تقدّمت سبع دول بطلب الانضمام إلى الـ"بريكس" لضمان مقاعد لها في المنظّمة في العام 2025. وهذا ثاني توسّع للمجموعة. وجاءت سوريا على رأس هذه الدول، إضافةً إلى الكاميرون وباكستان وسيريلانكا وتايلاند وفنزويلا وزيمبابوي.

سبعة أعضاء جدد

ومن المقرّر أن تُبتّ طلبات العضوية هذه في قمة "البريكس" المقرّر عقدها في تشرين الأول المقبل، والتي ستشارك فيها الدول الخمس المؤسّسة وهي روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، فضلاً عن الدول الأربع التي نالت شرف العضوية في المنظمة، وهي مصر والإمارات العربية المتحدة وإيران وأثيوبيا (كانت البريكس قبلت أيضاً عضوية الأرجنيتن التي سحب رئيسها الجديد خافيير ميللي طلب انضمامها إلى المجموعة، فيما لم تفعّل المملكة العربية السعودية طلب انضمامها بعد).

ومن المتوقّع أن يحضر هذه القمّة، التي ستعقد برئاسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة كازان الروسية، زعماء عدد من الدول النامية. وتشير التقارير إلى أنّ التحالف سيدعو العديد من زعماء العالم من الدول النامية إلى حضور القمة، علماً أنّ عدداً كبيراً من الدول الإفريقية والآسيوية والأميركية اللاتينية يبدي رغبة في الانضمام إلى "البريكس" لما تقدّمه من مزايا تعاون اقتصادي غير مشروط سياسياً، كما هو الحال في موضوع التعاون الاقتصادي مع الدول الغربية.

توجّه الصين للاستغناء عن المزيد من سندات الخزينة الأميركية عبر بيعها في السوق بأسعار أقلّ من قيمتها 

وسيتصدّر جدول أعمال القمة موضوع إطلاق عملة موحّدة للمنظمة لتكون بديلاً من الدولار الأميركي في التعاملات التجارية للدول الأعضاء. وهو ما يثير قلق واشنطن بشكل كبير، لما لهذا الإجراء من آثار سلبية على هيمنة الدولار على التجارة الدولية، بما ينعكس سلباً على الهيمنة الجيوسياسية الأميركية التي يشكل الدولار إحدى أذرعها. كما أنّ من شأن هذا الإجراء أن يدفع كتلة نقدية ضخمة إلى أن ترتدّ من الأسواق العالمية إلى السوق الأميركية، ارتداداً سيفاقم الضغوط على الدولار ويرفع نسب التضخّم بدرجات عالية.

ردّ الفعل الأميركي

هذه المؤشرات دفعت بمحافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي كريستوفر والر إلى التحذير من مغبّة تخلّي الدول الأعضاء في "البريكس" عن الدولار الأميركي، على الرّغم من تأكيده أنّ العملة الأميركية قادرة على مواجهة هذا التحدي. وشدّد والر على أنّ الدولار الأميركي سيبقى "العملة الاحتياطية" الفعلية في العالم، ولا يمكن التخلّي عنه. وأّكد للأميركيين أنّ الدولار الأميركي يكتسب قوّة، ويتفوق على جميع العملات الرائدة على الرّغم من تهديدات مجموعة "البريكس" بإلغاء التعاملات به.

ويواجه الدولار ضغوطاً كبيرة جعلت البنك الفيدرالي يرفع الفائدة عليه لمنع تراجع قيمته، ومواجهة التضخّم في الولايات المتحدة. إلّا أنّ الخبراء الماليين يفيدون بأنّ من شأن إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة أن يفاقم أزمة التضخّم التي انطلقت مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض في العام 2021 مع مخاوف من انهيار مالي في البلاد. ومن المؤشّرات التي تنذر بأزمة كبيرة، أزمة العقارات المكتبية، وتراجع رأس المال الاستثماري، وخطر الديون غير المدرجة، وفقاعة الذكاء الاصطناعي في وول ستريت، والعجز الفادح في الميزان التجاري.

وقد وقعت حوادث كثيرة اعتبرها الخبراء الاقتصاديون مؤشّراً يُنبئ بقرب تفجّر أزمة عميقة في الولايات المتحدة. ففي آذار 2023 أفلست عدّة مصارف محلية نتيجة قيامها باستثمارات طويلة الأجل بأموال المودعين كانت كلفتها عالية جداً نتيجة الارتفاع العام في أسعار الفائدة. هذا ما دفع العملاء إلى سحب ودائعهم واستثمارها عبر إيداعها في البنك الفدرالي للاستفادة من فوائد فاقت 5.25 في المئة سنوياً.

الآثار المتوقّعة

وما يزيد الطين بلّة بالنسبة إلى واشنطن هو توجّه الصين إلى الاستغناء عن مزيد من سندات الخزينة الأميركية عبر بيعها في السوق بأسعار أقلّ من قيمتها السوقية. فخلال الأشهر السبعة الماضية، باعت بكين سندات أميركية بقيمة 74 مليار دولار، منها 53،3 مليار دولار خلال الأشهر الأولى من العام 2024. يأتي هذا في سياق فكّ الارتباط مع الاقتصاد الأميركي، وهو الأمر الذي اتّخذت القيادة الصينية قراراً بشأنه في آخر مؤتمر للحزب الشيوعي الحاكم في البلاد، إذ قرّر التخلّي عن معظم السندات الأميركية التي يمتلكها واستبدل بها احتياطات ضخمة من الذهب. ووفقاً لتقرير نشره بنك الشعب الصيني، وهو المصرف المركزي في البلاد، فإنّ الصين باتت تمتلك 2250 طنًا من الذهب في العام 2024 بقيمة 159 مليار دولار.

ويجاري تخلّص الصين من سندات الخزانة الأميركية وسندات الوكالات أجندة مجموعة "البريكس" للتخلّص من الدولار مستبدلةً به الذهب، كأساس للعملة المزمع إطلاقها من قبل المجموعة التي باتت دولها أكبر مشترية للذهب منذ العام 2022. وهذا ما رفع أسعاره بشكل غير مسبوق خلال هذه الفترة. وعلى سبيل المقارنة، ارتفع سعر أونصة الذهب 31.1 غرام من 1750 دولاراً في أيلول 2023 إلى نحو 2400 دولار في أذار 2024، علماً أنّ التقديرات تفيد بأنّ سعر الذهب سيشهد مزيداً من الارتفاع.

ولا يعود الأمر فقط إلى المواجهة الجيوسياسية القائمة بين القوى الغربية الأطلسية بقيادة الولايات المتحدة والقوى الأوراسية بقيادة روسيا والصين، بل أيضاً إلى عدم وثوق دول "البريكس" وغيرها من الاقتصادات العالمية بالاقتصاد الأميركي، بسبب تزايد حجم الديون الأميركية الذي وصل الى 34 تريليون دولار، مقارنةً بناتج محلي أميركي يوازي نحو 26 إلى 27 تريليوناً. وهذا يزيد من قلق الولايات المتحدة التي يحتاج اقتصادها إلى استثمارات من الخارج، في ظلّ توجّه الدول النامية إلى التوقّف عن الاستثمار في سندات الخزينة الأميركية.