في الجزءين السابقين عرضنا مسيرة محاولة المركز التربوي للبحوث والإنماء وضع كتاب تاريخ موحّد لكل الصفوف الدراسية على أن يغطي سنة صدوره أو ما قبل صدوره. في هذا الجزء، يروي رئيس المركز آنذاك د. نمر فريحة سبب فشل المحاولة: تدخّلت السياسة فأفسدت كتابة التاريخ.

بداية الإشكال حول كتب التاريخ

عند صدور كتابَي الصفين الثاني والثالث أرسلت نسخاً منهما إلى الوزارة مع رسالة للوزير يتم الطلب من خلالها، وكما هو معمول به منذ إنشاء المركز، أن يبلغ الوزير أو المدير العام بالتسلسل الإداري مسؤولي المدارس اعتماد كتابَي التاريخ الموحَّدَين اللذين صدرا للتو، وسيعقب ذلك تبليغات مشابهة كلما تم إنجاز كتاب لصف ما.

بعد بضعة أيام، وعند الانتهاء من اجتماع روتيني في مكتب الوزير حدثني بشكل إفرادي وبملامة عن عنوان لأحد الدروس في كتاب الصف الثالث: "ذهبوا جميعاً... وبقي لبنان: استقلال وطن". وكيف تكتبون أن الفتح العربي هو من الاحتلالات التي عرفها لبنان؟ ودخلت معه في حوار شرحت فيه أنني لست من يكتب الكتب في المركز، وبغض النظر عن اختصاصي أو قدرتي في هذا المجال. كما أن هناك هيئة إشراف تراجع كل ما يكتبه المؤلفون، وأنا أكيد أن القول أو الإيحاء أن العرب ضمن المستعمرين ليس صحيحاً، ولا يمكن أن يقصد المؤلفون ذلك أو توافق الهيئة الاستشارية على فكرة كهذه. وإذا كان هناك تفسير سلبي لهذه العبارة، فنعالجها جميعاً. وسبق أن عالجت معكم منذ ثلاثة أشهر أحد دروس اللغة العربية الذي أثار احتجاج رجال الدين المسيحيين. تجاهل ما قلته، وتابع: "لقد طلبت منك أن أطلع على الكتاب قبل إرساله إلى المطبعة". فأجبته بأنك إذا كنت طلبت ذلك بشكل شفوي وعابر، فلا أتذكر الأمر، ولو كان الطلب خطياً، لتحملت كل المسؤولية.

وفي ما يلي صورة للدرس الذي اعترض عليه الوزير وجعل منه قضية.

صورة ص 55 الخط الزمني

هذا ولا بد من التوضيح هنا بأنه منذ تاريخ إنشاء المركز التربوي عام 1971 وحتى عام 2001 لم يسبق وطلب أي وزير مراقبة كتاب قيد التأليف، لأن القانون يعطي المركز هذا الحق من خلال عدة لجان تشكَّل لتقوم بكل المتطلبات بما فيها مراجعة النصوص وإبداء الرأي بشأن الكتب... والمركز مؤسسة حكومية وتتحمل مسؤولية عليها بحسب القانون. والوزير ليس اختصاصياً في تأليف الرياضيات والعلوم واللغات والاجتماعيات وأدلة المعلمين... والصلاحية التي أعطاها القانون للمركز تؤهّل هذه المؤسسة أن تختار من يخطط ويؤلف ويدقق من خلال لجنة أو هيئة يشكلها. وهؤلاء الأعضاء الذين يتم اختيارهم يمثلون شرائح المجتمع. فلماذا يريد الوزير لعب دور كل هؤلاء؟ وإذا كان يريد أن تضم أي لجنة أحد المقرّبين منه، كان بإمكانه إعطاء اسمه... بدل أن يتكلم باسمه ويقلب الأدوار التي لا تليق به، بأن يصبح هو صوت أحد الأساتذة المحتجّين من خلف الستارة.

لكن الحقيقة كما توضحت لاحقاً أن أحدهم لم يرد اسمه ضمن لجان التأليف. وآخر يريد أن يكون له رأي في كل أمر تربوي حتى في اختصاص بعيد عن اختصاصه ليقال عنه بأنه ذو تأثير على الحياة التربوية في الوطن. فتقرّبا من الوزير وطلبا إليه أن يطلعهما على ما يتم إنجازه في التاريخ من قبل اللجان ليبديا رأيهما. وانتهى بهما الأمر إلى أن يقنعاه بما يريانه من أخطاء في هذا العمل. وهذا ما يسمى بـ "مجموعة الضغط" التي يكون لأحد أعضائها توجه سياسي أو أيديولوجي معين، أو مصلحة شخصية يتحينون فرصة لتحقيقها، ويريدون أن تحصل أمور لصالحهم. لذلك يقومون بعملية "لوبي" بغض النظر عن الوسيلة التي يعتمدونها بما فيها النميمة وإظهار الحقيقة بأنها خطأ، وغيرها من "التكتيات" غير السوية، والتي لا تليق بأكاديميين في المجال الذي نحن بصدده.

وما يجب ذكره أن الوزير كان قد اجتمع بأعضاء الهيئة الاستشارية في 3 تموز من العام 2001، أي بعد سنة من بدء عمل تأليف كتب التاريخ، وتم التداول في المرحلة التي بلغها التأليف. فأشاد بكفاءتهم خصوصاً وأنه يعرف معظمهم. وعندما قرر بعد شهرين أن الكتاب فيه إشكال، استند إلى رأي كاتبه الدكتور وصفيه الأستاذ. راح يهاجم الهيئة وأعضائها! ولا داعي للدفاع عن كفاءات هؤلاء الأعضاء، لأن سمعتهم الأكاديمية معروفة داخل لبنان وخارجه نظراً لمؤلفاتهم ولدورهم الفاعل في الجامعات التي يدرّسون فيها والمواقع التي يشغلونها.