدة. وهذا كان يؤرق الجيش المصري الذي لا تزال معركة مرج دابق (1516) ضد السلطان سليم ماثلة في ذهنه، وهي التي أوقعت بلاد الشام تحت الحكم العثماني كمقدّمة للسيطرة على مصر لمدة ثلاثة قرون.
وبعد الإطاحة بحكم الاخوان المسلمين، فإن الحكم الجديد في مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي سرعان ما أعاد العلاقات مع سوريا لكن على المستوى القنصلي، علماً أنّ القنصل السوري كان يقوم مقام وزير مفوّض وليس سفيراً، ما يعكس قوة العلاقات التي كانت تربط القاهرة بدمشق بعد صيف العام 2013. وقد ترافق هذا مع حديث عن تنسيق أمني وعسكري بين الجيشين السوري والمصري، بل وتحدثت بعض وسائل الإعلام العربية عن أنّ الطيارين المصريين وصلوا في منتصف تشرين أول 2016 إلى دمشق للمشاركة بالقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وضد جبهة النصرة الإرهابيتين. وقد ترافق ذلك مع إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه يدعم الجيش العربي السوري في حربه ضدّ الإرهاب، وأنّ أولوية بلاده هي في دعم الجيوش الوطنية ومن ضمنها الجيش السوري، مؤكّداً أنّ الحلّ للأزمة السورية يجب أن يكون سياسياً، مع ضرورة القضاء على الجماعات الإرهابية المسلحة.
وأخيراً، وبعد الزلزال الذي ضرب سوريا، تم الإعلان عن أنّ الرئيس المصري اتّصل بنظيره السّوري مؤكّداً دعمه له، واستعداد مصر لتقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري. وبعد الانفراج في العلاقات الإيرانية السعودية استغلّت القاهرة هذه الفرصة لرعاية عملية مصالحة بين دمشق والعواصم العربية الرئيسية وعلى رأسها الرياض. ففي 2 نيسان زار وزير الخارجية السّوري فيصل المقداد القاهرة، في أوّل زيارة من نوعها إلى مصر منذ اندلاع الحرب على سوريا، وذلك لإعادة العلاقات السورية المصرية إلى سابق عهدها، واستعادة العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى سفير.
استعادة العلاقات السورية السعودية
شكّلت زيارة وزير الخارجية السوري إلى القاهرة مقدّمة لزيارته بعد نحو عشرة أيام إلى الرّياض، ولقائه وزير الخارجية السّعودي الأمير فيصل بن فرحان، تمهيداً لإعادة العلاقات بين سوريا والمملكة العربية السعودية بعد اثني عشر عاماً على قطعها. وقد صدر بيان بعد اللقاء أعلن عن بدء الإجراءات لاستئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين. كذلك أعلن البيان أنّ الوزيرين ناقشا الجهود المبذولة للتوصّل إلى حل سياسيّ للأزمة في سوريا، بما يحفظ وحدة أراضيها وأمنها واستقرارها وهويتها العربية.
وقد أكّد الطرفان أهمية حلّ الصعوبات الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية. إضافة إلى ذلك أكد الطرفان أهمية تعزيز الأمن، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، ودعم مؤسسات الدولة السورية، لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة، والتدخلات الخارجية فيها.
وقد بحث المقداد وبن فرحان في الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية، بما يحقق المصالحة الوطنية ويساهم في عودة سوريا الى محيطها العربي، واستئناف دورها في الوطن العربي، علما أنّ المقداد أعرب عن "تقدير سوريا لجهود السعودية لإنهاء الأزمة السورية، وتقديمها المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين من جراء الزلازل التي ضربت سوريا." وقد تحدثت وسائل الإعلام عن أنّ المملكة ستوجه دعوة للرئيس السّوري بشار الأسد لحضور القمة العربية المقبلة في الرياض، ما من شأنه أن يعلن رسمياً عن عودة سوريا إلى علاقاتها الطبيعية مع العالم العربي.
خلاصة
وقد تلا ذلك زيارة وزير الخارجية السوري إلى تونس تمهيداً لإعادة العلاقات على مستوى سفير بين البلدين، بعد قطعها في زمن حكم الإخوان المسلمين في تونس. وختم الوزير المقداد جولته بزيارة الجزائر التي أبقت على علاقاتها بسوريا طوال فترة الحرب فيها ولم تقطعها، بل ارتضت بنقل مكان عقد مؤتمر القمة العربية إلى الرياض حتى تكون المملكة العربية السعودية هي التي ترعى عودة دمشق إلى الحضن العربي. وفي ظلّ العلاقات الطّيّبة التي تجمع دمشق ببغداد، فإنّ دمشق تكون قد استعادت علاقاتها بالعواصم العربية الرئيسية، وهي الرياض والقاهرة والجزائر وبغداد، ليكتمل عقد العواصم التي كان الأمن القومي العربي يستند إليها إضافة الى دمشق. وهذا يمهّد لإعطاء المنطقة العربية نوع من حصانة ذاتية، في مواجهة التجاذبات الدّوليّة التي حوّلت هذه المنطقة إلى ساحة صراع خلال العقدين الماضيين.