شارك لبنان هذا العام في إكسبو قطر، الذي تقرّر عقده في 2021، إلّا أن أزمة كورونا أجّلته إلى 2023، من مطلع تشرين الأول إلى آذار 2024، ليمتدّ 6 أشهر. وتأتي مشاركة لبنان في هذا النشاط في وقت لا تملك السلطات اللبنانية رؤية واضحة للخروج من الازمة الاقتصادية الراهنة، وسط شغور رئاسي وحكومة تصريف أعمال وشلل يضرب المؤسسات الرسمية، في وضع هو بأمسّ الحاجة فيه إلى بارقة أمل تنعش اقتصاده وحركته التجارية ولو قليلاً، ليجد الصناعيون والمزارعون وأصحاب الشركات الناشئة فرصة جديدة لتسويق منتجاتهم وخدماتهم إلى العالم.

خلق أسواق جديدة للمنتجات اللبنانية

في هذا الإطار، قال المدير العام لوزارة الاقتصاد، محمد حيدر، لـ"الصفا نيوز" إنّ "مشاركة لبنان في إكسبو الدوحة تحت عنوان صحراء خضراء... بيئة أفضل، هو عمل مشترك بين وزارتي الاقتصاد والتجارة والزراعة، ونحن نحاول عبر مشاركتنا هذه خلق أسواق جديدة للمنتجات اللبنانية من جهة، وخلق بعض الاجتماعات BTOB بين المستوردين والمصدّرين من جهة ثانية، ونأمل أن يكون لبنان قادراً على فتح أسواق مع باقي الدول من خلال هذه اللقاءات".

ولفت إلى أنّ "إكسبو الدوحة هو إكسبو تخصّصي، على خلاف إكسبو دبي، قهو يتعلّق بكل المواضيع ذات الصلة بالقطاع الزراعي، وبمواضيع الاستدامة والديمومة، والتقنيات الجديدة المتعلّقة بوسائل مكافحة التصحّر المناخي ووسائل الري".

وعن النشاطات قال حيدر "يشارك لبنان في إكسبو الدوحة بمجموعة واسعة من النشاطات خلال الفعاليات، وهناك مشاركة كبيرة للبنان واللبنانيين، فبمجرّد أن نساهم في فتح أسواق جديدة للمنتجات اللبنانية نحصّن المزارع والصناعي في أرضه، وبمجرّد ترويجنا للمنتج اللبناني، نؤكّد أنّه يحترم المواصفات العالمية المطلوبة، ونحن نشدّد على أنّ المطبخ اللبناني لا يزال يتمتع بشهرة واسعة وبطلب عالي".

وكشف حيدر أنّه "في نهاية كانون الثاني الجاري، ستكون هناك مشاركة كبيرة لشركات لبنانية في إكسبو الدوحة، وستقدّم ورشات عمل، كما سيكون للبنان في شباط مشاركة للصناعيين في إكسبو الدوحة لتسويق المنتج اللبناني والمونة اللبنانية".

بانتظار لبنان رزنامة متعدّدة من النشاطات

وقالت مصادر مقرّبة من وزارة الزراعة لـ "الصفا نيوز" إن "لبنان ينتظر رزنامة من نشاطات متعدّدة ستنفّذ بالتعاون مع وزارة الزراعة والأخوة العرب. والمشاركون هم من مختلف الجنسيات إذ سيضمّ المعرض مشاركة أكثر من ثمانين دولة".

وشرحت المصادر عينها أنّه "سيكون هناك أسابيع للمونة اللبنانية، والمطبخ اللبناني، والعسل، والصابون، والحمضيات، على أمل أن يكون الاكسبو باباً لتسويق المنتجات اللبنانية".

وعن المؤتمر الاقتصادي الذي يتم التحضير له على هامش الاكسبو، كشفت المصادر أن “أهميته تكمن في التوصيات حول أهمّية الصناعات الغذائية وكيفية المحافظة عليها وخلق أسواق لها، وتأمين صلة وصل قريبة بين المصدّر اللبناني والمستورد الخارجي".

مبادرات طوعية للجالية اللبنانية

كانت سفيرة لبنان في قطر، فرح نبيه بري قد أعربت عن امتنانها العميق لدولة قطر لإتاحة هذه الفرصة للبنان، من خلال تخصيصها جناحاً من 1700 متر مربّع وتشييد القسم الخارجي منه.

كما قدّمت السفيرة شكرها الخالص لأبناء الجالية اللبنانية على جهودهم الكبيرة في تصميم الديكور في القسمين الداخلي والخارجي للجناح اللبناني وبنائه وتجهيزه.

وأشادت بمبادرة أبناء الجالية اللبنانية الطوعية للمساعدة في تحقيق حضور مميّز للبنان في إكسبو الدوحة، مشيرةً إلى أنّ أحداً "لم يطلب منهم ذلك بل قاموا بهذه الجهود تلقائياً نظراً لشعورهم بالمسؤولية الوطنية ولحرصهم على تعزيز صورة لبنان".

