الصفا
من النادر أن يتكتّل المسيحيون بالشكل الذي يتكتّلون به اليوم في مواجهة ترشيح رئيس تيار المرده سليمان فرنجية. يصحّ القول أنّ المسيحيين أطلقوا عليه حرمة الترشيح للرئاسة، ونجحوا في تقديمه مرشح محور في مقابل محور ثان. ربما هي سقطة الثنائي الشيعي التي ظهّرت ترشيحه بالشكل الذي أساء لفرنجية وأحرجه.
لن يكون من السهل على فرنجية تجاوز مقاطعة القوى المسيحية الأساسية لانتخابه، أي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب مع عدد من النواب المسيحيين المستقلين نسبياً. حتى المرجعية الدينية للمسيحيين وقبلتها السياسية لم تشمل ترشيح فرنجية ببركتها، لم تعارضه بالإسم وهي نوهت به على المستوى الشخصي وأسمعته عبر الوسطاء من المديح أجمله، ولكنّها أجابت المستفسرين بأن فرنجية ليس إلّا مرشحاً من جملة أسماء حملها المطران أنطونيوس أبو نجم وطاف بها على الأحزاب المسيحية الأساسية وعاد خائباً من أمل أن تشكل بكركي ملتقى للنقاش الرئاسي.
لم تتريّث الكتل المسيحية الأساسية في تظهير موقفها. فور إعلان أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ترشيح فرنجية سارعت القوات اللبنانية إلى رفضه لاعتباره مرشح حزب الله، ووضع حزب الكتائب عليه "فيتو" لاعتباره "تابعاً لمحور".
أما موقف التيار الوطني الحر فقد سبق وعبر عنّه رئيسه جبران باسيل الرافض فكرة النقاش باسمه مع حزب الله، ما تسبب بتضعضع تفاهم مار مخايل. إعتبر التيار أن إعلان ترشيح فرنجية من قبل حزب الله يدحض حديثه عن وضع لائحة بأسماء المرشحين للنقاش بشأنها، لكونه قد حسم خياره من دون الوقوف على رأي المكون المسيحي.
حصل كل ذلك قبل الاتفاق السعودي الإيراني في بكين. خرج السيد معلناً عن مرشحه ومتمنياً ألّا يصار إلى المراهنة على الخارج وانتظار تفاهمات بعيدة. لكنّه عاد وخرج في خطاب ثان يفتح باب النقاس حول المرشح الرئاسي، ويدعو إلى الحوار، ما فُسِّر في صفوف المسيحيين بمن فيهم التيار على كونه تراجعاَ أو استدراكاً.
ثمة قناعة عند فريق مسيحي بأن اتفاق بكين السعودي -الإيراني سيدفع الثنائي الشيعي إلى إعادة حساباته رئاسياً لانتفاء الحاجة إلى مرشح تحدي ترفض "المجموعة المسيحية" ترشيحه، ولو اضطر الأمر إلى تحالف بين التيار والقوات. مثل هذا التفاهم لم يعد مستبعداً في مواجهة خيار فرنجية. في تقديرهم أنّ "الثنائي" تسرّع في تسمية فرنجية كمرشح، ولو حصل الاتفاق قبل لما كان رشّحه، لأن إيران لا تريد مرشّح تحدّي بعد أن صارت في وضعية مريحة لها سياسياً.
وإزاء الحرم المسيحي عليه ينتاب فرنجية القلق ما دفعه إلى رفض أن يكون المسيحيون "كمجلس ملّة بحيث تتفق الأحزاب المسيحية الأربعة على رئيس وعندها لا لزوم للانتخابات". رافضاً بذلك محاولة انتخاب مرشح في بكركي يعاد انتخابه في مجلس النواب. ما يقلق فرنجية محاولة رئيس التيار الوطني جبران باسيل المجيء بالكتل المسيحية الأساسية إلى بكركي ليغطّي خياره الرافض لفرنجية ويظهر على أنه صاحب الخيار للرئيس المقبل. رفض اجتماع بكركي سار فيه أيضاً رئيس القوات سمير جعجع الذي إشترط أن تجرى عملية انتخاب مصغّرة، والمرشّح الذي ينال غالبية الأصوات يصبح مرشّح المسيحيين الرئاسي.
