أحدٌ لم يتوقع أنَّ دائرةً صفراء بعيونٍ نُقطية وابتسامة بسيطة سترسم ملامح واحدة من أكثر الأيقونات شهرةً في التاريخ الحديث. "الوجه الباسم" أو Smiley Face، تلك الصورة التي أصبحت رمزًا عالميًا للفرح والإيجابية، وُلدت من حاجة تسويقية بسيطة، لكنها سرعان ما تخطّت حدود الإعلان لتصبح لغةً بصرية يتحدّث بها العالم.

في عام 1963، كلّفت شركة تأمين أميركية المصمّم "غارف هارفي" بابتكار صورة تبث التفاؤل في نفوس موظفيها. فجاء برمز وجه اصفر مبتسم، رسمه يدويًا في أقل من عشر دقائق، وتلقى مقابل ذلك 45 دولارًا فقط. لم يكن يدري أن رسمته الصغيرة ستُطبع لاحقًا على ملايين القمصان، والأكواب، والملصقات، بل ستدخل قاموس التواصل عبر الإنترنت كأوّل تعبير رمزي عن المشاعر.

أما في السبعينات، اقتنص الأخوان سبين من ولاية ماساتشوستس الفرصة، وسجّلا شعار "Have a Nice Day" تحت الصورة، محدثين طفرة تجارية تجاوزت الـ50 مليون منتج خلال سنوات قليلة. إلا أنَّ الملكية الفكرية للشعار ظلت محل جدل، إذ لم تُسجل بشكل رسمي من قبل المصمم الأصلي، ما سمح للعديد من الشركات باستخدامها بحرّية.

ولكن رحلة الـ "Smiley" لم تتوقف عند البضائع. مع تطوّر التكنولوجيا ودخول العالم الرقمي، تحوّل الوجه الباسم إلى أوّل "إيموجي" قبل أن تُعرف هذه الكلمة حتى. ومع ظهور البريد الإلكتروني والرسائل النصية، بات الرمز ":)" وسيلة مختصرة للتعبير عن المشاعر، قبل أن يتحول لاحقًا إلى وجوه صفراء رقمية تعبّر عن كل انفعال بشري ممكن.

ومع مرور الوقت، لم يعد الوجه الباسم مجرّد رمز للفرح. استُخدم في الفن، والاحتجاج، والثقافة الشعبية، وحتى في الرسائل السياسية الساخرة. ففي التسعينيات، ظهرت حركة "Smiley Face Killers" التي أثارت جدلًا واسعًا حول دلالات استخدام الرمز في قضايا جنائية غامضة.

أما اليوم، وبعد أكثر من ستة عقود على ولادته، ما زال الوجه الباسم حاضرًا في كل مكان: على شاشاتنا، في محادثاتنا، وعلى وجوه أطفالنا. إنه شهادة حيّة على قوّة الرموز البصرية، وكيف يمكن لفكرة بسيطة أن تصنع ثورة هادئة في طرق التعبير الإنساني.