لم يتأخّر الردّ الإيراني على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي أودى بحياة سبعة من قادة الحرس الثوري الإيراني، وسبعة آخرين من الموظفين السوريين. فبعد 10 أيام على العدوان الإسرائيلي على دمشق، جاء الردّ الإيراني ليل السبت-الأحد في الثالث عشر والرابع عشر من نيسان 2024، بإطلاق مئات المسيّرات والصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى إلى الكيان الصهيوني، وخصوصاً قاعدة نفتاليم التي انطلق منها الطيران الإسرائيلي الذي قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وسط تقارير تفيد بأنّ الضربة نجحت في تدمير هذا المطار، بالإضافة إلى تدمير مطار عسكري آخر وعدد من المواقع العسكرية في مختلف أنحاء إسرائيل.

في المفاعيل، أولاً جاء الردّ مباشراً من الأراضي الإيرانية باتجاه الكيان الصهيوني من دون لجوء إيران إلى حلفاء لها في المنطقة من فصائل المقاومة أو ما يسمّيه الغرب أذرع إيران. ثانياً، فإنّ الردّ جاء أكبر بكثير ممّا كان متوقعاً وقد شمل الأراضي المحتلة بأكملها من الجليل شمالاً إلى النقب جنوباً، في رسالة أراد منها الإيرانيون أن يقولوا للإسرائيليين إنّهم قادرون على أن يصلوا إلى أيّ نقطة في الكيان المحتل. ثالثاً، فإنّ إيران كانت قد أصرّت على رفض طلب أميركي جاء عبر قطر يطالب إيران بعدم توجيه ضربة إلى إسرائيل. وقد حذّرت طهران واشنطن من مغبّة المشاركة في ردّ إسرائيلي على إيران، ولفتت الأميركيين إلى أنّ قواعدهم في المنطقة ستكون في مرمى الصواريخ الإيرانية إن شاركت واشنطن إلى جانب إسرائيل في الردّ على إيران.

وقد لوحظ أنّ واشنطن كانت قد أعلنت أنّها ستساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها لكن فُهم من هذا أنّها لن تشارك في القتال مع إسرائيل ضد إيران أو في توجيه ضربة لإيران بالاشتراك مع إسرائيل. كذلك لوحظ أنّ البيت الأبيض سارع إلى توجيه رسالة إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول فيها إنّ على إسرائيل التشاور مع الولايات المتحدة قبل القيام بأيّ رد على إيران، في إشاره إلى أنّ إسرائيل لا تملك الضوء الأخضر الأميركي للقيام بعدوان على إيران، وفي هذا إشاره أيضاً إلى أنّ اسرائيل ليست حرة التصرّف في المنطقة وجرّ هذه المنطقة إلى الحرب.

بناء على ما تقدّم يمكن أن نستنتج أنّ الضربة الإيرانية أسهمت بدرجة كبيرة بتوجيه ضربة معنوية كبيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان يندفع إلى تصعيد في المنطقة محاولاً جرّ واشنطن إلى حرب مباشره مع إيران، وهو ما لم تنجرّ إليه واشنطن. وبهذا يكون نتنياهو قد فشل في تحقيق أحد أهم أهدافه التي كان قد عمل عليها خلال عقد من الزمن.

والجدير ذكره أنّ رد الفعل الإسرائيلي في حال لم يقم بنيامين نتنياهو بالرد، كما يبدو من المؤشرات التي وجهتها واشنطن إلى نتنياهو، فإنّ هذا سيدفع بأحزاب اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو إلى الانسحاب منها، بما يؤدّي إلى فرط عقدها، وتالياً إلى اخراج نتنياهو من السلطة أو دفعه باتجاه انتخابات مبكرة تفيد كلّ مؤشراتها بأنّه سيُهزم فيها، خصوصاً بعد الفشل الذي مُني به في عمليه طوفان الأقصى، وأيضاً في المواجهة مع ايران.

الضربة الإيرانية تعزز أيضاً فرص المقاومة في إفشال الأهداف الإسرائيلية المتمثلة بالقضاء على الفصائل الفلسطينية في غزه واحتلال القطاع

أمّا بالنسبة إلى الأراضي المحتلّة، فإنّ هذه الضربة الإيرانية وجّهت رسالة كبيرة إلى فصائل المقاومة، خلاصتها أنّ هذه الفصائل لا تقاتل عن إيران بل مع إيران في مواجهة عدو مشترك. وبالتالي، فإنّ أول مؤشرات التأثير الضربة على فصائل المقاومة الفلسطينية هو في رفض حماس الانصياع للشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، وهذا شكّل أحد منجزات هذه الضربة التي وجهتها إيران إلى إسرائيل. وبعد هذه الضربة، فإنّ نتنياهو، الذي كان يتحدى الإدارة الأميركية ويتصرّف على أنّه شريك إن لم يكن متقدماً بالمواجهة مع إيران، محاولاً جرّ الإدارة الأميركية إلى المواجهة مع إيران، مضطر إلى الخضوع للإدارة الأميركية والعودة إلى بيت الطاعة الأميركي وتحديداً مع جو بايدن الذي هو على خلاف كبير معه. وهذا سيحرم إسرائيل من حرية الحركة ويخفّض من حدّة حرية إدارتها للأعمال العسكرية في غزه، خصوصاً في ظلّ اندفاعتها أيضاً لتوجيه ضربة إلى رفح.

وهذه الضربة الإيرانية تعزز أيضاً فرص المقاومة في إفشال الأهداف الإسرائيلية المتمثلة بالقضاء على الفصائل الفلسطينية في غزه واحتلال القطاع وإعادة ترتيب أوضاعه بما يخدم أجندتها. وهذا قد يسرّع من احتمال تسوية في الأراضي المحتلة تخرج منها غزة منتصرة لكن جريحة. وكذلك يثبّت حالة ردع بين غزة والكيان الصهيوني شبيهة بحالة الردع التي فرضها حزب الله على الكيان الصهيوني بعد حرب تموز 2006. وبالتالي فبعد حالة الردع هذه ستخف حدّة المواجهة بين القطاع والكيان الصهيوني كما خفّت بين لبنان والكيان الصهيوني عقب عدوان العام 2006. إلّا أنّ هذا الأمر سيؤدّي إلى تعزيز المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية في العقدين المقبلين بما تعتبره إسرائيل تهديداً لأمنها القومي.

أمّا على صعيد التحوّلات الدولية، فإنّ ما حصل ليلة السبت-الأحد يعتبر قمّة التوتر والمواجهة في عملية تصعيد في المنطقة بدأت منذ نحو عقد من الزمن ووصلت إلى قمّتها ليلة السبت-الأحد. وبعد ذلك فإنّ الإدارة الأميركية الحالية ستسعى إلى تهدئة حتّى تتفرّغ لانتخابات الرئاسة التي تتعزز فيها فرص دونالد ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض. والأرجح أن تترك التسويات الكبرى لدونالد ترامب خلال ولايته الثانية، هذا في حال فاز بالرئاسة، أو لبايدن إذا نجح في الفوز برئاسة ثانية.