فيما تنصرف السلطة، رئاسةً وحكومةً، إلى متابعة تنفيذ قرارها التاريخي، مثلما وصفته، في شأن حصرية السلاح في يد الدولة، عساه يبلغ خواتيمه المرجوة، بالتي هي أحسن،
وفيما "يشوّش" الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة، مستهدفاً قياديي "حماس"، على القرار اللبناني، بما يجعل لبنان، وجميع الدول، في حال قلق، من الاستعلاء الإسرائيلي، وحال عدم ثقة بالضمانات والوعود الأميركية،
وفيما، استطراداً، يسرح أفيخاي أدرعي ويمرح في جنوبنا المحتل، ويجول ويصرّح، وينشر صوراً على وسائل التواصل الاجتماعي،
وفيما تبثّ الرئاسة اللبنانية تفاؤلاً بأن قطار الحُكم يسير من دون معوقات، وسط مشاريع وإجراءات وتعيينات والتزامات محلية ودولية وإقليمية بدأت تطبَّق،
في هذا الوقت، تعمل لجنة برلمانية منبثقة من اللجان النيابية المشتركة على دراسة قانون الانتخاب النيابي، للانتخابات التي ستجرى في أيار من العام 2026. البعض يطالب بإرجائها. والبعض الآخر يريدها في موعدها. أما لبنان الرسمي، بلسان وزير الداخلية، أخيراً، فيؤكد إجراءها في الوقت المحدد أيّاً تكن الظروف.
قصة لبنان مع قوانين الانتخاب طويلة، وغريبة عجيبة. اتبع منذ العام 1960 قانوناً، سمي باسم تلك السنة "قانون الستين" الذي قسم لبنان أقضية، وبقي عليه إلى أن أقرَّ النواب الذين بقوا على قيد الحياة، من انتخابات العام 1972، اتفاق الطائف، بإجراء الانتخابات وفق دوائر موسعة، بعد إعادة النظر في تقسيم المحافظات.
ولكي لا نغوص في التفاصيل، كانت كل انتخابات نيابية أجريت منذ العام 1992، حتى العام 2000، تتبع قانون انتخاب مختلفاً، وفق ما يرضي سلطة الوصاية السورية الحاكمة آنذاك. حتى انتخابات العام 2005 التي تمت بعد انسحاب الجيش السوري، فكان شبح غازي كنعان وبصماته على قانونها، حاضرة بقوة.
بتحرُّر لبنان من الجيوش الغريبة، واحتفاله بما سُمِّي "الاستقلال الثاني"، كان لا بد من بناء دولة حق ومؤسسات، تبدأ باعتماد قانون انتخاب يصحِّح التمثيل.
في مقابل إيمان البعض بأن "كلَّما صغرت الدائرة، أصبح التمثيل أفضل"، قام من ينادي بـ"لبنان دائرة انتخابية واحدة"، ليزايد آخرون عليه بزيادة عبارة "خارج القيد الطائفي"... كدعوة مشفوعة باعتماد النسبية. ووسط كثرة المشاريع، طلع اللقاء الأورثوذكسي على اللبنانيين، باقتراح قانون تنتخب بموجبه كل طائفة نوابها، وحظي بتأييد الغالبية، وكاد يمر في المجلس النيابي لولا عراقيل اللحظة الأخيرة... ليس الأوان لسردها.
أما قانون الانتخاب المعتمد منذ العام 2017، والذي أجريت على أساسه انتخابات العامين 2018 و2022، فيخضع في اللجنة الفرعية البرلمانية، لإعادة نظر، خصوصاً في ما يتعلق بتطبيقه من دون استثناءات، كمثل إنشاء الميغاسنتر، أو في شأن تخصيص الانتشار بستة نواب، الأمر الذي صار محط جدل بين الأفرقاء السياسيين، لم يحسم... ولن.
لذا، بعضُ قديم نظامنا اللبناني ليس عاطلاً، لا بل يصلح لغدنا، ويفيد نظامنا البرلماني ويعكس صحة التمثيل، أقترحه في هذه العجالة، في انتظار أن تقوم دولة مدنية حقيقية، لا اعتبار فيها لتمثيل طائفي، بل للكفاءة ليس إلا.
ساد واقع، منذ ما قبل الاستقلال، تمثل بنظام الكتلتين: الكتلة الدستورية برئاسة بشارة الخوري، والكتلة الوطنية برئاسة إميل إدة. وكان لبنان مقسوماً بينهما انتخابيّاً. كل كتلة مؤلَّفة من مختلف المذاهب والمناطق. من يربح يحكم.
لم لا نعتمد هذا النظام؟ فتنشأ لائحتان أو أكثر، على مستوى لبنان كله (أو على مستوى تقسيمات موسعة). ينضوي إلى كل لائحة مرشحون من مختلف الطوائف والمذاهب والمناطق، ويُرقَّم هؤلاء، بحسب كلِّ مذهب من رقم 1 إلى رقم 34، عند الموارنة، ومن 1 إلى 27 عند الشيعة، وكذلك السُّنَّة، وهكذا دواليك في ما يتعلق بباقي المذاهب والمناطق.
تُجرى الانتخابات، فيقترع اللبنانيون لهذه اللائحة أو تلك. أما النتائج فتحسب وفق نسبة الأصوات التي نالتها كلٌّ منهما، إذا نالت إحدى اللائحتين 60 في المئة من مجمل أصوات المقترعين، مثلاً، ينجح 20 أو 21 من المرشحين الموارنة المدرجين عليها، ويذهب العدد الباقي أي 14 أو 13، إلى اللائحة الأخرى، وينجح 16 من المرشحين السنة والشيعة على اللائحة نفسها، ويذهب الباقي إلى الأخرى. وهكذا ينشأ مجلس نيابي صحيح التمثيل، وفق النسبية وحجم كل فريق، عادل في مواده، مساوٍ للجميع في الحقوق والواجبات،
لست خبيراً انتخابيّاً، لكنني اقترحت ما يمكن أن يحلّ أزمة سنشهدها قريباً، إذا لم تتوصل اللجنة الفرعية البرلمانية إلى صيغة موحدة تقرها الهيئة العامة للمجلس النيابي، وإذا بقي كل من الأفرقاء متمسكاً بطروحاته ووجهة نظره، في ما يتعلق بالتعديلات المطلوبة، وإلا ظل القانون الحالي قائماً بكل مواده، بما فيها انتخاب نواب الانتشار الستة.
فهل من يعمل من خبراء الانتخاب على تجسيد الاقتراح قانوناً، من منطلق أن "إلّا قَديمَكْ ما يِفيدَكْ" زمن الكتلتين الدستورية والوطنية؟ أم أننا، كما كل مرة عشية أي انتخابات نيابية، نبقي الأمور معلقة، بين أخذ ورد وآراء متناقضة، فنسلق القانون سلقاً في ربع الساعة الأخير، ونمضي أربع سنوات من عمره، لاحقاً، نعضُّ أصابعنا ندامة.