تكشّف من زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الأخيرة للبنان أنّ هناك حلّاً لأزمات المنطقة يتم تحضيره الآن بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية، وقد حذّر المسؤول الإيراني من أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيعمل خلال الأيام العشرة المقبلة بكلّ ما أوتي عسكرياً وديبلوماسياً لعرقلة هذا الحل، لاعتقاده بأنّه سينهي وجوده السياسي.

سواء كان واقعياً ربط الاستحقاقات اللبنانية بالحرب على غزّة وجنوب لبنان أم غير واقعي، فقد بات من الواضح أنّه لا يمكن معالجتها تحت وطأة الحرب، وإنّما في ظلّ تهدئة لن تحصل إلّا إذا أنجز ما يطبخ من تسويات إقليمية سيكون منطلقها وعنوانها وقف الحرب على غزّة.

ولذلك في لحظة ما ومكان ما يمكن أن يصحّ القول أنّ أزمة لبنان باتت مرتبطة بغزّة، مع العلم أنّها مرتبطة أصلاً بأزمات المنطقة نتيجة عدم قدرة الفرقاء السياسيين اللبنانيين على معالجتها بدءاً بانتخاب رئيس جمهورية جديد وتكوين سلطة جديدة. ولذلك كانت العيون وما تزال شاخصة على حركة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين الذي زار إسرائيل أخيراً وغادرها إلى واشنطن قبل أن يعود إليها مجدداً حتّى يمكن توقّع مجيئه إلى لبنان ومع عودته يفترض أن يكون قد ذاب الثلج وبان المرج في مصير الحراك الأميركي السعودي بشقّيه اللبناني والفلسطيني وما بينهما السوري وغيره.

على أنّ سوريا إلى الآن لا تظهر اهتماماً مباشراً بلبنان، لكن هناك عاملين حصلا في الآونة الأخيرة، الأول التعيينات الأمنية الجديدة التي أجرتها القيادة السورية وكان منها تعيين مسؤول جديد للأمن الوطني خلفاً للواء علي المملوك. والثاني هو التطوّر المطرد في العلاقة بين الرئيس بشار الأسد والقيادة السعودية، ما دفع البعض إلى التساؤل: هل حصل هذا التقارب السعودي ـ السوري برضى الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما دلّ إليه طلب واشنطن من الأكراد التواصل مع النظام السوري. واستطراداً سأل البعض: هل يأخذ موقف السعودية من الاستحقاق الرئاسي اللبناني وكذلك من استحقاق رئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة في الاعتبار التطور المطرد للعلاقة بينها وبين دمشق، خصوصاً أنّ المعروف تاريخياً هو أنّ لبنان محكوم بتحسين علاقته مع جارته اللصيقة سوريا؟ ولذلك فإنّ المايسترو السعودي في تعاطيه مع الشأن الرئاسي اللبناني سيأخذ في الاعتبار الإتيان برئيس للحكومة الجديدة يستطيع تحسين العلاقات مع الجانب السوري. ولذلك وكالعادة سيكون للرياض الرأي الأكبر والمتقدم في هذا المضمار، واذا كانت سوريا غير موجودة مباشرة الآن في المشهد فإنّ هذا لن يدوم طويلاً.

عودة الروح إلى الدور السوري في لبنان تحت العباءة السعودية.

على أنّ السؤال الأهمّ الذي لا يطرحه أحد حتّى الآن هو: هل للسعودية مصلحة في أن تكون على علاقة جيدة مع سوريا وتترك ملف النازحين السوريين في لبنان جانباً؟ أم أنّها ستبادر في لحظة ما إلى الطلب من دمشق إعادة هؤلاء النازحين إرضاء للبنان نظراً لما يتعرّض له من ضغط معنوي ومادّي وسكّاني جرّاء هذا الملف الثقيل.

كما أنّ السؤال الذي لا يُطرح هو أنّ هناك أحزاباً لبنانية لا تؤيّد العودة السورية إلى لبنان. وهنا سأل بعض السياسيين المتابعين: هل كان إيفاد النائب ملحم الرياشي "القواتي" ووائل أبو فاعور "الاشتراكي" إلى الرياض أخيراً لإحساس قيادتي حزبيهما بعودة الروح إلى الدور السوري في لبنان تحت العباءة السعودية.

بل إنّ زيارة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لموسكو واجتماعه "الحميم" مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ومستشار الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف أدرجه أحد السياسيين المطّلعين في إطار استشعاره عودة معادلة الـ"سين ـ سين" السورية السعودية متخلّياً عن موقفه المعارض للتدخّل الروسي الشهير في سوريا بدءاً من العام 2015 .

