أسفرت المعارك عن مقتل نحو 300 مدنياً وجرح الآلاف. اندلعت المعارك نتيجة الصّراع على السلطة بين الطرفين...
لا يزال القتال دائراً في السودان بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي. وقد أسفرت المعارك عن مقتل نحو 300 مدنياً وجرح الآلاف. اندلعت المعارك نتيجة الصّراع على السلطة بين الطرفين، خصوصاً بعدما طلب البرهان من دقلو دمج قوّات الدعم السريع في الجيش، ما اعتبره هذا الأخير محاولة لإلغاء دوره السّياسي، وما يرتبط به من مصالح اقتصادية راكمتها قوّات الدّعم السّريع على مدى أكثر من عقد.
وكان البرهان، الذي يرأس مجلس الحكم الانتقالي في السودان منذ الانقلاب على عمر حسن البشير في العام 2019، قد واجه تصاعداً للمعارضة لحكمه من قبل الأحزاب المدنية، ما جعله يعقد تسوية سرّيّة معها، على ما أفاد مراقبون، على أن يبقى حاكماً للسودان مع تسليم العديد من مفاصل السلطة للجهات المدنية. وكان من تبعات التّسوية التي دعمتها مصر أن يتم توحيد الجيش السوداني، عبر إعادة دمج قوّات الدّعم السريع في الجيش.
قوات الدعم السريع
قوّات الدّعم السّريع هي ميليشيا سودانية تشكّلت من مجموعات الجنجويد، التي قاتلت في دارفور لصالح الحكومة السودانية وارتكبت العديد من الجرائم بحقّ المدنيين هناك، في ما تمّ تصنيفه على أنّه جرائم ضد الإنسانية.
تمّ الإعلان عن هذه القوات رسمياً في العام 2013 بعد إعادة هيكلة ميليشيا الجنجويد التي تولت قتال المتمرّدين على حكم البشير في دارفور وجنوب كردفان وولايات النيل الأزرق. ويرأس هذه القوة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، والذي كان تاجر جِمال قبل تولّيه قيادة هذه الميليشيات، وقد تمّ منحه رتبة فريق أول من قبل عمر حسن البشير الذي كان يعتبره ذراعه اليمنى قبل أن ينقلب عليه بالاشتراك مع البرهان. ومع الوقت تنامى حجم قوّة الدّعم السّريع ليصل إلى نحو مئة ألف جندي.
وقد تمكن دقلو من تنويع علاقاته مع عدد من الأطراف الدّولية والدّول وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد على قوّة الدّعم السّريع لمنع تدفق المهاجرين غير الشّرعيين من الدول الأفريقية جنوب الصحراء إلى ليبيا ومنها إلى أوروبا. كذلك فإن للقوة علاقات مع الشركة العسكرية الخاصة الروسية فاغنر التي قامت بتدريب قوّات الدّعم السّريع وتجهيزها بالعتاد العسكري، بما فيها المركبات المدرّعة وطائرات الهليكوبتر الحربية. وقد ساهم هذا في إقامة حميدتي لعلاقات خاصة مع القيادة الروسية علماً أنّه زار موسكو في العام 2018. كذلك تمتلك القوّة علاقات قوية مع كلّ من المملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات العربية المتحدة، نتيجة عدة عوامل أهمّها الدور الذي لعبته في القتال في صفوف التّحالف العربي في حربه في اليمن. وتقول تقارير إنّ القوة أرسلت نحو أربعين الف مقاتل للقتال في صفوف جيش الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي. كذلك تمتلك القوّة علاقات طيّبة مع الجنرال الليبي خليفة حفتر الذي يسيطر على مناطق في شرق ليبيا. والجدير ذكره أنّه خلال هجوم قوات حفتر على غرب ليبيا في تموز يوليو 2019، شارك نحو ألف جندي من قوّة الدّعم السّريع في هذا الهجوم إلى جانب حفتر.
العلاقات مع أبو ظبي والرياض
تمكّن حميدتي عبر قوّة الدّعم السّريع من السيطرة على مناجم الذهب في دارفور، مما حوّله إلى أحد أغنى الرجال في السودان. ولهذا الغرض تمّ الإعلان عن قيام شركة متخصصة بالعمل في التعدين هي شركة الجنيد ويرأسها عبد الرحيم، شقيق حميدتي ونائب قائد قوّة الدّعم السّريع. وتمتلك القوّة شركتين هما "جي اس كي" وهي شركة سودانية صغيرة للتكنولوجيا، وشركة "تراديف جنرال ترايديمغ" وهي شركة ومقرّها في الإمارات العربيّة المتّحدة، وتخضعان لسيطرة شقيق آخر لحميدتي واسمه ألغوني حمدان دقلو. والمصالح الاقتصادية هي التي جعلت علاقات حميدتي بالإمارات العربيّة المتّحدة مميزة. فعدا عن تجنيد المقاتلين لصالح المملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة للقتال في اليمن، فإن سيطرة حميدتي على قطاع المعادن أتاحت الفرصة أمام أبو ظبي للاستفادة من هذا القطاع، بما فيه الذهب والنحاس واليورانيوم الذي يباع عبر شركات حميدتي المسجّلة في الإمارات العربيّة المتّحدة.
