يضع غالبية أهل السياسة والإقتصاد الأزمات كلّها في عهدة الشغور الرئاسي الذي دخل شهره العاشر منذ انتهاء ولاية عون، ويسود الإعتقاد بينهم أنّه بمجرّد تواجد الرئيس على "كرسي الفخامة" في قصر بعبدا، ستسير العجلة الإقتصادية وسيتحقّق الوفر في الميزان التجاري ويعمّ الأمن والأمان، وربما نعود إلى عهد وصف فيه لبنان بسويسرا الشرق، من دون السّؤال كيف ووفق أيّ قاعدة سيعتمدها الرئيس المقبل ليتحقّق كلّ ذلك وأكثر.

تشتد الأزمات ولا تنفرج، تتوالى القطوعات ولا تنفجر لتصدق المقولة التي انتشرت على نحو واسع في أواخر عهد رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، "لبنان لا يراد له أن يسقط، كما لا يراد له أن ينهض"، حينها بدأت أولى المبادرات الفرنسية بقيادة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عقب انفجار 4 آب 2020 كي لا يسقط لبنان، ووقتها أيضاً توالت العثرات التي دفعت بالرئيس المكلف الدكتور مصطفى أديب بالاعتذار عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود الى إعادة إعمار بيروت عقب استقالة حكومة الرئيس حسان دياب. 

يضع غالبية أهل السياسة والإقتصاد الأزمات كلّها في عهدة الشغور الرئاسي الذي دخل شهره العاشر منذ انتهاء ولاية عون، ويسود الإعتقاد بينهم أنّه بمجرّد تواجد الرئيس على "كرسي الفخامة" في قصر بعبدا، ستسير العجلة الإقتصادية وسيتحقّق الوفر في الميزان التجاري ويعمّ الأمن والأمان، وربما نعود إلى عهد وصف فيه لبنان بسويسرا الشرق، من دون السّؤال كيف ووفق أيّ قاعدة سيعتمدها الرئيس المقبل ليتحقّق كلّ ذلك وأكثر. 

جوزيف عون بات أقرب إلى بعبدا من سليمان فرنجية

وبات الإنقسام العامودي الذي شهده مجلس النواب ومن خلفه أطياف الأحزاب الممثّلة فيه بشأن رئاسة الجمهورية معلوماً. إنقسام جمع شمل "الموارنة" وشتت شمل الحلفاء (التيار الوطني الحر - حزب الله)، وربما يكون ذلك أخطر ما واجهه الحزب منذ عام 2005 عقب استشهاد الرئيس رفيق الحريري وبدء العمل على الفتنة الداخلية آنذاك (سنّي - شيعي)، وإذ ما ربطنا ما حصل على كوع الكحّالة الأسبوع الفائت وما تبعه بالشأن الرئاسي أو بأزمة الكيان اللبناني، نستدرك خطورة ما نحن مُقبِلون عليه في حال استمرّ الشغور لأكثر من ذلك. فعلياً يقول البعض أنّ كوع الكحالة  نجح في فرز اللبنانيين "مسلم - مسيحي" كما فعلت قضية تأخير الوقت مع بدء الموسم الصيفي، وهذا ما كانت وما تزال تعمل على تحقيقه الغرف السوداء منذ أن همدت نيران الحرب السورية تحت عناوين رفع الغطاء المسيحي عن حزب الله والمطالبة بالفيدرالية وصولاً إلى العد والإحصاء وما يطرح هنا وهناك من عناوين بديلة عن المناصفة وغيرها التي تعمل على شحن الطرفين. 

واللافت في ما حصل بعد حادثة "كوع الكحالة" أنّه على مدى عقدين من الزمن شهدنا محاولات إشعال فتنة سنّيّة - شيعية متكرّرة، إلّا أنّ حادثة مثل هذه الحادثة أثبتت أنّ ذلك مُنيَ بفشل كبير، إذ أبدت غالبية الأوساط السنية اللبنانية تعاطفاً مع الجيش اللبناني الذي برهن انه قام بعمل مميّز لوأد الفتنة، وهذا كان كافياً بالنسبة للحزب وجرعة يستخلص منها الكثير من العبر وترسم ستاتيكو جديد يقوم على معطيات جديدة وبحسابات مختلفة تليق بالسنوات المقبلة، أكانت عجافاً في حال فشلت مساعي التهدئة بالمنطقة بين كل من: "السعودية - ايران" و"السعودية - سوريا" و"السعودية - اليمن" أو "سِماناً" (انفراجاً)، حيث من المرجح أن تتكفل ايران بالـ"مَوّنة" على الحوثيين والعمل على تقريب وجهات النظر مع المملكة العربية السعودية، وذلك بعدما يجتمع الطرفان على طاولة واحدة. 

من جهة ثانية، تعرب أوساط مراقبة للشأن الرئاسي عن اعتقادها بأن  قائد الجيش العماد جوزيف عون بات أقرب إلى بعبدا من سليمان فرنجية لأسباب كثيرة عددتها المقالات وأسهبت بشرحها التقارير الصحافية والتي تفيد بدعم قطري وأميركي ومصري وغيرها من التكتيكات والتفاصيل السياسية، إلّا أنّ الجديد هو حكمة قيادة الجيش في التعاطي مع حادثة كوع الكحالة. 

يجد رئيس التيار جبران باسيل ضالته في ذلك

ولا تغفل الأوساط نفسها الأجواء التي تُشاع هنا وهناك عن وصول الحوار بين الحزب والتيار الوطني الحر إلى مراحله الأخيرة وبنفس الأُطر التي وضعها الطرفان، فالأول لن يتخلّى عن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، والثاني يجد مخرجاً لتبرير انتخاب فرنجية من خلال المطالبة باللامركزية الادارية والمالية الموسعة بالاضافة الى الصندوق الائتماني، حيث يجد رئيس التيار جبران باسيل ضالته في ذلك، فينجح بإقناع قاعدته الشعبية من خلال المفاضلة بين 6 سنوات من "العَلْقم الرئاسي" وبين قانون اللامركزية الذي سيصب في ميزان ربحه ليس فقط مسيحياً، في حين لم يعد خافياً أنه بين خياري عون وفرنجية، باسيل سيختار حكماً فرنجية، لأنّه لا يشكّل خطراً كبيراً على مستقبل تياره مسيحياً فتمثيله الشعبي والمسيحي معروف ومحدود، بينما قائد الجيش قد ينجح لاحقاً في شدّ العصب المسيحي أكثر وجمع "المتململين" من التيار والقوات، وقد باتو كثراً وبينهم نواباً في الكتل المسيحية الكبرى يطوقون لخطوة كهذه للانشقاق والانضواء تحت كنف عون.