الصفا نيوز
من كان ليُصدّق بأنه قبل 3 سنوات من اليوم تقريباً، خرج الآلاف منّا إلى الشوارع والساحات للإحتجاج والإعتراض على مناقشة الحكومة اللبنانية "فكرة" فرض بعض الضرائب والرسوم، ومن ضمنها ضريبة على تطبيق محادثات الـ"واتساب" والتي كانت مقررة ب 6 دولارات أميركية على نحو 4 مليون ونص خط هاتفي؟
تكثر وتطول الأسئلة حول ماضي لبنان القريب يوم كان الحدّ الأدنى للأجور يساوي 433 دولار أميركي، وكانت قلّة قليلة تتقاضى هذا الراتب إذ كان يُعتبر زهيداً نوعاً ما، في حين أنَّ رواتب موظفي الفئة الأولى في الدولة اليوم تكاد لا تتجاوز الـ 200 دولار أميركي.
هو سؤال واحد يخطر في بال الجميع من دون أن يحرّك الجميع، لماذا لا تعاود الناس النزول إلى الشارع للتعبير عن غضبها ومعارضتها لكل ما هو حاصل؟ أو لماذا ولماذا ولماذا لا؟ أبدأ أنا من نفسي أولاً قبل مطالبة غيري بذلك؟
بالنسبة لي، الجواب بسيط لأنني أعمل في أكثر من مؤسسة وأتقاضى راتباً من الرواتب بالدولار الأميركي الـ"فريش"، هذا لا يعني " من بعد نفسي الطوفان"، ولكن أنتظر الجميع أن يهمّوا بالنزول لمساندتهم!
أما بالنسبة لغالبية اللبنانيين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، فإننا محاطون بكُثُر، تُرسل إليهم بعض الدولارات الـ"فريش" من أقاربهم من الخارج، والتي تساعدهم على تمرير شهر وراء آخر على أمل أن ينصلح الحال، وهؤلاء حالهم مثل حالي ينتظرون الجميع.
في غضون ذلك، باتت رواتب نسبة كبيرة من العاملين في القطاع الخاص، تقسم إلى قسمين اثنين، الأول فرش دولار والثاني ليرة لبنانية، وهؤلاء "ماشي الحال" وأيضاً ينتظرون الجميع.
فئة رابعة من موظفي القطاع العام، والتي تُقسم إلى قسمين إثنين أيضاً، تبرز بينهما هُوّة كبيرة، فالتصنيف هنا ليس وفق حجم الرواتب التي يتقاضاها الموظف إذا ما كان فئة أولى أو ثانية أو حتى ثالثة، إنما بحسب الـ"Income" الخارجي.
القسم الأول، هو الموظف الذي خبّأ القرش الأبيض لليوم الأسود، أو عمل على إنشاء "Business" خاص مستبقاً مرحلة ما بعد الوظيفة، أو من أجل تحسين دخله. وهذا يتقاضى إلى جانب راتبه أرباحاً من الـ"Business" بغض النظر عن نوعه بالدولار.
القسم الثاني وإن كان من موظفي الفئة الأولى، فينتظر الراتب الذي يكاد لا يكفيه قوت يومه، وغالبية ما يستهلك اليوم هو ما اشتراه قبل الأزمة "سيارة، أثاث، ثياب أو ما شابه...".
وهؤلاء باتوا قلَّة قليلة يُعوَّل عليهم في إشعال شرارة الإحتجاجات، ولكنهم أيضاً ينتظرون مساندة الجميع!
إرتفاع سعر صرف الدولار غير مفهوم
من جهته، يرفض الباحث والخبير الإقتصادي محمد شمس الدين، مقارنة الأزمة الإقتصادية اللبنانية بأي أزمة واجهتها أي دولة من قبل، مثل اليونان وفنزويلا وغيرها من الدول، مشدداً على أن حدود الإنهيار الإقتصادي تقف عند عتبة الحل السياسي أولاً ومن ثم إنتهاج خطة إقتصادية واضحة.
ويُفسّر شمس الدين مشهد تهافت الناس على محطات الوقود والسوبر ماركت عند كل ارتفاع للدولار في السوق الموازية، على أنه محاولة لتجنب الارتفاع المستمر، قائلاً: "يتوجهون نحو المحطات لتعبئة البنزين على التسعيرة الصباحية لأنهم يتوقعون ارتفاع السعر مساءً وكل ذلك من من أجل توفير بعض الليرات".
وأضاف: "باتت نسبة الناس الذين "يفوّلون سياراتهم (يملأون خزان الوقود بالكامل) لا تتجاوز الـ10 في المئة، بينما تكتفي الغالبية بتعبئة كمية لا تتجاوز الـ 10 ليترات من البنزين"، كاشفاً أن سبب ارتفاع الدولار إلى هذا الحد غير منطقي وغير مفهوم لأن أواخر السنة الماضية (منذ 3 أشهر تقريباً، كان سعر صرف الدولار لا يتجاوز الـ 45 الف ليرة في السوق الموازية)".
وختم شمس الدين: "منصة صيرفة التي تُحدد سعر الصرف لا نعرف من يديرها! أو ما الذي يمنعه الآن من تخفيضها كما يريد إثر تعميم من المصرف المركزي".
وفي عملية حسابية بسيطة فإن موظفي الفئة الأولى الذين كانوا يتقاضون راتب 9 مليون ليرة، وهو راتب مدير عام في وزارة مثلاً، وبعد الزيادات الأخيرة، بات الراتب 21 مليون تقريباً أي ما يقارب الـ 210 دولارات أميركية فرِش (سعر الصرف 100 الف ليرة في السوق الموازية)، تُصرَف هذه الرواتب وفق منصة صيرفة (75200 ليرة)، أي أن الـ21 مليون ليرة تقسّم على 75200 ليرة لتساوي 280 دولار أميركي.
أما راتب رئيس الجمهورية الذي كان 12 مليون ليرة (8000 دولار أميركي قبل الأزمة)، بات اليوم 24 مليون و500 ألف ليرة، أي ما يقارب 245 دولار، وإذا ما احتسبنا ذلك وفق سعر منصّة صيرفة، فيصبح 325 دولار أميركي!