وعلى الصعيد الخماسي، منذ ستة أشهر كانت قطر هي من يدير حراك المجموعة الخماسية العربية الدولية، وراحت تطرح أسماء مرشّحين لرئاسة الجمهورية وكان من بينها اسم المدير العام للأمن العام اللواء إلياس البيسري، ولكن بعد انقضاء هذه الفترة ماتت المبادرة الفرنسية بدليل تعيين القاضي نواف سلام رئيساً لمحكمة العدل الدولية، بعدما كان اسمه مطروحاً لرئاسة الحكومة بموجب هذه المبادرة التي قامت على أساس معادلة: سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة. لكن، يقول البعض إنّ المبادرة الفرنسية "صارت في خبر كان" لأنّ مصير استحقاق رئاسة الجمهورية بات مرتبطاً بالوضع السائد في غزّة وعلى الجبهة الجنوبية، وعليه فإنّ قطر التي كانت مرتبطة بخماسية أصبحت "سداسية الخماسية" بمعنى أنّها أصبحت خارج اللعبة وخارج حلبة اختيار الأسماء لرئاسة الجمهورية. وقد جاء اجتماع سفراء الخماسية الأخير مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ليؤكد عودة الروح والحيوية إلى الدور السعودي من بابها الأوسع، حيث ظهر أنّ السفير السعودي وليد بخاري كان المايسترو خلال هذا الاجتماع . وقد تزامن هذا الأمر مع تصاعد الانفتاح الخليجي على سوريا متمثّلاً بإرسال دولة الإمارات العربية المتحدة سفيرها إلى دمشق غي حين أرسلت الرياض قائماً بالأعمال لسفارتها هناك. وفي هذه الأثناء تسرّبت معلومات عبر "فورين بوليسي" و"مونيتور" الأميركيتين عن توجّه أميركي إلى انسحاب عسكري من سوريا وفتح صفحة جديدة مع النظام، وتزامن كلّ هذا مع كلام عن حصول "برودة" في العلاقات الإيرانية السورية، سواء من خلال الزيارة الما قبل الأخيرة لوزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق و"لقائه البارد" مع المسؤولين السوريين، أو من خلال زيارة رئيس الوزراء السوري لطهران، والتي طولبت سوريا خلالها بتسديد ديونها لإيران وتالياً "توقّف" الأخيرة عن إمداد سوريا بالمال والنفط. لكن هذا الأمر نفته أوساط لصيقة بالجانب الإيراني وأكّدت أنّ ما حصل بين دمشق وطهران في الآونة الأخيرة كان عكس ذلك تماماً، إذ أعفى الجانب الإيراني الجانب السوري من جزء لا بأس به من ديونه لطهران وأنّ هذا الأمر لم يعلن عنه لاعتبارات تخصّ البلدين.

على أنّ عودة الحيوية إلى دور الدبلوماسية السعودية في لبنان بالتوازي مع تصاعد الانفتاح العربي على سوريا أعاد خلط الأوراق السياسية مجدداً في بيروت، وكرّس الرأي السعودي على أنّه الأكثر وزناً وتأثيراً في موضوع الاتفاق على رئيس للجمهورية، وعليه، سيكون الرأي الوازن في اختيار رئيس الوزراء السنّي، وهناك أسماء بدأت تُطرح لهذه الغاية، ولكن من الصعب جداً التكهن بأسبقية أو أرجحية أيّ منها الآن في انتظار تبلور نتائج زيارة زعيم تيار"المستقبل" الرئيس سعد الحريري الحالية لبيروت في ذكرى اغتيال والده الرئيس الراحل رفيق الحريري التي تصادف في 14 شباط الجاري، مع العلم أنّ هناك من يؤكّد أنّ القيادة السعودية ليست في وارد العودة إلى الأحادية في تمثيل الشارع السنّي، وأنّ البديل هو العودة إلى التمثيل التاريخي للطائفة السنية في موقع رئاسة مجلس الوزراء.

وقف النار

وسأل متابعون ومعنيون إذا حصل وقف لإطلاق النار في الجنوب بين حزب الله وإسرائيل هل سينسحب أيضاً وقفاً لإطلاق النار بينهما في سوريا، خصوصاً أنّ إسرائيل استهدفت في الأسابيع الأخيرة مواقع على الأراضي السورية سقط فيها مقاتلون من حزب الله إلى جانب إيرانيين وسوريين؟ كذلك سأل هؤلاء بنحو أوضح: ماذا عن قواعد الاشتباك في سوريا التي لم تعد كما كانت قبل عملية طوفان الأقصى؟ وهل إذا حصل اتفاق في لبنان على وقف النار سيشمل قواعد الاشتباك في سوريا؟

حتّى الآن لا يظهر أنّ هذا الاتفاق المتوقّع سيشمل سوريا، ما يعني أنّ باب التصعيد ما يزال مفتوحاً وقد يكون مستبعداً حصول اتفاق على وقف النار في الجنوب اللبناني، وفي هذا السياق يقول مطّلعون على الموقف الأميركي "إنّ الولايات المتحدة الأميركية تريد هذا الاتفاق، ولكنّ إسرائيل لا تريده". وفي معلومات موثوق بها أنّ واشنطن بعثت في الآونة الأخيرة برسالة إلى حزب الله عبر وسطاء مفادها أنّها "لا يمكنها أن توقف إسرائيل إذا قرّرت شنّ عملية عسكرية في لبنان". ولذلك هناك مخاوف من أن يرفع الإسرائيلي من وتيرة التصعيد ضدّ لبنان في لحظة تراجع هذه الوتيرة أو توقفها في غزة.

ويبقى السؤال الخطير الذي يطرحه المطّلعون على الموقف الأميركي وهو "إذا شنّت إسرائيل حرباً على لبنان وتعرّض خلالها لدمار كبير وأصيب حزب الله بضعف كبير أفقده القيادة والسيطرة على الميدان فمن سيملأ الفراغ الذي سيتركه نتيجة ضعفه؟" ويجيب هؤلاء عن سؤالهم هذا بالقول "إنّ السوري هو من سيملاً هذا الفراغ تحت عنوان "وداوني بالتي كانت هي الداء". ودوما حسب المطّلعين أنفسهم.

غير أنّ ما جاء به وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته الأخيرة للبنان عاكس هذا الأمر تماماً، إذ كشف عبداللهيان للذين التقاهم من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وغيرهم من قيادات لبنانية وفلسطينية أنّ العواصم الإقليمية والدولية تعمل على بلورة حلّ لحرب غزة يتجاوب معه الجانب الأميركي، ولكنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على تعطيله. وحذّر عبداللهيان من أنّ نتنياهو سيعمل خلال الأيام العشرة المقبلة كلّ ما في وسعه من تصعيد عسكري وديبلوماسي لعرقلة إنجاز هذا الحلّ.