صنّف تقرير البنك الدولي لبنان في المرتبة الأولى عالميًا من ناحية تضخّم أسعار المواد الغذائية مع تضخّم بنسبة 261% (بين كانون الأول 2022 وآذار 2023). وحلّت زيمبابوي في المرتبة الثانية مع 128% والأرجنتين في المرتبة الثالثة مع 107%، وإيران في المرتبة الرابعة مع 73%، وتركيا في المرتبة الخامسة مع 67%، ومصر ورواندا في المرتبة السادسة مع 63%. هذا التضخّم هو التضخّم الاسمي أي الزيادة العامّة في أسعار السلع والخدمات بمرور الوقت، مقاسة بوحدة العملة دون تعديل للتغيّرات في القوة الشرائية.

وبحسب تصنيف التضخّم الحقيقي في أسعار المواد الغذائية، حلّ لبنان أيضًا في المرتبة الأولى مع 71%، وزيمبابوي في المرتبة الثانية مع 40%، ورواندا في المرتبة الثالثة مع 32%، ومصر في المرتبة الرابعة مع 30%، وإيران في المرتبة الخامسة مع 20%، وأوغندا وهنغاريا في المرتبة السادسة مع 18%. ويأخذ التضخم الحقيقي في الاعتبار تأثير التضخّم على القوة الشرائية للنقود حيث يقوم بتعديل معدل التضخم الاسمي من خلال النظر في التغيرات في قيمة المال، أو المستوى العام للأسعار.

التقرير الذي قدم فيه البنك الدولي لمحة عن التغييرات السنوية لمؤشر إستهلاك المواد الغذائية في العالم، كشف أنّ أسعار المواد الغذائية لا تزال مرتفعة في معظم البلدان. وعزا التقرير هذا الواقع في البلدان المرتفعة الدخل والبلدان ذات الدخل المحدود إلى أسباب مُختلفة. وفي لبنان بالتحديد، ذكر البنك الدولي أن تضخّم أسعار المواد الغذائية يُشكّل 40% من الزيادة الشهرية في الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال شهر كانون الثاني 2023. وهذا التضخّم من المرجح أن يؤثّر على انعدام الأمن الغذائي لحوالي 1.46 مليون لبناني و800 ألف نازح في نيسان 2023.


هذه الارقام شكّكت فيها نقابة مستوردي المواد الغذائية، حيث اشارت إلى أنّ التضخم الكبير الحاصل في أسعار الغذاء سببه واحد وأساسي وهو إنهيار العملة الوطنية والارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار. الجدير ذكره أن التسعير بالدولار الأميركي في السوبرماركات بدأ منذ 16 شباط 2023 ويستمر حتى الساعة، وأنّ الإرتفاع في سعر الدولار الذي شهده لبنان في شهر آذار عادة وانخفض إلى مستوياته إبتداءً من 20 أذار!

أيضًا الجدير ذكره أنّ تقرير الفاو للمؤشرات الغذائية يُظهر إنخفاضًا في أسعار المواد الأولية الغذائية منذ 12 شهرًا وأن أسعار النفط إنخفضت أكثر من 12 دولارًا للبرميل الواحد، وهو ما يعني انخفاض تكاليف الشحن والنقل البحري. أما أسعار المواد الغذائية، فلا تزال ترتفع بشكل جنوني حتى أنّها لم تكسر من اندفاعها مع كل المعطيات، أسوأ من ذلك، فإنّ السلع التي ترتفع أسعارها لا تنخفض أبدًا!

على هذا الصعيد، يقول الاقتصادي الهندي "ارماتيا سن" أنّ المجاعات في العالم ليس سببها فقط النقص في المواد الغذائية بل أيضا سوء آليات التوزيع. وهو ما يُوجّه أصابع الإتهام إلى التسعير العشوائي الذي يُمارسه بعض التجار، في ظلّ غياب شبه كامل للأجهزة الرقابية واقتصارها على بعض المناطق من دون التطرّق إلى أساس المُشكلة.

وهنا تظهر مسؤولية الحكومة اللبنانية وأجهزتها الرقابية والقضائية التي تتقاعس عن القيام بواجباتها تجاه القانون والشعب اللبناني. وبالتالي من الضروري أن تعمد الحكومة إلى تفعيل هذه الأجهزة بشكل كبير وفعّال نظرًا إلى أن تقرير البنك الدولي يُشير إلى ارتفاع معدل تضخم أسعار الغذاء بوتيرة شهرية وبنسب تزيد عن 30% في الفترة الممتدة من آذار 2022 ولغاية شباط 2023. أمّا برنامج الاغذية العالمي فقد حذّر من أنّ 46% من الأسر اللبنانية تعاني من انعدام الأمن الغذائي، وأن الزيادة المستمرة في أسعار المواد الغذائية تُهدّد الأمن الغذائي، حيث تشعر معظم الأسر اللبنانية وجميع اللاجئين تقريباً بالقلق إزاء الحصول على ما يكفيهم من المواد الغذائية. ويُضيف برنامج الأغذية العالمي أنّ هذه المعدّلات المرتفعة للتضخّم وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسيّة تزيد من مستويات الفقر العالية وانعدام الأمن الغذائي في البلاد.

من هذا المُنطلق، نرى أنه على الحكومة الدعوة سريعًا إلى جلسة حكومية للنظر في هذا الملف الخطير بالنسبة للشعب اللبناني خصوصاً أنّ له تشعبات منها التهريب الذي يُشكّل أكثر من 60% من إستيراد المواد الغذائية وتهريب الدولارات التي يحتاجها السوق اللبناني لإكفاء حاجاته.