يلمس فرنجية وجود إجماع ضده ومحاولة إظهاره على أنه لا يمثل مسيحياً سواء من قبل التيار أو القوات اللبنانية والكتائب، وهو بالقدر الذي أحرجه الثنائي بطريقة إظهار ترشيحه وتبنّيه، بالقدر الذي بات شرساً بالمعنى السياسي في مواجهة خصومه ورافضي ترشيحه تحت حجة رفض المسيحيين. أبلغ موفد البطريرك الخاص "أنا مرشح أحظى بموافقة قرابة 22 نائباً مسيحياً وفي العامين 2014 و2019 تنازلت وأمّنت الغطاء للكل وقلت من ينال الغالبية ينتخب. غطيت إنتخاب ميشال عون ولم أمانع انتخاب جعجع متى نال الأكثرية فلماذا تستبعد حظوظي".
جواب فرنجية ورد في معرض رده على دعوة حملها إليه المطران أنطوان أبو نجم للإجتماع في بكركي، لكنه عاد خالي الوفاض لرفضها من فرنجية وغيره من رؤساء الكتل المسيحية، ما دفع الراعي إلى تعديل الفكرة من خلال إعداد لائحة أسماء لإجراء استفتاء على اسم المرشح وتضم ممن تضمهم: سليمان فرنجية وميشال معوض وجوزف عون ثم إبراهيم كنعان والسفير فريد الياس الخازن وزياد بارود والسفير جورج خوري وروجيه ديب ونعمة إفرام وجهاد أزعور. رفض فرنجية التداول باللائحة وحسم أمره مبلغاً بكركي "لن أتراجع ومصر على ترشيحي وهذا حقي".
الموقف الرافض ذاته أبلغته القوات والكتائب. في تعليقها على مساعي بكركي قالت مصادر مسيحية إن بكركي لم ترفض ترشيح فرنجية بصريح العبارة، وقد شعر خلال زيارته الأخيرة أنّ الرّاعي لمّح موافقاً على ترشيحه، ولكن شخصيات مسيحية أخرى على تواصل يومي مع سيد الصّرح تقول أن بكركي لا تدخل بالأسماء. وثمة معلومات تفيد أن البطريرك الماروني أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه برّي عبر أحد وزرائه استياءه من ترشيح فرنجية بالشكل الذي حصل. وحده النائب السابق إيلي الفرزلي الذي دخل على خط انتخابات الرئاسة من باب عين التينة طالب برئيس "من بين أبناء العائلات لأنهم يفهمون طبيعة الوضع في لبنان وتاريخه".
الجميع تكتل ضد فرنجية ولكن الأخير "لا يهمه ويصر على استمرار ترشيحه" لأن انسحابه إذا تم سيلغي حياته السياسية.
في الآونة الأخيرة زار النائب كميل شمعون عين التينة. تنقل مصادر مسيحية أنه حاول جس نبض الرئاسة الثانية حول ترشحه المبارك من بكركي كما قال. بازار أسماء شبّهته شخصية مسيحية بارزة بـ"سوق الأحد الرئاسي"، أسماء مرشحين قيد التداول في معرض الحرق، ما يؤكّد الاتجاه نحو الخيار الثالث بحيث يتم طرح إسم وسطي يريح كل الأطراف.
جمع ترشيح الثنائي المسيحيين على رفض فرنجية، وإعتبار ترشيحه مماثلا لترشيح الياس الهرواي أي أنه مرشح سوريا والمسلمين. توصيف وإن كان مبالغاً فيه لكنه لا يلغي وضعية التموضع المسيحي الرافض لفرنجية، ولكن استدراكاً يجب التريث إلى حين انقشاع صورة تفاهم بكين وإنعكاساته على لبنان والملف الرئاسي على وجه التحديد. إذ يصعب التصديق ألا تكون خطوة حزب الله مدوزنة على وتر الإتفاق السعودي الإيراني أو بمعزل عنه، والساعات المقبلة كفيلة بتوضيح الصورة بدءاً من عظة الراعي الأحد وما سيليها.