ورأت أنّ "إكسبو الدوحة يمثّل فرصةً مهمة للشركات اللبنانية لطرح منتجاتها وابتكاراتها والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، إذ سيتيح هذا الحدث للدول المشاركة الفرصة لعرض مبادراتها الإبداعية، وممارساتها الزراعية، والتعريف بتنوّع ثقافاتها للعالم بأسره على مدى ستة أشهر".

3 فوائد رئيسية لمشاركة لبنان في إكسبو قطر

بدوره قال الخبير الاقتصادي أنطوان فرح لـ"الصفا نيوز" إنّ "من المهم أن يشارك لبنان بقطاعيه الخاص والعام في كلّ النشاطات والمعارض التي تحمل طابعاً إقليمياً أو دولياً، وهناك العديد من الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها البلد بفضل هذه المشاركة".

وركّز فرح على ثلاث فوائد أساسية قد يجنيها لبنان من هذه المشاركة، هي "الفائدة الأولى تكمن في أنّ لبنان بحاجة إلى تثبيت حضوره الدائم في هذه المحافل الإقليمية والدولية، لكونه بحالة ضعف استثنائية توجب عليه تذكير الدول بوجوده وسعيه إلى تطوير قطاعاته. أمّا الفائدة الثانية فتبرز في أنّ الوفود الرسمية اللبنانية التي تشارك في مؤتمرات من هذا النوع، تُتاح لها فرصة للاطلاع على أحدث الابتكارات العالمية والتطوّرات الحاصلة في مختلف القطاعات، كما تُتاح لها فرصة لإجراء محادثات رسمية مع عدد من الوفود الرسمية الأخرى التابعة لدول عربية أو أجنبية مشاركة، وعقد اتفاقيات شراكة أو توسيع الأفق والتمهيد لاتفاقيات بالمستقبل على المستوى الرسمي".

وعن الفائدة الثالثة لمشاركة لبنان في إكسبو الدوحة رأى فرح أنّ "هذه المناسبات تتيح للمشاركين من القطاع الخاص بإجراء اتصالات مع الوفود من القطاع الخاص من الدّول الأخرى المشاركة، وهي مناسبة لعقد شراكات واتفاقيات ثنائية وجذب الاستثمارات إلى لبنان".

وأَضاف "صحيح أنّ الظروف القاسية الاقتصادية تحول دون جذب الاستثمارات إلّا أنّه يمكننا تمهيد الطريق إلى جذبها في المستقبل عندما تصبح الأرضية جاهزة".

استفادة لبنان من إكسبو قطر ستظهر لاحقاً

وقال الخبير الاقتصادي الدكتور خلدون عبد الصمد لـ"الصفا نيوز" إن "إكسبو قطر ليس معرضاً تجارياً عادياً، بل هو متخصّص بقسم زراعي ذي أهمّية عالية، لذلك سمّي بإكسبو قطر للبستنة، وهو مهمّ جداً بالنسبة لقطر، ويوفّر لها مردوداً يبلغ 30 مليار من حركة اقتصادية عبر مشاركة دول كبيرة، وعدد هائل من الزوار. هذه الخطّة بدأت فيها قطر منذ العام 2008، وتكلّلت بمونديال 2022. واليوم تكمل قطر خططتها لتنمية قطاعاتها من البيئية إلى الاقتصاد إلى التنمية البشرية عبر إكسبو الدوحة.

في ما يتصل بلبنان اعتبر عبد الصمد أنّه "على الرغم من المشكلات التي يعانيها، فإنّ مشاركته ضرورية، وإنْ ليس هناك استفادة اقتصادية مباشرة. من المهم إعادة مشاركة لبنان بعد كلّ الأزمات التي عصفت به، من جائحة كورونا، فانفجار المرفأ، فأزمات اقتصادية وسياسية، وتخبّط أمني. فوجود لبنان يعطي دفعاً للبلد. كما أنّ لبنان معروف بقطاعه الزراعي وانتاجه، وهو بمشاركته يعيد الصورة الإيجابية عن منتجاته الزراعية في ذهن العالم، ويثبت أنّه لا يزال مؤهّلاً للتنمية الزراعية ولديه منتجات تسمح له بمنافسة المنتجات العالمية".

والمردود الاقتصادي من مشاركة لبنان في إكسبو قطر مرهون بحسب عبد الصمد، بمدى فعالية عمل اللبنانيين في المعرض، وبأن يكون لهم عرض مميز يمكّنهم من جذب المستثمرين، وبمدى قدرتهم على الدخول بقوّة في هذا المعرض وإثبات وجودهم واستفادة لبنان لن تكون آنيّة بل ستظهر على المدى الطويل".

في المحصلة، لا شكّ في أنّ مشاركة لبنان في المعارض الدولية لها أهمّية معنوية كبرى، تثبت أنّ هذا البلد لا يزال حاضراً على السّاحة التجارية والزراعية والتكنولوجية العالمية، إلاّ أنّ الآمال بمردود اقتصادي يبقى ضئيلاً، لأنّ التوقعات قد لا تأتي كما تشتهي السفن.