وسط ضجيج المدن الحديثة، حيث الوجوه شاحبة والقلوب مشغولة، تأتي مدينة ميلانو الإيطالية لتُفاجئنا بقانون لا يشبه غيره، عليكم إظهار الابتسامة في الأماكن العامة، ليس فقط لأن ذلك هو سلوك حسنٌ، بل واجب يفرضه القانون.

نعم، ما تقرأه صحيح، فبينما تُدرّس القوانين في الجامعات كمبادئ لتنظيم الحياة، يوجد في ميلانو قانون قديم يعكس رؤية أكثر شاعرية للحياة المدنية يفرض على السكان الحفاظ على مظهر بشوش وتجنّب العبوس في الشوارع.

يعود هذا القانون الطريف الى زمن آخر، وتحديداً إلى القرن التاسع عشر، حيث كانت السلطات الإيطالية تحاول رفع معنويات السكان وتعزيز الانضباط الاجتماعي من خلال تشريعات غير مألوفة، ولأن المزاج العام يُعدّ مكوِّناً خفياً من مكونات الاستقرار الاجتماعي، رأت السلطات حينها أن الابتسام في الأماكن العامة يشكّل عنصراً ضرورياً لصحة المجتمع.

لم يكن هذا القانون مجرد قانون، بل نُظر إليه باعتباره انعكاساً إيجابياً للروح الإيطالية التي لطالما مزجت بين الحب والفن والفرح.

طبعاً، كان القانون واقعياً في بعض جوانبه، إذ استثنى حالات الحزن العميق كالجنازات أو زيارة المستشفيات تاركاً للناس هامشاً طبيعياً مريحاً من التعبير عن الألم والحزن.

ورغم أن هذا القانون لم يعد يُطبق فعلياً اليوم، إلا أن رمزيته ما زالت حيّة، فالعلم الحديث يؤكد ما أدركته ميلانو مبكراً بأن الابتسامة ليست مجرّد حركة وجه، بل فعل نفسي واجتماعي يُطلِق موجة من الطاقة الإيجابية

على مشاعر الآخرين بسهولة، ويعطي أثراً إيجابياً للناس.

من هنا، نفهم أن ذلك القانون القديم في ميلانو لم يكن سطحياً أو عبثياً، بل محاولة مبكرة لفهم أن السلوكيات الظاهرة تؤثر في العمق على البنية النفسية

بعيداً عن سحر الموضة والأزياء الراقية.

يحب سكان ميلانو اليوم سرد هذا القانون للسياح والزائرين، فيمزجون الطرافة بالحكمة، ويُظهرون كيف يمكن لقانون بسيط أن يحمل في طيّاته رسالة عميقة عن فن العيش وعن مسؤولية المواطنين الجَماعية في نشر الأمل لا الكآبة.