والجدير ذكره أنّ دور الإمارات العربيّة المتّحدة تنامى في السودان منذ عهد الرئيس المخلوع عمر حسن البشير. فخلال السنوات الأخيرة لحكم هذا الأخير انخرط السودان إلى جانب المملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة في الحرب في اليمن. بالتوازي مع ذلك شن البشير حملة ضد الاخوان المسلمين الذين كانوا يعتبرون معادين للرياض وأبو ظبي. وقد ترافق ذلك مع ازاحته لعدد كبير من الإسلاميين من مناصبهم وتفكيك تنظيم الاخوان المسلمين في السودان. في مقابل ذلك رفعت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على السودان وذلك بدعم من دول الخليج وعلى رأسها السّعوديّة والإمارات. وترافق ذلك مع دعم اقتصادي خليجي. وبعد الإطاحة بهذا الأخير فإن أبو ظبي دعمت قائد قوّة الدّعم السّريع بالإضافة إلى عدد آخر من جنرالات الجيش السوداني. وبالتعاون مع المملكة العربيّة السّعوديّة، تم ارسال وفد مشترك بقيادة الفريق طه الحسين الذي كان مديراً سابقاً لمكتب البشير، قبل أن يلجأ إلى الرياض ويمنح الجنسية السعودية ليعمل مستشاراً لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان. وبنتيجة هذه الزيارة حصل السودان على دعم مالي من أبو ظبي والرياض بقيمة ثلاث مليارات دولار. إضافة إلى ذلك قدّمت الإمارات العربيّة المتّحدة عتاداً عسكرياً إلى الجيش السوداني وقوّة الدّعم السّريع كدعم للقوات المسلحة السودانية.
الخلاف مع القاهرة
بالتّوازي مع العلاقات الطّيّبة التي تربط قائد قوّة الدّعم السّريع بأبو ظبي، فهو حاول نسج علاقات طّيبة مع القاهرة في إطار صراعه على السلطة مع البرهان. والجدير ذكره أنّ هذا الصراع اندلع بعدما دعا البرهان حميدتي إلى ضمّ قوّة الدّعم السّريع إلى الجيش السوداني، ما اعتبره هذا الأخير محاولة لتهميشه. علماً أنًه يعتبر أنّ له فضل كبير في وصول البرهان إلى السّلطة بعدما انقلبت قوّة الدّعم السّريع على البشير، وبعدما ساهمت في قمع الاحتجاجات التي اندلعت ضد حكم البرهان عقب الإطاحة بالبشير. وقد اتّهمت قوّة الدّعم السّريع بقتل وجرح مئات المتظاهرين في العام 2019.
وفي إطار حشد الدّعم الدّولي لنفسه في مواجهة البرهان، زار حميدتي القاهرة في تموز الماضي. إلّا أنّ القيادة المصرية التي تفضّل التعامل مع حكم مركزي في السودان، والتي تنظر إلى وجود ميليشيات مسلّحة خارج إطار الجيش على أنّها تهديد لمركزية الدولة وبالتالي وحدة السودان، أبلغت حميدتي رسمياً بأنّها لا يمكن أن تقبل بوجود ميليشيا مسلحة لا تخضع لقيادة القوات المسلحة السودانية. وتشعر مصر بحساسية كبيرة تجاه أمن ووحدة السودان، الذي ترى فيه جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومي لارتباطه بأمن مياه النيل، الذي يعتبر شريان الحياة بالنسبة لمصر منذ فجر التاريخ. ويقال إنّ القيادة المصرية أبلغت القيادة الإماراتية عن مخاوفها من دعم أبو ظبي لقوّة الدّعم السّريع بما يهدّد وحدة السودان، مطالبة بوقف تسليحها.
خلاصة
مع حلول شهر نيسان كان التّوتّر بين البرهان وحميدتي قد بلغ أوجّه ما أدّى إلى اندلاع المواجهة المسلحة بين الجيش السوداني وقوّة الدّعم السّريع. وقد انتقل القتال من العاصمة السّودانية الخرطوم إلى عدد من المدن الأخرى. ويبدو أنّ للصراع تشعبات عدّة، فبناءً على العلاقات التي تربط حميدتي بمجموعة فاغنر الروسية، تبدو الولايات المتحدة متحفّظة على نشاطه من جهة وميّالة لدعم البرهان من جهة أخرى. أما روسيا فهي تائهة بين تقديم الدعم لحميدتي عبر مجموعة فاغنر، أو مراعاة صديقها الرئيس المصري في دعم البرهان. والجدير ذكره بروز دور إسرائيلي في الأزمة، فالقيادة في تل أبيب تربطها علاقات طيّبة بالبرهان من جهة، وحميدتي من جهة أخرى ما جعلها ترسل وفداً للوساطة بين الطّرفين، وهذا يشكّل سابقة في التاريخ العربي المعاصر لجهة توسّط إسرائيل في أزمة عربيّة. ويشكّل القتال في حال إطالة أمده خطرًا على وحدة السودان في ظلّ مشاريع غربية لتقسيم هذا البلد وفصل بعض الأقاليم عنه، من ضمنها دارفور وكردفان وولاية البحر الأحمر.