الصفا
بدا موقف التيّار الوطني الحرّ في اجتماع هيئته السياسية أخيراً وكأنه ردّ على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ولو من دون أن يسمّيه. نصرالله خاطب التيّار بالاسم في إطلالته الأخيرة التي أعلن خلالها دعم الحزب لترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وإذ اعتبر التيار أن "الانتخابات الرئاسية هي أولوية مطلقة دستورياً ووطنياً"، حدد مواصفات الرئيس بوجوب "أن يُجسّد مشروعاً إنقاذياً إصلاحياً متكاملاً... وأن يضمن تنفيذه حكومة إصلاحية تتعاون مع مجلس نيابي ملتزم بإقرار القوانين الاصلاحية اللازمة، وعدا عن ذلك يكون الانتخاب استحقاقاً شكلياً، ولو لازماً، من دون أن يشكّل وقفاً للانهيار ولا استنهاضاً للوطن".
التيار وفي بيان إثر الاجتماع برئاسة النائب جبران باسيل، أراد إعادة التذكير بما ورد في ورقة الأولويات الرئاسية التي طرحها كمشروع للإنقاذ، يلتزم به رئيس الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي. من هنا يبدو الأمر وكأنه رد بشكل غير مباشر على ما جاء على لسان نصرالله عندما قال: "ليس في التفاهم (مع التيار) ما يلزم أحدنا بأن يقبل مع الآخر بشخص رئيس الجمهورية، ولا يوجد شيء في التفاهم يقول أننا نتفق على رئيس المجلس، ولا شيء في التفاهم يقول أننا نتفق على رئيس الحكومة، ولذلك برئيس المجلس نحن اختلفنا، نحن صوّتنا لرئيس المجلس وهم لم يصوتوا... لأن تحالفنا، تفاهمنا، لا يلزمهم بأن ينتخبوا رئيس مجلس النواب الذي نريده، ولا يلزمنا أن ننتخب رئيس الجمهورية الذي يريدونه أو نحن نريده، ولا يلزمنا ويلزمهم أن نسمي نفس رئيس الحكومة الذي يريدونه أو نحن نريده".
فهل رد التيّار على دعوة نصرالله للحوار حول الانتخابات الرئاسية يأتي مُضافاً إليه موضوع الحكومة التي ستنفذ البرنامج الإنقاذي والمجلس النيابي الملتزم إقرار القوانين الإصلاحية اللازمة؟ خصوصاً أن الأزمة بين التيار والحزب برزت مع تسمية الحزب لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة، وهو ما لم يَسْتَسِغه التيار حينها، وانتهت ولاية رئيس الجمهورية من دون تشكيلها، وزادت الأزمة حدة مع استمرار حكومة ميقاتي المستقيلة بممارسة عملها بما يخالف حالة تصريف الأعمال رغم مقاطعة عدد من الوزراء لجلساتها.
نصرالله قال إننا "لا نقبل أن يفرض الخارج على لبنان رئيساً، ولا نقبل فيتوات خارجية على اي مرشح أياً كان هذا المرشح، سواء ندعمه أو نرفضه، ونقبل المساعدة لتقريب وجهات النظر". التيار زاد على هذه النقطة، حيث دعا في بيانه إلى "التعامل مع انتخابات الرئاسة كإستحقاق لبناني سيادي، لا يتعاطى فيه الخارج، غرباً أو شرقاً، إلا من خلال مصلحة لبنان ومساعدة اللبنانيين على الاتفاق في ما بينهم، وليس من خلال مَصالحِه وفرضها عليهم. لذلك حان وقت التحاور والتفاهم في ما بيننا كلبنانيين من دون انتظار الخارج، ومن دون القبول بأن يفرض علينا أحد من الخارج أو من الداخل قراره، ونحن في التيار، وفي مُطلق الأحوال، لن نسير إلا بقناعاتنا التي دفعنا، وسوف نبقى ندفع في سبيلها، غالياً".
