تبحث القارة العجوز عن نَفَس جديد. الاتحاد الأوروبي، بشكله الحالي المكوّن من 27 دولة، يترنّح على وقع أزمات متتالية. الثنائي الفرنسي-الألماني، الذي لطالما كان المحرّك التاريخي لمشروع الوحدة الأوروبية، يعاني من فتور واضح. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يملّ من الدعوة إلى "سيادة أوروبية"، لكن في برلين، تتبدل الوجوه السياسية، بينما بروكسل تفتقد إلى المبادرة، عاجزة عن استعادة دورها.

فعلى الساحة الدولية، أوروبا مهمّشة. دبلوماسياً، لا صوت لها. في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تحوّلت إلى مجرّد متفرّج. في مجال الدفاع المشترك، التقدّم شبه معدوم. الاتحاد الفيدرالي، كما حلم به المؤسسون، بات مهدّداً بالزوال. فهل نحن أمام نهاية حلم الوحدة لصالح عودة السيادة الوطنية؟ أم أن هذه لحظة تحوّل قد تعيد إطلاق المشروع الفيدرالي الأوروبي بحلّة جديدة؟

بروكسل تبدو اليوم خارج البوصلة. في ظل التغييرات الجيوسياسية العنيفة التي يشهدها العالم، والتي زادت حدّتها في عهد دونالد ترامب، يُعاد خلط أوراق النفوذ العالمي. أوروبا، من جهتها، تعاني من شلل بيروقراطي يعيق قدرتها على التكيّف، في وقت تُفرض فيه التحولات بوتيرة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

الاختلافات داخل الاتحاد باتت صارخة: 27 دولة، كل منها يسلك طريقًا ماليًا مختلفًا. في ملف الهجرة غير الشرعية، بدا فضاء شينغن مفتوحاً ومنهكاً. أما على الصعيدين الضريبي والاجتماعي، فغياب التنسيق يقوّض أسس السوق الأوروبية المشتركة. البنك المركزي الأوروبي لا يملك سوى سلاح واحد: محاربة التضخم. وحتى العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، تواجه خطر التراجع أمام زحف العملات الرقمية، التي يبدو أن ترامب أدرك أهميتها مبكرًا.

أوروبا مريضة، وقد توقفت عجلاتها عن الدوران. فيما العالم من حولها يزداد خطورة، تبدو القارة محاصرة في موقع هامشي، وسط هزّات النظام العالمي المتعدد الأقطاب. الجنوب العالمي، بقيادة مجموعة بريكس، يدفعها نحو شراكات جديدة، لكن هل تختار أوروبا التوجّه شرقًا؟ أم تتمسّك بخيار الأطلسي وتزيد ارتهانها لواشنطن؟ هذا الخيار الأخير قد يؤدي إلى المزيد من تآكل تأثيرها العالمي لصالح البيت الأبيض.

خياران لا ثالث لهما: المأزق أو الطريق الجديد. وعلى أوروبا أن تتحرّك... ولو بقوة اليأس.