الصفا

أزمات بالجملة تتوالى منذ بدء "الكارثة الإقتصادية" قبل 3 سنوات، حيث انطلق مسلسل الإنهيار وبات سريعاً لدرجة تعجز السلطات حتى عن مناقشة تداعياته هذه الأيام. فما إن تبدأ معالجة أزمة ما، إلا وتكون الثانية قد أطلّت برأسها على مقلب آخر، وهكذا عَوْدٌ على بِدء.

وتعتبر أزمة النزوح السوري من كبريات الأزمات بالنسبة للبنان من نواحي عدة، منها ما يتصل بالواقع المالي والإقتصادي والمعيشي، ومنها ما يتصل بالهوية والتغيير الديموغرافي. وتحت هذا العنوان جاء كلام المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي اعتبر أن إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم "واجب وطنيّ علينا أن نؤدّيه".

وقال اللواء إبراهيم: "يوجد مليونان و80 ألف سوري على الأراضي اللبنانية..."، لافتاً إلى أن "مليونا و330 ألف نازح منهم لا يرغبون بالعودة إلى بلادهم". هذه الأرقام يُرجّح آخرون أنها أقل من العدد الحقيقي للسوريين في لبنان إذا أضفنا إليهم من دخلوا خلسة عبر الحدود البرية أو أولئك الذين لا يحملون صفة نازح، كما يُضاف إلى هذا الرقم الولادات التي لم يتم تسجيلها بعد. وتفيد بعض التقارير بأن نسبة السوريين في لبنان قد تكون قاربت نصف عدد المواطنين اللبنانيين مع خطورة هذا الأمر ودلالاته.

ويوماً بعد يوم يزداد عبء النّزوح السّوري، إلى أن بات ثقيلاً جداً على الواقع اللبناني، فالشعب الذي فتح ذراعيه لإخوانه السوريين عقب إندلاع الأزمة السورية قبل 13 عاماً، بات كـ"بالع الموس" تجاه أي رد فعل، لأن تهمة الـ"عنصرية" جاهزة دائماً من قبل بعض المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، في حين أن الاستمرار بتحمّل هذا العبء بات صعباً جداً بالنسبة إليه. وفي هذا الإطار، أمس الأول مثلاً، أقدم أحد النازحين على إطلاق النار باتجاه عدد من اللبنانيين، هذا فضلاً عن نشاطهم الكبير في مجالات ترويج المخدرات والسرقة وغيرها، حيث ان أرقام التوقيفات في الجيش اللبناني والقوى الأمنية تظهر ذلك بوضوح

وبصراحة تكاد تكون جارحة بعض الشيء، فإن عين اللبناني التي ينظر من خلالها إلى النازح السوري، باتت "حمرا" والأسباب كثيرة، تبدأ من القدرة الشرائية للعائلة السورية ومقارنتها بالعائلات اللبنانية التي كانت محسوبة على فئة متوسطي الدخل سابقاً، وصولاً إلى ترحيب المستشفيات بالسوري وترك اللبناني يموت على أبوابها!

فالسوري الذي يتقاضي اليوم من الـمفوضية العليا لشؤون اللاجئين "UNHCR"، مليوناً و 600 ألف ليرة عن كل فرد من عائلته، بالإضافة إلى بطاقة تموينية شهرية بـ 8 ملايين ليرة، كل هذا يجعل مدخوله ومن دون أن يضطر إلى العمل أصلاً، يتجاوز راتب موظف دولة من الدرجة الأولى (راتب رئيس الجمهورية لا يتجاوز الـ245 دولار أميركي اليوم).

وفي حين سجّلت ولادة أكثر من 200 ألف نازح سوري في لبنان منذ بدء النزوح حتى هذه اللحظة، تشير المعلومات إلى وجود عدد كبير من الولادات غير المسجّلة ويقدر عددهم بنحو 50 ألف ولادة، وهذه مشكلة بحد ذاتها، وتشكل عقبة كبيرة أمام عودة هؤلاء مستقبلاً إلى بلادهم، كونه إذا لم يتم تسجيلهم في الدوائر المختصة، يعتبرون "مكتومو القيد".

في غضون ذلك، سجلت نسبة الولادات بالنسبة للبنانيين، تراجعاً كبيراً من 93 ألف ولادة في عام 2019 إلى 74 ألفاً في عام 2021"، فيما ارتفعت معدلات الطلاق في لبنان لأكثر من 3 في المئة بينما تراجعت نسبة المتزوجين بمقدار 11.6%، وفق تقرير أعدّته الدولية للمعلومات.

يأتي ذلك كلّه، في ظل تقنين قاسٍ بتوزيع ساعات التغذية بالتيار الكهربائي في كل لبنان مع ارتفاع صرخة العديد من المواطنين من التعديات على الشبكة الكهربائية، مع الإشارة غالباً إلى دور مخيمات النزوح السوري في هذا الإطار، وهو الأمر الذي ينتهي بحرمان المناطق المحيطة بالمخيم من الكهرباء.

كذلك، يشكو العديد من المزارعين اللبنانيين كما أصحاب المحال من مزاحمة النازحين السوريين لهم في مجال العمل اليومي، وفي العديد من المهن والمحال الصغيرة والأفران وقد طالبت نقابات صناعية وعمالية عدة بتنظيم هذا الأمر وضبطه.

ويتوقف البعض عند ارتفاع أعداد الموقوفين والمساجين السوريين الذين تفوق أعدادهم داخل النظارات والسجون أحياناً، أعداد الموقوفين والمحكومين اللبنانيين. وكان المدير العام السابق للأمن العام قد ذكر في كلمة له أن "42 % من مجموع السجناء في لبنان هم من الجنسية السورية".

يُضاف إلى كل ذلك، أزمات كثيرة متشعبة داخل كل أزمة يعاني منها لبنان حالياً.

https://twitter.com/BachirKhodr/status/1636696534468161539

في غضون ذلك، وعند الإتيان على ذكر النازحين، لا يمكن إلا أن نستذكر ما كشفه وزير الداخلية والبلديات السابق محمد فهمي، عقب لقاء عقده مع مسؤولة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين السابقة قولها: "لا نريد أن نعمل على إعادة "اللاجئين" السوريين إلى بلادهم".

على صعيد آخر، وفي ظل الحديث عن عودة العرب إلى الحضن السوري وعودة سوريا إلى الحضن العربي، سؤال يطرح نفسه منذ ما قبل الأزمة اللبنانية، متى يعود النازح إلى حضن وطنه، وبأي طريقة؟