أمام الولايات المتحدة فرصة لن تمتدّ إلى أبعد من بداية الصيف للوصول إلى أربعة اتفاقات في الشرق الأوسط: اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، معاهدة دفاع أميركية سعودية، اتفاق أميركي سعودي للتعاون النووي للأغراض السلمية، ومستقبل العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية. ولن يكون ممكناً التقدّم في أيّ من هذه الاتفاقات قبل وقف إطلاق النار في غزّة. فالسعودية أو أيّ دولة عربية أخرى، حتّى تلك التي وقّعت على اتفاقات تطبيع مع إسرائيل لن تكون مستعدة للقيام بأيّ خطوة قبل وقف القتال في غزّة. وعلى هذا الأساس تنشط الوساطة القطرية.

وقد أبدى عدد من الدول العربية خشيته من أنّ استمرار القتال في غزة وتردّي أوضاع أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ الذين أصبحوا مهدّدين بالمجاعة سيؤدّي حكماً إلى "انفجار موجة من التطرف" لا يمكن حصر نتائجها على كلّ دول المنطقة.

في كلّ الأحوال لم يتردّد المحور الذي تقوده إيران في القول إنّ الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل سيجرّ الشرق الأوسط إلى التطرّف "ردّا على التطرّف الإسرائيلي وعلى مشروع إسرائيل تهجير الفلسطينيين بدءا من غزّة وصولا إلى الضفة الغربية." أمّا الولايات المتحدة فتصرّ على المضيّ في سياستها في الشرق الأوسط وتلوم إيران على إشعال موجة التطرّف "الذي تجلّى في هجوم حماس على غلاف غزة في السابع من تشرين الأول الماضي."

ويشير الأميركيون إلى اندلاع العنف في الشرق الأوسط، وتحرك الساحات اللبنانية والعراقية واليمنية والسورية لنصرة غزّة، وتركيز الهجمات على المواقع العسكرية الأميركية المنتشرة في العراق وسوريا لمكافحة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية، داعش. ويقول مسؤولون أميركيون في مجال مكافحة الإرهاب إن الهجوم على المواقع العسكرية الأميركية سيتيح لمقاتلي داعش تصعيد عملياتهم العسكرية في سوريا والعراق ورفع مستوى عملياتهم في أفريقيا، وسيحول دون استخدام الولايات المتحدة القدرات المطلوبة لوقفها قبل أن تبدأ.

أما إيران ومحورها فلم يتوقف عن تحميل الولايات المتحدة مسؤولية تنامي التطرف وتحريك داعش في المنطقة. 

وقد خصّص معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ندوة عن تمدّد نشاط داعش في أفريقيا، وهي في "دولة الخلافة" مقسومة إلى "ولايات" مثل "ولاية سيناء" و "ولاية الصومال" و "ولاية موزمبيق" و "ولاية وسط أفريقيا" و "ولاية غرب أفريقيا" و "ولاية الساحل"... وأشار مسؤولون إيرانيون إلى أنّ ما ساعد على توسّع نشاط داعش إلى أفريقيا ضعف الأنظمة وتفكّكها بفعل ثورات الربيع العربي التي شجّعتها الولايات المتحدة، مثلما حصل في تونس وليبيا، وسلسلة الانقلابات في دول أفريقيا نتيجة القمع والفقر والمجاعة والفساد وتأثيرات العوامل المناخية، وهو ما خلق تربة خصبة لتجنيد أبناء تلك البلدان وتحويلها عنصر جذب للمقاتلين الأجانب.

وقد أدّى انهيار الحكومة الليبية وانتشار الميليشيات المناطقية في ليبيا إلى ازدهار تجارة السلاح، وهذا ما استفاد منه داعش ومكّنه من شنّ مزيد من العمليّات العسكرية في الدول الأفريقية.

ومع تنامي نشاط داعش العسكري في أفريقيا رفع عدد من الدول الأفريقية والأوروبية جهوده لمكافحة التطرّف والإرهاب. ومنذ بداية العام الماضي أجرت السلطات المغربية والإسبانية عددا متزايدا من التوقيفات وفكّكت عشرات من خلايا داعش لتجنيد الشبّان والشابّات وإرسالهم للقتال في مالي.