يعتبر التيار أن "عمق الأزمة يكمن في عملية تهديم ممنهج للدولة زادت حدتها في السنوات الثلاث الأخيرة، ولا يمكن الخروج منها إلا بعملية بناء ممنهج للدولة، على أسس الشراكة الميثاقية المتناصفة". وأشار الى أن "الأزمة في جوهرها أبعد من انتخابات رئيس واختصارها بهذا الشكل هو تسخيف لها، فهي أزمة وجود الدولة القوية، وأزمة ضرب متجدد للشراكة الميثاقية والتوازن الوطني".
حديث التيار عن جوهر الأزمة يقابله كلام نصرالله، "عندما يحصل مشكل أو خلاف مثل الخلاف الأخير الذي هو خلاف بدقة على الترشيحات لرئيس الجمهورية، بدقة، ليس على شيء آخر، أصدقاؤنا بالتيار يستحضرون نقطتين ويتحدثون بهما على أن هذا إشكال على حزب الله، ما هي هاتين النقطتين؟ واحد بناء الدولة، أن الحزب وقع معنا تفاهماً بموضوع بناء الدولة ولم يساعدنا، والثاني موضوع مكافحة الفساد، وكل مدة ومدة يعود ويفتح هذا الملف، مع العلم أن هذا أنا ناقشته داخليًا وبجلسات متعددة مع الوزير جبران باسيل، ونوابنا ناقشوه مع عدد من إخواننا النواب في التيار الوطني الحرّ، طبعًا الآن لن أناقشه، لكن لا أحد يتصور أنه عندما لا نرد أننا نُسلّم بالذي يُقال عن الإتهام الموجه لنا بموضوع بناء الدولة وبموضوع موقفنا بمكافحة الفساد. لا، نحن عندنا كلام طويل عريض وعندنا رؤية وعندنا ملاحظات وعندنا تقييم لأدائنا ولأدائكم، لكن هذا نناقشه في الجلسات الداخلية"
وأضاف نصرالله بهذا الشأن "... أنا لا أوافق على أي تقييم يقول أن حزب الله عمل تحالف، عمل تفاهم وغَدرَ أو خان أو طعن أو لم ينفذ بنود التفاهم، أبدًا، وحاضرين يأتي يوم إذا كنا مضطرين أن نتحدث بالإعلام لنقول، ببناء الدولة ماذا فعلنا وماذا فعلتم وماذا فعلنا سويًا، وبمكافحة الفساد ماذا فعلنا وماذا فعلتم وماذا فعلنا سويًا، لكن ليس صحيحًا أن يبقيا هذين العنوانين محمولين بكل لحظة خلاف على موضوع ليس له علاقة بالتفاهم ويُعاد ويفتح هذا النقاش من جديد".
من جهته يؤكد التيار أن "بناء الدولة يكون بالأفعال من خلال الإجراءات الاصلاحية ومن خلال إقرار القوانين الإصلاحية كتلك التي تقدم بها التيار، وحماية الشراكة الوطنية تكون باحترام إرادة المكونات في دورها التشاركي، وفي تمثيلها الفعلي في المؤسسات الدستورية وفي رئاستها، وأقل من ذلك يكون تهديماً للوطن والكيان، وهو ما سيقاتل التيار لمنعه".
وفي خلاصة ما استعرضناه يبدو التفاهم بين التيار وحزب الله مرتبطاً بما قاله نصرالله "هذا البلد يحتاج إلى التهدئة، يحتاج إلى العقول الهادئة والباردة، يحتاج إلى الحوار، يحتاج إلى التواصل وإلا يجب أن نتعايش مع الفراغ الرئاسي، ليس لدينا حل آخر". هل يفتح ترشيح فرنجية باباً للحوار، توافقاً على فرنجية أو على بديل له، أم علينا أن نتعايش مع الفراغ؟