تتجه منظمة بريكس إلى التوسّع مع انضمام دول جديده إليها في العام 2024. وباتت هذه المنظّمة التي انطلقت في العام 2009 بعضوية كلّ من روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، تضم أيضاً مصر واثيوبيا والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وإيران، مع مطالبة عدد كبير من الدول بالانضمام إلى المجموعة هذه، وهذا ما يوسّع العضوية ويجعلها كتلة كبيرة من الدول المنضوية في إطار علاقات اقتصادية وسياسية ومالية وثقافية خارج المنظومة الغربية التي سيطرت على المقدرات الدولية وعلى القرار الدولي منذ نحو ثلاثة قرون.

والملاحظ في هذا الإطار أنّ عدداً من الدول المتناقضة في مصالحها وفي أهدافها الجيوسياسية انضمّت إلى البريكس. فمثلاً مصر على تناقض تام مع أثيوبيا، إذ إنّ التناقض في المصالح أبعد من الخلاف على تقاسم مياه النيل، خصوصاً بعد إطلاق أثيوبيا مشروعها لإقامة سدّ النهضة على النيل الأزرق على نحو يهدّد حصة كلّ من السودان ومصر في مياه النيل. فالمعروف تاريخياً وجود صراع بين مصر وأثيوبيا على الدور الجيوسياسي المحوري في منطقة شرق إفريقيا، وخصوصاً في منطقة القرن الإفريقي المجاورة للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهي تعتبر جزءاً رئيسياً من الأمن القومي المصري.

كذلك فإنّ كلّاً من المملكة العربية السعودية وإيران تتناقضان في مصالحهما الجيوسياسية ليس في ما يتعلّق بالصراع على النفط وتصديره إلى العالم فحسب، بل أيضاً على الدور الجيوسياسي لكل منهما. فالمملكة تطمح إلى أن يكون لها دور مهيمن في منطقة المشرق العربي، بما فيها سوريا والعراق واليمن ومنطقة الخليج، في حين تتجه إيران بنزوعها التاريخي للوصول إلى شرق المتوسط والبحر الأحمر بغية تعميق علاقاتها ونفوذها في العراق وسوريا واليمن، وهذا ما تعدّه المملكة يمسّ مصالحها الجيوسياسية الحيوية. كذلك ترى أن إيران بعلاقاتها مع فصائل المقاومة العراقية ومع حزب الله اللبناني ومع فصائل المقاومة الفلسطينية، تمدّ يدها إلى ما تعتبره المملكة مناطق نفوذ يجب أن تكون خاضعة للرياض، كما ترى أن التوسّع الإيراني يأتي على حساب نفوذها في هذه المناطق.

ويجب أن لا ننسى التنافس السعودي الإماراتي القائم حالياً على من يلعب الدور الرئيسي ليس في منطقة الخليج العربي فحسب بل أيضاً في منطقة غرب المحيط الهندي حيث تطمح الإمارات العربية المتحدة إلى أن تلعب دوراً أكبر بكثير من الدور الذي كانت تلعبه تاريخياً في هذه المنطقة، مستفيدة من علاقات طيبة تربطها بالولايات المتحدة من جهة، وبالهند من جهة أخرى، وهذا تراه المملكة العربية السعودية مساساً بنفوذها ودورها التاريخي في منطقة الجزيرة العربية.

وهنا يجب أن لا نخفي أيضاً ما يعتبر نوعاً من تنافس على النفوذ في منطقة الخليج، وتحديداً منطقة مضيق هرمز ما بين الإمارات العربية المتحدة وإيران من جهة أخرى. وتطمح الإمارات من خلال علاقاتها مع الولايات المتحدة، وحتّى مع إسرائيل، إلى تعميق حضورها الأمني والجيوسياسي في هذه المنطقة على حساب إيران التي كانت تطمح دائماً إلى أن يكون لها الدور المهيمن في مضيق هرمز.

وبالانتقال إلى الدول المؤسسة للبريكس، نرى أنّه عدا التكامل الكبير بين الصين وروسيا، وهو ما نلمسه أيضاً في عضوية هاتين الدولتين في منظّمة شنغهاي للتعاون، هنالك تنافس كبير بين الهند والصين على الدور المهيمن في منطقة جنوب آسيا. فالهند تتجه أكثر فأكثر نحو تعميق الشرخ مع الصين في ظلّ حزب بهاراتيا جناتا الحاكم منذ العام 2014، وذلك على حساب التعاون مع الصين. ويعود هذا التنافس إلى سببين رئيسيين، الأول مردّه إلى التنافس على هضبة التيبت التي تعتبر ذات أهمّية جيوسياسية للصين من جهة، وتعتبر أيضاً ذات أهمّية روحية للهند من جهة أخرى. لذا ترى الهند في الصين خطراً على نفوذها في منطقة جنوب آسيا خصوصاً في ظلّ التنامي الاقتصادي للصين، التي يتفوّق اقتصادها بشكل كبير على الاقتصاد الهندي، إذ يبلغ ناتجها المحلّي نحو 18 تريليون دولار في حين يبلغ الناتج المحلّي للهند 3 تريليون دولار. ولذلك فإنّ الهند ترى في العلاقة مع الولايات المتحدة نوعاً من رصيد لها يدعم نفوذها في مواجهة الصين، وهذا الذي جعلها توقّع اتفاقية الممرّ الهندي الشرق أوسطي الأوروبي التي أطلقتها الولايات المتحدة من أجل أن تكون معرقلاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية وطريق شمال جنوبي الروسية.

وعليه، فإنّ هنالك من يحاجج بأنّ منظّمة بريكس زاخرة بالتناقضات وغير قابلة للحياة والديمومة. لكن من يرى الهدف الذي أُطلقت من أجله يقول إنّها ستكون هي البديل من نمط من العلاقات الدولية التي رسّختها الدول الغربية خلال القرن الـ18 والقرن الـ19، والتي استمرت في ظلّ الهيمنة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية تحت مظلّة الأمم المتحدة من جهة وتحت مظلّة المنظّمات الدولية التي رسّختها الولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى. فالصين التي كانت المبادرة لتأسيس منظّمة بريكس تنطلق ليس بقصد فرض هيمنتها على العالم بمقدار ما تنطلق من مبادرة لإقامة علاقات دولية خارج الهيمنة الأميركية، تدفع باتجاه تعدّدية قطبية يكون لبكين دور بارز فيها من أجل تنظيم شؤون العالم، حتّى لا ينطلق هذا العالم بفوضاه مرة أخرى مزعزعاً استقرار الصين، وهو ما حصل منذ القرن التاسع عشر عندما شنّت بريطانيا حرب الأفيون على الصين، وكان ذلك بداية للهيمنة الغربية عليها وإطلاق قرن الذل فيها حتّى قيام الجمهورية الشعبية الصينية في العام 1950 في ظل ماو تسي تونغ. هذه الجمهورية أنهت قرن الذل ووضعت الصين على سكّة التنمية واستعادة قوّتها ودورها.

من هنا، تهدف منظمة بريكس إلى إقامة نمط من العلاقات الدولية البديلة من تلك العلاقات الدولية التي قامت في ظلّ الهيمنة الغربية والهيمنة الأميركية، وترمي إلى أن تكون منصة لتعددية قطبية رغم ما فيها من تناقضات مصالح بين أعضائها، حتّى تكون بديلاً من منظمة، أو فلنقل علاقات دولية في ظلّ الهيمنة الغربية.