ويشنّ داعش هجمات في منطقة بحيرة تشاد إضافة إلى عمق نيجيريا، وفي موزمبيق التي استعانت بقوات من دول جنوب القارة الأفريقية، وحصوصا من رواندا

ففي كانون الثاني من العام الفائت أجرت أجهزة مكافحة الإرهاب المغربية والإسبانية عمليّة مشتركة في إقليم أشتوكة آيت باها المغربي على الساحل الأطلسي ومدينة ألميريا في جنوب شرق إسبانيا وفكّكت خلايا تجنيد داعشية. وفي آذار فككت السلطات المغربية خلية لداعش في سوق الأربعاء في تطوان. وفي تشرين الأول الماضي فكّكت خلايا داعشية في طنجة وتطوان وإينزيكان. وفي بداية هذا العام فكّكت خلايا في عدّة مدن مغربية، متخصصة بمساعدة المقاتلين الأجانب على العبور إلى مالي.

مالي في نظر داعش جزء من "ولاية الساحل" التي تضم نيجر وبوركينا فاسو. وقد زاد داعش في السنوات الأخيرة عملياته العسكرية في الدول الثلاث وهو يستفيد الآن من تراجع العلاقات حتى الانقطاع بين فرنسا وحكومات هذه الدول الثلاث إلى حد إجبار القوات الفرنسية على المغادرة بعدما كانت عمادَ قوة متعددة الجنسيات لمكافحة الإرهاب في مالي وسائر دول الساحل الأقريقي.

هذه الدول الثلاث عانت انقلابات في السنوات الأخيرة وكانت حجة الانقلابيين أنّ الحكومات القائمة تتلكأ في مكافحة الأنشطة الإرهابية. وبعد تردي علاقات الانقلابيين من دول الغرب، ولا سيّما فرنسا في هذا السياق، استعانت هذه الدول بمرتزقة ميليشيا فاغنر الروسية. وقد حذّرت وزارة الخارجية الأميركية من أنّ هؤلاء المرتزقة، ومنهم "خمسون من بيلاروسيا" وصلوا في الفترة الأخيرة، "موجودون ليس للمساعدة في مكافحة الإرهاب بل لاستنزاف الثروات الطبيعية لتلك البدان، وتمكين روسيا من الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليها" بسبب حربها على أوكرانيا. وفيما يواصل تنظيم الدولة الإسلامية شنّ هجماته ضد المؤسسات والقوات الحكومية وضد المدنيين أيضا اتهمت أصوات غربية الميليشيا الروسية بارتكاب جرائم حرب في ردها على الهجمات الداعشية الذي لم يستثنِ لا مسلّحاً ولا مدنياً.

وتشير الإحصاءات إلى أنّ نحو ثمانية آلاف مدني قتلوا في منطقة الساحل في أول سبعة أشهر من العام الماضي.  

ويشنّ داعش هجمات في منطقة بحيرة تشاد إضافة إلى عمق نيجيريا، وفي موزمبيق التي استعانت بقوات من دول جنوب القارة الأفريقية، وحصوصا من رواندا. وسجّلت هذه القوات نتائج إيجابية في الحرب ضد داعش والتنظيمات الجهادية المحلية التي بايعته.

ومع ذلك، يبقى مهدُ داعش سوريا والعراق المنطقة التي يركّز عليها التنظيم لاستعادة نفوذه فيها. ولا يزال مقاتلو داعش منتشرين في منطقة البادية في سوريا والعراق، ويسيطرون على عدد من القرى على الطريق السريع بين حمص ودير الزور. ويستفيد داعش من الفراغ الذي يتركه غياب انتشار الدولة وأجهزتها في سوريا، وضعف الجيش السوري جرّاء الحرب وانتشار جيوش وقوات وميليشيات أجنبية  وأخرى معارضة في مناطق مختلفة من سوريا وانقسام سوريا إلى مناطق نفوذ متضاربة في كثير من الأحيان.

وقد حاولت القوات النظامية السورية شن حملات مضادة على مقاتلي داعش بمساندة من ميليشيا فاغنر، وسجّلت بعض الانتصارات في الفترة الأولى للحملات لكنها لم تكن تملك القدرة على استمرار الإمساك بالأرض، وخصوصاً أن فاغنر لم ترسل يوما أكثر من اثني عشر مرتزقاً يتصرفون كخبراء مع القوات السورية.